تهديدات متصاعدة...هل ستقع الحرب الإقليمية القادمة في لبنان؟
بعد مرور أكثر من 6 أشهر على اندلاع
عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل في
السابع من أكتوبر الفائت، وتصعيد الأوضاع الأمنية في المنطقة العربية بطريقة غير
مسبوقة من المتوقع أن الأوضاع في المنطقة مرشحة للتصعيد بشكل كبير وخاصة بين
الوكيل الإيراني جماعة "حزب الله" اللبنانية وإسرائيل بسبب الحدود
المشتركة فيما بينهما، والحروب التي دارت بينهما فيما سبق. ويتوازى ذلك مع حالة
العداء الشديدة بين إيران وإسرائيل وكون حزب الله اللبناني الوكيل الأقوى والأهم
بالنسبة لإيران في المنطقة العربية، وبالتالي، يعد الانتقام منه بمثابة انتقام
مباشر من إيران من وجهة نظر تل أبيب.
ورغم أن التصعيد بين حزب الله وإسرائيل
في سياق الحرب الأكبر بين الأخير وحماس منذ إطلاق عملية "طوفان الأقصى"
يوم 7 أكتوبر 2023كان يتسم بإنه محسوب ومتناسب، ولكن لم يصمد نمط التصعيد المحسوب
كثيراًـ إذ سرعان ما أرادت إسرائيل أن تفرض هيمنتها العسكرية على المشهد في الجنوب
اللبناني، فاستهدفت قرى لبنانية في شرقي مدينة صور وعيتا الشعب وعلما الشعب
والضهيرة ورميش. وعلى عكس القصف السابق الذي كان يطال أراضٍ خالية غير مأهولة، بدأ
القصف الإسرائيلي يستهدف مناطق مأهولة، وهو ما قام بمثله حزب الله أيضاً.
وسيتم توضيح أبرز معالم ذلك على النحو
التالي:-
أولاً: توازن دقيق للردع
أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف
غالانت في 25 فبراير 2024 عن أن إسرائيل ستواصل مهاجمة لبنان بغض النظر عما يحدث
في غزة وبالفعل فإن الضربات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله مستمرة. ولقد حاول
حزب الله على مدى الأشهر الماضية، الموازنة بين الحفاظ على مصداقيته كلاعب رئيسي
في محور المقاومة المدعوم من إيران والابتعاد عن التصعيد مع إسرائيل. ويرجع هذا
إلى أن حزب الله يدرك أن الرغبة في خوض حرب شاملة بين أنصاره ضئيلة، وستتسبب له في
مزيد من الإحراج على الساحة الداخلية ورفض من غالبية القوى السياسية، لأن مثل هذه
الحرب من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إيذاء إيران وليس خدمة مصالحها.
فصحيح أن حزب الله التزم في الأيام
الأولى بعدم قصف الأراضي الفلسطينية المحتلة وركز عملياته على النقاط اللبنانية
التي مازالت محتلة، ولكنه سمح تدريجياً وعلى التوازي مع تكثيف القصف الجوي على
قطاع غزة، للفصائل الفلسطينية بالعمل عبر الحدود اللبنانية إما قصفاً بالصواريخ أو
تسللاً للمقاتلين.
وإذ لا يملك الجيش الإسرائيلي الرد على
المواقع الفلسطينية في لبنان لأنها غير معروفة، رد على مواقع حزب الله المعروفة
لديه مما أدى إلى مقتل عدد لا بأس به من
عناصر حزب الله خلال الأشهر الماضية من المواجهات. وهنا رد حزب الله بقصف مواقع
عسكرية لإسرائيل في الشريط الحدودي المشترك واستهدف آليات عسكرية ومن ضمنها دبابات
محصنة وتمكن من تدميرها بالكامل وإصابة طاقمها بجراح خطيرة مع أنباء عند سقوط قتلى
لم يُعلن عنهم من الطرف الإسرائيلي.
ثانياً: تصعيد مرشح للانفلات
رغم أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين
توضح أن تل أبيب تعد لحرب موسعة مع حزب الله، ولكن يمكن القول أن أي امتداد خطير
للحرب إلى لبنان يعني أن إسرائيل تقاتل على جبهتين، وهو ما قد يستلزم بدوره تدخل
الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل. وهذا من شأنه أن يجعل إيران نفسها أقرب إلى
الحرب، وهو أمر تحرص طهران على تجنبه. وقد حاولت إسرائيل أيضاً تجنب مثل هذا
السيناريو، على الرغم من خطابها التهديدي؛ حيث استهدفت غالبية هجماتها على لبنان
منذ أكتوبر الفائت بعناية مواقع حزب الله
وأفراده وتحاول الابتعاد قدر الإمكان عن المناطق المأهولة بالمدنيين.
ومع ذلك، قامت إسرائيل في الأسابيع
الأخيرة بتوسيع نطاق هجماتها في لبنان، فبالإضافة إلى توسيع المنطقة الجغرافية
للضربات في جنوب لبنان، وضربتها المستهدفة التي أدت إلى مقتل مسؤول في حماس في
الضاحية الجنوبية لبيروت، هاجمت إسرائيل مواقع حزب الله في بعلبك بوادي البقاع في
شرق لبنان للمرة الأولى. وجاء هذا الهجوم بعد وقت قصير من شكوى الحكومة السورية
إلى لبنان بشأن أبراج المراقبة المقامة على الجانب اللبناني من الحدود مع سوريا،
وأفادت الشكوى بأن أبراج المراقبة، التي أنشأتها المملكة المتحدة في عام 2014
لمساعدة الجيش اللبناني على مكافحة التهريب، كانت تستخدم للمراقبة من قبل "طرف
ثالث" – أي إسرائيل.
وبالتوازي مع ذلك، يمكن القول أن حزب
الله بات غير قادر على تعويض الأسر المدنية اللبنانية التي تضررت من العمليات
الإسرائيلية المستمرة، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع حملة التعويضات واسعة النطاق
التي قامت بها إيران في أعقاب حربها مع إسرائيل في عام 2006.
ثالثاً: وساطات هامشية
كانت طهران حريصة على تأمين غطاء
لحليفها في بيروت، ففي زيارة لوزير الخارجية الإيراني لبيروت تزامنت مع زيارة وزير
الخارجية الأمريكي إلى تل أبيب، قال حسين أمير عبداللهيان أن احتمالات فتح حرب
متعددة الجبهات قائمة وأنه لابد من الحذر من هذا السيناريو لأن موقف حزب الله
الراهن قد يتغير في حال تم تنفيذ اجتياح بري لغزة.
بل ذهب عبداللهيان بعيداً ليحذر من أن
الحرب القادمة إذا ما اشتعلت فإنها ستُغير شكل الخريطة الراهنة وستكون لها
تداعياتها بعيدة المدى. وهكذا تكون احتماليات تصعيد المشهد محكومة بالتطورات في
الميدان نظراً لغياب أي وساطات جادة حتى الآن لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل،
بل على العكس بذلت الأطراف الأخرى المرتبطة بالفاعلين الرئيسيين جهداً لإثبات
دعمها الكامل لهما واستعدادها لتوسيع الحرب وفي القلب من هؤلاء الفاعلين حزب الله
ومن ورائه إيران.
وكذلك، وجهت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين
كولونا رسالة إلى كافة الفرقاء اللبنانيين في بيروت تحذر فيها بلغة خشنة وغير
دبلوماسية من تفكير أي فريق للاستفادة من الاشتراك بالحرب وتقصد بذلك حزب الله.
كما دعت الزعماء اللبنانيين إلى تحمل مسئولياتهم في منع تدهور الموقف وانزلاق
لبنان إلى الحرب. ولا شك أن خيار دخول حزب الله الحرب ليس من أفضل الخيارات
المطروحة، خاصة بالنظر للوضع الاقتصادي اللبناني المعتمد بالكامل على المساعدات
الغربية وأيضاً غياب إجماع وطني على قتال إسرائيل مرة أخرى وخرق القرار 1701.
وفي النهاية: يمكن
القول أنه وبالنظر للخطوات المترتبة على تصعيد كل طرف بناء على تصعيد الطرف الآخر،
يبدو المشهد مرشحاً للانزلاق إلى حرب متعددة الجبهات لن تقف فيها إيران مكبلة عن
حماية الأذرع العسكرية التي أسستها في المنطقة ولن تقف فيها الولايات المتحدة
عاجزة عن حماية أمن إسرائيل. فلعبة التصعيد ماضية إلى خيار مدمر للغاية إذا لم يتم
تدارك الأمر بوقف فوري لإطلاق النار ووقف الاجتياح البري لرفح.