أدلى الناخبون الروس بأصواتهم في
انتخابات مخصّصة لتجديد ولاية الرئيس فلاديمير بوتين، في ظلّ غياب شبه تام
للمعارضة التي تعرّضت لعمليات قمع تصاعدت في السنوات الأخيرة، في خضم الهجوم على
أوكرانيا. وقد جرت عملية انتخاب رئيس لمدة ثلاثة أيام في
الفترة من 15 إلى 17 مارس 2024. ويعتقد الكثيرون أنه من المؤكد أن الرئيس الحالي
فلاديمير بوتين سيفوز بالانتخابات من قبل أن تبدأ وسيصبح رئيسًا للمرة الخامسة.
وشكر الروسي فلاديمير بوتين الروس على
تصويتهم، وقال أمام فريق حملته خلال خطاب بثه التلفزيون الرسمي "في البداية،
أود أن أشكر المواطنين، فنحن جميعا فريق واحد، جميع مواطني روسيا الذين ذهبوا إلى
مراكز الاقتراع وأدلوا بأصواتهم". واعتبر أن فوزه في الانتخابات الرئاسية تظهر
"ثقة" الروس في قيادته. وصرح قائلا "أمامنا العديد من المهام
المحددة والمهمة التي يتعين علينا إنجازها. وتظهر نتائج الانتخابات ثقة مواطني
البلاد وأملهم في أن نقوم بكل ما هو مخطط له".
ومع إعلان فوز بوتين بالانتخابات، فإن
ولايته المقبلة كرئيس كانت محور نقاش من قبل الخبراء والسياسيين، الذين حاولوا
دراسة جميع السيناريوهات المترتبة على فوزه وكيفية تأثير فوزه على روسيا داخليًا
وخارجيًا.
محددات التوجه
يدير فلاديمير بوتين روسيا فعليًا منذ عام 2000. وقد تم تعيينه
كأول رئيس مؤقت من قبل سلفه الرئيس بوريس يلتسين، وفاز بأول انتخابات له في مارس
2000. وبين عامي 2008 و2012، قام بتبديل الأدوار،
ليصبح رئيسًا للوزراء لكنه ظل مسيطراً بشكل كامل. في ذلك الوقت، كان الدستور
الروسي يسمح للرئيس بفترتين متتاليتين فقط، لكن هذه الخطوة سمحت له بإعادة ضبط
سلطته والترشح مرة أخرى. وفي عام 2020، تم تغيير
الدستور، ومن المتوقع أن يبقى الرئيس بوتين في السلطة حتى عام 2036. وبحلول ذلك الوقت، سيكون
قد أصبح الحاكم الأطول عمرًا في تاريخ روسيا، متغلباً على الزعيم الشيوعي جوزيف
ستالين والإمبراطورة كاثرين العظيمة في القرن الثامن عشر، اللذين ظلا في السلطة
لأكثر من 30 عامًا.
وبالنسبة لهذه الانتخابات، فليس الفوز هو المهم فقط لفلاديمير
بوتين، ولكن أيضًا رؤية الإقبال الكبير على مراكز الاقتراع والنسبة العالية للدعم؛
حيث أن البلاد متورطة في حرب واسعة النطاق ستكون لها عواقب دائمة على روسيا. بالنسبة
لمسئولي الدولة، ستكون الانتخابات بمثابة اختبار لقدرتهم على حشد الموارد الإدارية
وتحقيق مكاسب انتخابية غير متوقعة للرئيس.
من ناحية أخرى، لم يكن أمام الناخبين الروس خيار حقيقي، ويرى
بعض المحللين أنه مع وفاة نافالني، أصبحت المعارضة الديمقراطية في حالة من الفوضى،
وأن الاقتصاد الروسي، على الرغم من وابل العقوبات الغربية، لم ينهَر إلا بالكاد،
وبالمقارنة مع الرؤساء الأميركيين، فإن بوتين الذي يبلغ من العمر 71 عامًا فقط، لا
يزال يتمتع بشباب نسبي. وبالتالي أصبح بوتين واحدًا من أطول الزعماء حكمًا في
روسيا، ويتوقع عدد من المحللين أن يزيد من إحكام قبضته على السلطة في الفترة
المقبلة لتعزيز حكمه، يضاف إلى ذلك عامل استقرار الوضع الاقتصادي، فرغم العقوبات
الغربية التي فرضت على روسيا في مختلف قطاعات الإنتاج، من الطاقة إلى الزراعة
والتصنيع العسكري حتى النقل الجوي، تمكنت السلطات الروسية حتى الآن من الحفاظ على
مستوى الحياة العامة للمجتمع. فكانت نسبة التضخم في
الأسواق الروسية هي الأقل بالمقارنة مع دول أوروبا، وزادت الثقة بالجهاز الحكومي
مع التقارير الدولية التي تفيد بالتوقعات المتفائلة لنمو الاقتصاد الروسي، من
أهمها تقرير البنك الدولي الصادر في يناير كانون الثاني 2024 الذي رفع توقعاته
لنمو الاقتصاد الروسي في عام 2024 إلى 1.3 في المئة، وفي 2025 إلى 0.9 في المئة.
ورغم ذلك، هناك تحديات كبيرة في انتظار حاكم الكرملين المقبل،
يأتي في مقدمتها التحدي الأمني المتمثل في الحرب الأوكرانية، فرغم نجاحات الدفاعات
الروسية في إجهاض الهجوم الأوكراني المضاد، الذي صُوّر داخل المجتمع الغربي
والأوكراني على أنه الضربة التي ستقصم ظهر الكرملين، كما أن الأوساط الروسية تنادي
بضرورة وجود منطقة آمنة على الحدود، وتوسيع الجبهة حتى تبقى المدن الحدودية
الروسية في مأمن من الهجمات الأوكرانية.
وعلى صعيد آخر، فالكرملين اعتبر إعادة انتخاب بوتين، كدليل على
أن الروس يدعمون الحرب بشكل كامل، وأنهم متحدون وراء مواجهته مع الولايات المتحدة
وحلفائها في منظمة حلف شمال الأطلسي، وأنه ليس هناك مجال لانتقاد التكلفة الهائلة،
التي خلّفتها الحرب في الأرواح والدمار. وفي الوقت نفسه، تراجع
تأثير العقوبات الدولية، ويسعون إلى رسم صورة للحياة التي تتحسن باستمرار في عهد
بوتين، فالواقع يُظهر أنه بعد مرور عامين على الحرب في أوكرانيا، أصبح لدى كثيرين
في روسيا، العديد من الأسباب التي تجعلهم يشعرون بأن اقتصاد الحرب يعمل لصالحهم،
إذ سجّلت الأجور هناك ارتفاعاً، وخاصة بالنسبة للعمال من ذوي الأجور المنخفضة،
الذين ارتفعت أجورهم بمعدل سنوي بلغ 20 بالمئة. كما يدعم هذه المكاسب نقص العمالة والجرعة الكبيرة من المساعدة
الحكومية، مع دعم الروبل من خلال ضوابط رأس المال، وحرق الحكومة لاحتياطياتها لدعم
الإنفاق الدفاعي والشركات. كما أثار بوتين الحنين إلى الماضي، لتقديم نفسه على أنه
يدافع عن القيم المحافظة والأرثوذكسية التقليدية في روسيا ضد الغرب الليبرالي الذي
يسعى لتدميرها.
اتهامات غربية
تسارعت ردود الفعل الغربية فور الإعلان عن نتيجة الانتخابات
الروسية والتي حصل فيها الرئيس فلاديمير بوتين على 87 في المئة من أصوات الناخبين
الروس. وقال البيت الأبيض إن
الانتخابات الرئاسية الروسية ليست حرة ولا نزيهة لأن الرئيس فلاديمير بوتين زج
بمعارضيه في السجن ومنع آخرين من الترشح أمامه، وضمن السياق ذاته قال الرئيس
الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد أن يحكم إلى
الأبد واصفًا الانتخابات الرئاسية الروسية بأنها تفتقر إلى الشرعية. كما قالت الخارجية البولندية في بيان إن
"الانتخابات الرئاسية في روسيا غير قانونية وغير حرة وغير نزيهة"، لافتة
الى أنها جرت في مناخ من القمع الشديد وفي المناطق المحتلة من أوكرانيا، مما يشكل
انتهاكًا للقانون الدولي.
وقالت وسائل إعلام غربية أنه لا يوجد في الانتخابات الرئاسية
سوى ثلاثة منافسين لبوتين، وجميع هؤلاء خاضعون بشكل أو بآخر لسيطرة الكرملين، وأن
المرشحين يمثلون الأحزاب الموالية في مجلس الدوما بالبرلمان، ومنهم ليونيد
سلوتسكي، الذي يرأس الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي القومي المتطرف، فيما ترشح
عن الشيوعيين العضو في البرلمان الروسي نيكولاي خاريتونوف، الذي يبلغ من العمر 75
عامًا، والذي يعدّ سياسيًا مخضرمًا، في حين يعد المرشح الثالث فلاديسلاف دافانكوف
ممثلًا لحزب الشعب الجديد، وهو حزب تم إنشاؤه عام 2020. حيث لم تترك السلطات أي
مجال لمعارضيها في الانتخابات، إذ يتفق المرشحون الثلاثة الآخرون مع الكرملين فيما
يتعلق بأوكرانيا أو مواجهة الغرب.
في الختام: قد لا يختلف بوتين في الولاية الخامسة عن الولاية
السابقة، فمن المحتمل أن يستمر بوتين في مساره الحالي المتمثل بالصراع في الخارج وإحكام
مزيد من السيطرة على الأوضاع في الداخل.
وبالنظر إلى المستقبل، فلربما يعني هذا استمرار الحرب في
أوكرانيا ــ والمواجهة مع الغرب ــ بالإضافة إلى حملة أيديولوجية على الجبهة
الداخلية، ويعتبر نجاح بوتين بهذه النسبة مهم بعد أقل من عام على التمرد الذي قامت
به مجموعة مرتزقة فاجنر - وشكلت تلك الانتفاضة، التي قادها يفجيني بريجوجين، تحديًا
مباشرًا لسلطة بوتين. وفي النهاية، كان زعيم
الكرملين هو الذي تربّع على القمة، وفي إطار ذلك، يسعى بوتين إلى تحقيق بعض
الأهداف الاستراتيجية التي تطرق إليها في خطابه السنوي في 29 فبراير 2024 وكان
زعيم الكرملين وعد بتخصيص الملايين لتحديث البنية التحتية لروسيا ومحاربة الفقر،
فضلا عن وقف التراجع الديمغرافي إضافة إلى إطلاق مشروع الرقمنة، ومواصلة الحرب في
أوكرانيا، وإقامة استثمارات اقتصادية في مجالات عدة.