دوافع متعددة....لماذا تبحث الصين عن موطئ قدم لها في البحر الأحمر؟
آثار رد الفعل الصيني في ذروة التوتر
في البحر الأحمر بين جماعة الحوثي اليمنية والقوى الغربية الداعمة لإسرائيل الكثير
من التساؤلات حول مستقبل تواجد الصين ومدى تدخلها في هذه المنطقة. فبعد عملية
"طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل في السابع
من أكتوبر 2023 وبدء حرب غزة، شنت جماعة
الحوثي اليمنية ما لا يقل عن 34 هجوماً ضد السفن التي تمر عبر البحر الأحمر وقناة
السويس باعتبارها أحد أهم الممرات المائية في العالم، وتعنى هذه السفن بالتجارة ونقل
البضائع والطاقة من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.
وبعد فترة وجيزة من هذه التطورات، ومن
أجل حماية مصالحها، أعلنت الصين في 24 فبراير 2024، إرسال أسطولها السادس
والأربعين من قواتها البحرية إلى المنطقة، وكشفت عن أن الأسطول منظم في ثلاث
مجموعات تشغيلية، والتي ستركز بشكل أساسي على البحر الأحمر وخليج عدن، في حين سيتم
أيضاً نشر جزء آخر من البحرية الوطنية الصينية في القرن الأفريقي لمواجهة أعمال القرصنة.
واتضحت أبرز التساؤلات الرئيسية التي
آثارها هذا التصرف الصيني، والتي تنطوي إجاباتها على أهمية كبيرة على سبيل المثال
في: هل هذا الإجراء من جانب بكين مؤقت أم دائم؟ هل ستقبله واشنطن على المدى
البعيد؟ وإلى أي مدى سيكون لهذا الإجراء الصيني تأثير مباشر على الوضع الحالي
للبحر الأحمر والتفاعلات الإقليمية الشاملة؟ وأخيراً، هل يتضمن هذا الإجراء الصيني
رسالة لجماعة الحوثي في اليمن أم إشارة من الصين لإظهار معارضتها لوجود الولايات
المتحدة الأمريكية وبريطانيا في البحر الأحمر؟
ويمكن توضيح أبزر معالم ذلك على النحو
التالي:
1-
ضمان الاستقرار في البحر الأحمر
لا شك أن البحر الأحمر هو الشريان
الرئيسي لتصدير البضائع الصينية إلى أوروبا؛ حيث إنه حتى ديسمبر 2023، فإن حوالي
99% من سفن الحاويات التي تسافر بين الصين وأوروبا كانت تمر عبر هذا البحر، ولكن
في الأشهر الأخيرة، وبالتوازي مع تكثيف هجمات جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من
إيران والمناصرة لحركة حماس الفلسطينية على السفن المتجهة لإسرائيل غيّرت حوالي
90% من سفن الحاويات العابرة مسارها من البحر الأحمر إلى أفريقيا، وهو الأمر الذى
أزعج الصين كثيراً، بسبب الاضطرابات التي أحدثها هذا الإجراء في صادراتها إلى
أوروبا، فضلاً عن أنها أثرت على استقرار المنطقة، وحولت البحر الأحمر إلى مركز
للحوادث في الشرق الأوسط.
وكذلك، أثرت الهجمات الصاروخية
والطائرات المسيرة التي شنتها جماعة الحوثي اليمنية على السفن التجارية في البحر الأحمر، على العديد
من السفن المملوكة لشركات صينية وأوروبية مثل شركة الشحن الدنماركية
"ميرسك"، وتسببت في تغيير عدد من شركات الشحن العالمية والصينية
مساراتها. ولذلك على الرغم من أن الطريق الجديد الذي تمر السفن فيه عبر المياه المحيطة بالقارة
الأفريقية، أكثر أمانًا نسبيًا، إلا أنه طويلًا ومكلفًا، مما أدى إلى إبطاء حركة التجارة
الدولية.
2-
مزاحمة النفوذ الأمريكي
رغم عدم موافقة الصين على تصرفات جماعة
الحوثي اليمنية المزعزعة للاستقرار في البحر الأحمر، فإنها لم ترفض فقط الانضمام
إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لحماية السفن التجارية
في البحر الأحمر والذى عرف باسم "حارس الإزدهار"، بل أدانت الهجمات
العسكرية التي شنتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد اليمن.
فبعد شهر واحد فقط من تدشين الولايات
المتحدة الأمريكية لهذا التحالف، أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة بحرية خاصة لهذا
الاتحاد تسمى "أسبيدس" بهدف حماية أمن
السفن التجارية من هجمات الحوثي. كما
امتنعت بكين عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2722 بشأن اليمن، وأعلنت أن مجلس
الأمن وهذا القرار لن يسمحا أبدا لأي دولة باستخدام القوة ضد اليمن.
والجدير بالذكر، أن محاولات الصين
لإيجاد نفوذ لها في البحر الأحمر لم تكن وليدة الفترة اللاحقة على عملية طوفان
الأقصى، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 2008، أرسلت الصين أكثر من 150 سفينة
وسفينة حربية إلى خليج عدن، وبعد بدء حرب غزة، تم إرسال 6 سفن حربية صينية إلى
مياه الشرق الأوسط بهدف حماية الحركة البحرية في هذه المنطقة.
3-
الحفاظ على شراكاتها الاقتصادية مع دول
المنطقة
يبدو أن الصين تحاول من خلال هكذا
إجراءات الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع الدول العربية بمثل هذه التصرفات ولا تريد
أن تصبح عضوا في تحالف رفضته الدول
العربية. والشاهد على ذلك، إنه في الوقت نفسه الذى أعربت
فيه بكين عن معارضتها لهجمات التحالف الأمريكي البريطاني على اليمن، فقد أعلنت رفضها
لتصرفات جماعة الحوثي المزعزعة للاستقرار في البحر الأحمر، بل وطالبت إيران بالضغط
عليهم من أجل وقف هذه الأعمال واحترام حرية الملاحة لجميع الدول في البحر الأحمر
وخليج عدن.
كما أنه بسبب اضطراب حركة السفن
والملاحة البحرية في مياه البحر الأحمر وزيادة الوجود العسكري في هذه المنطقة،
تأثرت بشكل كبير تفاعلات الصين التجارية حول العالم، وخاصة عبر قناة السويس. هذا
فيما استثمرت بكين مليارات الدولارات في الدول الإفريقية ولاسيما العربية في
السنوات الأخيرة وبما يتماشى مع مصالحها، وهي الآن تخشى احتمال نشوب صراعات أوسع
تهدد إمكانية استمرار مثل هذه المشروعات الوليدة.
لذا، من المتوقع إنه إذا سعت إسرائيل إلى مواصلة
الحرب أو توسيع نطاق عملياتها العسكرية إلى مدينة رفح في قطاع غزة، فإن الصين
ستضطر بلا شك إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات من أجل حماية مصالحها وتجنب العواقب
السلبية المترتبة على تصاعد الوضع المتوتر في المنطقة من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير التي يمكن أن تؤدي في نهاية
المطاف إلى تعزيز الوجود الدفاعي والأمني الصيني في
البحر الأحمر.
وتأسيساً على ذلك، دعا السفير الصيني
في اليمن أيضاً إلى إنهاء الحرب في غزة، مشيراً إلى الآثار السلبية للتوترات
الإقليمية على الشحن الصيني، وأكد أن انتهاء الحرب في غزة سيؤدي إلى وقف الهجمات
من قبل القوات اليمنية على متن السفن التجارية العابرة. كما حذرت وزارة الخارجية الصينية من زيادة تكلفة تأمين النقل البحري.
وفي النهاية: يمكن
القول إنه يبدو أن موقف الصين من التطورات التي تشهدها المنطقة بعد بداية حرب غزة،
وخاصة الوضع الحالي في البحر الأحمر، واضح وصريح؛ حيث ترى بكين أن الأحداث الأمنية
في مياه البحر الأحمر وخليج عدن هي نتيجة للتعدي الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن
الحل الوحيد لمنع المزيد من التوترات واستعادة الأمن في المنطقة هو الضغط على
إسرائيل لوقف الحرب في قطاع غزة.