سياقات غير مواتية...هل سينتهى الوجود العسكري الأمريكي في العراق؟
أثارت الزيارة التي قام بها رئيس
الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف
إبريل الجاري والتي كانت الزيارة الأولى له إلى واشنطن منذ توليه المنصب الكثير من
التكهنات حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي وقوات التحالف الدولي في العراق.
ويكتسب هذا الملف أهمية كبيرة بسبب حالة التوتر التي تخيم على الأوضاع السياسية
والأمنية في منطقة الشرق الأوسط بالتوازى مع اندلاع عملية "طوفان
الأقصى" من قبل حركة حماس الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، والتصعيد الجاري بين
هذه الأخيرة وإيران بعد استهداف تل أبيب لقنصليتها في دمشق.
وانخفضت شعبية الولايات المتحدة
الأمريكية ليس فقط في الشرق الأوسط بل في
غالبية دول العالم بسبب الدعم غير المسبوق
الذى قدمته واشنطن ومازالت إلى إسرائيل على كافة الأصعدة. وبالتوازي مع ذلك تلقت
الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الهجمات العسكرية بالمنطقة من قبل الجماعات
المسلحة التابعة لإيران في سوريا والعراق بما في ذلك غارة جوية بطائرة بدون طيار
في الأردن مؤخراً أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من أربعين آخرين
دعماً لحركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة.
وفي بداية عام 2020، صدق البرلمان
العراقي على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي
العراقية، وجاء ذلك بعد اغتيال قائد قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني
قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية استهدفت مركبه في محيط مطار بغداد، وأسفرت أيضا
عن مقتل أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي وآخرين.
وفي هذا السياق، يمكن القول إنه رغم
المحادثات الجارية بين بغداد وواشنطن حول انسحاب قوات التحالف الدولي بشكل كامل من
العراق تواجه الولايات المتحدة الأمريكية عقبات عدة تمنع خروجها في ذلك الوقت،
والتي يتمثل أبرزها في:
أولاً: استمرار الحرب في
قطاع غزة
من غير المتوقع أن تنحسب الولايات
المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط في ظل الحرب الدائرة في قطاع غزة في ظل حاجتها
الماسة للبقاء بالشرق الأوسط لدعم حليفتها إسرائيل، ولكن تواجه الإدارة الأمريكية
ضغوط كثير من قبل العراقية بقيادة محمد شياع السوداني المحسوب على قوى الإطار
التنسيقي الشيعي التابعة لإيران. وفي هذا السياق، يخشى السوداني أن يؤدى وجود قوات
التحالف الدولي البالغ عددهم 2500 جندي إلى مزيد من عدم الاستقرار في العراق بسبب
الضغوط المفروضة عليه بسبب الدعم الأمريكي للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ومن الناحية القانونية الفنية، فإن
هؤلاء الجنود مستشارون عسكريون بناء على طلب من حكومة بغداد، ولكن الغرض من وجودهم
هو توفير التدريب والمعدات والتنسيق مع الجيش العراقي قبيل الحرب على تنظيم الدولة
الإسلامية في العراق والشام "داعش"، ولكن بعد أن تم القضاء على التنظيم
وإنهاء وجوده في العراق تثار الكثير من التساؤلات حول مبررات استمرار وجودهم، ومن
حق الدولة العراقية القانوني أن تطلب من أي قوة أجنبية المغادرة، إذا اختارت ذلك.
ومع ذلك، لم يحدد رئيس الوزراء العراقي موعداً نهائياً لخروج قوات التحالف الدولي
من العراق، وليس من الواضح ما إذا كان سيفعل ذلك ومتى.
ثانياً: التصعيد الجاري بين
طهران وتل أبيب
من المؤكد أن الولايات المتحدة
الأمريكية ستمتنع عن الانسحاب من العراق في ظل التصعيد العسكري الجاري بين طهران
وتل أبيب؛ حيث قد تشعر هذه الأخيرة بالمزيد من الخطر ، وقد تستغل طهران هذا الأمر
لصالحها لجهة الظهور بمظهر أقوى أمام حلفائها وتحقيق المزيد من السيطرة على المنطقة
العربية، نتيجة الحد من الوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة.
ورغم الضغوط الكثيرة المفروضة على حكومة
السوداني من قبل الفصائل التابعة لطهران في هذا الملف، إلا إنه كشفت بعض التقديرات
عن أن الزيارة الأخيرة للسوداني إلى واشنطن تضمنت محادثات حول الملفات الأمنية
التي يمكن أن يتعاون بشأنها الطرفان في المستقبل. ولكن لم يترك مقتل الكثير من
القيادات العسكرية في الحشد الشعبي وعلى رأسهم القائد الكبير للواء الثاني عشر
التابع لقوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران مشتاق طالب الساعدي في يناير لعام
2024 للسوداني أي بديل آخر سوى مطالبة واشنطن بحزم حقائبها ومغادرة العراق.
ثالثاً: قرب موعد الانتخابات
الأمريكية
تأتي مطالب العراق للإدارة الأمريكية
الحالية بانسحاب قوات التحالف الدولي بالتوازي مع قرب موعد الاستحقاقات الرئاسية
الأمريكية وانخفاض شعبية الرئيس الأمريكي جوبايدن في مواجهة نظيره دونالد ترامب،
وان الانسحاب العسكري لواشنطن من العراق في هذا التوقيت وفي ظل حالة التوتر
المتصاعدة في الشرق الأوسط بالوقت الحالي لن يؤدى إلا إلى مزيد من انخفاض شعبية
بايدن المنخفضة بالفعل. ومن المؤكد أن الرئيس الأمريكي جوبايدن لا يرغب في تكرار
التجربة الفاشلة للخروج من أفغانستان دون تحقيق أي مكاسب بل بكثير من الخسائر. وفقاً
لدراسة جديدة أجرتها مؤسسة "غالوب" فإذا قام بايدن بأي تحركات تشير إلى تراجع واضح
تجاه إيران، فقد يجد نفسه في سيناريو مماثل لما شهده الرئيس جيمي كارتر في نوفمبر
1979 عندما اقتحم الطلاب الإيرانيون السفارة الأمريكية في طهران في عام 1979 واحتجزت 52 أمريكياً كرهائن لمدة 444 يوماً.
وهو ما خسر على إثره كارتر الرئاسة في
العام التالي أمام منافسه الجمهوري رونالد ريغان، الذي ظهر بصورة قوية وتفاوض مع
إيران من رواء الكواليس. ومن المؤكد أن الخصم السياسي لبايدن دونالد ترامب من
الممكن أن يفعل الأمر ذاته، ويذكر الشعب الأمريكي بإنه الذى أمر قائد فيلق القدس
التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق في يناير 2020.
وبالتالي، من المؤكد أن إدارة بايدن
ستحاول البقاء في العراق مع إجراء تعديلات طفيفة على اتفاقها مع حكومة محمد شياع
السوداني، حتى لو خرجت من العراق لن يكون قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في
نوفمبر من العام الجاري.
وفي النهاية: يمكن القول إن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية
المتمثلة في فرض مزيد من العقوبات على إيران العقوبات الإضافية بغرض الردع لم تعد
فعالة ولن يكون لها أي تداعيات عملية، وستأتي النتائج الأكثر وضوحاً من تحرك بايدن
إما لإبقاء القوات الأمريكية أو سحبها أو تقليص حجمها من العراق وفي أي مكان آخر
في الشرق الأوسط.