أزمات متداخلة....كيف أثر التصعيد العسكري بين طهران وتل أبيب على الاقتصاد الإيراني؟
آثارت المواجهة العسكرية بين إيران
وإسرائيل في إبريل لعام 2024 الكثير من التساؤلات حول تأثير الأحداث الخارجية
الإيرانية على الأوضاع المتأزمة في الداخل؛ فعندما يواجه بلداً ما اقتصاداً ضعيفاً
في ظل عدم وجود خطط عمل متماسكة وواقعية، فمن الطبيعي أنها لا تستطيع استخدام
نفوذها العسكري المتزايد في بلدان أخرى أو استغلال نفوذها العسكري الحالي بالشكل
الأمثل. وكذلك فالعقوبات، والنزاعات، والمفاوضات، والسلام، والحرب، وما إلى ذلك،
كل منها له عواقبه المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد.
وفي الواقع، فإن الشرط الأساسي للاستغلال
الأمثل للنفوذ العسكري ليس فقط وجود اقتصاد ديناميكي داخل البلاد، بل أيضاً التعاون
بين الاقتصادات الأخرى لدول إقليمية وعالمية أخرى يمكنها دعم استراتيجية للسياسة
الخارجية الإيرانية بطريقة أو بأخرى؛ والشاهد على ذلك هو إنه عندما تبحث قوة عظمى
مثل الولايات المتحدة الأمريكية عن التخطيط العسكري أو توسيع مجال نفوذها في مناطق
أخرى، فإنها تحاول تقسيم تكلفة النفوذ بين أصحاب المصلحة الرئيسيين، حتى يتسنى لها
في نهاية المطاف تخفيض تكلفة النفوذ الأمريكي.
أولاً- تراجع البورصة وسعر
الصرف
كشفت بعض التقديرات عن إنه بالتوازى مع
الهجوم العسكري الإيراني على إسرائيل والهجوم المضاد على أصفهان والذى بدأ منذ 13
إبريل الفائت وحتى نهاية هذا الشهر شهدت المؤشرات الاقتصادية الرئيسية حالة من
الصعود والهبوط، ولكن مع تلاشي هذه التوترات وانحسار ظلال الحرب المباشرة بين
الجانبين اتخذت هذه التقلبات الاقتصادية مساراً تنازلياً. وبالنظر إلى أن إحدى
السمات الواضحة للاقتصاد الإيراني، هي عدم وجود خطة استراتيجية في مجال تسيير
الأوضاع المعيشية فإن ذلك يزيد من هشاشة الاقتصاد الإيراني في مواجهة الأحداث
الخارجية. وكانت ولا تزال الاستراتيجية التنفيذية التي تم صياغتها بشأن السياسة
الخارجية الإيرانية عقب الحرب الإيرانية مع العراق تمثل العبء الرئيسي على
الاقتصاد من الثمانينات.
ومن هذا المنطلق، تم سحب مبلغ يقدر بـ 3600
مليار تومان نقداً من سوق الأوراق المالية في إيران بسبب زيادة المخاطر السياسية.
ورغم السيطرة على تقلب أسعار الأسهم بنسبة 1%، إلا إنه عندما هاجمت إيران إسرائيل،
انخفض المؤشر الإجمالي لبورصة طهران بمقدار 51 ألف وحدة، وواصل الانخفاض في الأيام
اللاحقة على ذلك حتى تم فقدان 70 ألف وحدة. كما قفزت أسعار العملات المختلفة في
الأيام التي تلت بدء التوتر؛ حيث وصل سعر الدولار في السوق المفتوحة إلى 70 ألف
تومان، ثم بدء في التراجع مرة أخرى في
الأيام التالية.
ثانياً: تأزيم وضع الشركات الصغيرة
أوضحت إحدى الشركات الناشطة في صناعة
الأدوية العشبية في طهران والتى يتعاون مع الدول الأوروبية عن إنه بعد بدء التوتر
بين إيران وإسرائيل في منتصف أبريل من هذا العام، أصبح التعامل مع الأطراف
المتعاقدة من الخارج أكثر صعوبة؛ حيث أن التواصل مع العملاء الأجانب يتم
إلكترونياً وأصبح صعباً بسبب مشاكل الانترنت وانخفاض سرعته. وأثر ذلك بشكل كبير
على شركات تكنولوجيا المعلومات، والتجار؛ حيث تسببت في انخفاض الاستثمارات المحلية
وتدفقات رأس المال من الخارج.
ومن هذا المنطلق يصبح الاقتصاد بمثابة
كعب أخيل للقوة العسكرية؛ ففي الوقت الذى تضيف فيه المقدرات العسكرية مزيد من
القوة إلى الدولة، لكن تفقد الدول هذه المميزات بسبب وجود التحديات الاقتصادية
وتفاقم الفقر والبطالة. وعلاوة على ذلك، كلما حدث توتر في العلاقات الخارجية، أصيب
الاقتصاد بصدمة، وانهارت الأسواق، وتراجعت قيمة العملة الوطنية الأمر الذى من شأنه
التأثير بالسلب على وضع المشروعات الناشئة والتي تعتمد على التسهيلات التي تقدمها
الدولة من أجل البقاء ومواصلة العمل.
ثالثاً: فرض عقوبات جديدة
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية
وبريطانيا في 18 إبريل الفائت عقوبات واسعة النطاق على برنامج إيران العسكري
للطائرات المسيرة، وكشفت وزارة الخزانة الأمريكية خلال بيان لها عن أن العقوبات
الجديدة تستهدف 16 شخصاً وكيانين يعملون على إنتاج طائرات إيرانية بدون طيار، منها
طائرات شاهد التي تم استخدامها خلال الهجوم ضد إسرائيل.
وبالإضافة إلى ذلك، استهدفت المملكة
المتحدة عدداً من المنظمات العسكرية الإيرانية والأفراد والشركات المنخرطة في
صناعات المسيرات والصواريخ الباليستية في إيران. وجاءت هذه العقوبات على كيانات عسكرية إيرانية تشمل هيئة الأركان العامة
للقوات المسلحة والقوة البحرية الخاصة بالحرس الثوري الإيراني، واستهدفت هذه
العقوبات في المجمل 13 كياناً وفرداً.
وضع معقد
يمكن القول أن الدولة التي ترغب في
توسيع نفوذها العسكري خارج حدودها يجب أن تحاول مشاركة بعض الدول الأخرى في تحمل
هذه التكلفة والشاهد على ذلك هو النموذج الأمريكي في منطقة غرب أسيا؛ حيث تتحمل
بعض الدول الخليجية جزء من النفقات العسكرية الأمريكية في منطقة غرب آسيا لمواجهة
إيران، ولكن على الناحية الأخرى تتحمل هذه الأخيرة نفقات توسيع نفوذها العسكري
بالمنطقة بنفسها بل أن تدعم الميليشيات المسلحة التابعة لها وبالتالي، من شأن ذلك
أن يؤثر بالسلب على وضع الاقتصاد الإيراني المتدهور بالفعل.
وبطبيعة الحال، فإن هذا يجعل الظروف
الاقتصادية المحلية أكثر خطورة، وإذا كانت المؤسسات الحكومية قد تجاهلت حتى الآن
بعض الحقائق الحالية في الاقتصاد والسوق، فقد وصلت الأزمة الاقتصادية إلى نقطة لا
يمكنها فيها تجاهل تلك المعايير. وتوضح هذه النقطة أنه بقدر ما يمكن أن تؤثر
معايير السياسة الخارجية والتفاوض والتوتر والصراع والحرب والسلام على السوق
والاقتصاد وسبل العيش، فإن العكس صحيح أيضاً، أي أن الوضع الاقتصادي والمعيشي والتجاري يمكن
أن يكون له تأثير على القوة الدبلوماسية والعسكرية والأمنية للدول.
ويمكن القول أن مثل هذه الأزمة تتضاعف
في حالة الاقتصاد الإيراني، بالنظر إلى أن المصدر الوحيد لتمويل النفقات العسكرية
هو من خلال بيع الموارد الطبيعية، والتي عادة لا تكون كافية، لذلك، عندما لا يغطي
بيع الموارد الطبيعية هذه التكاليف، فإن المؤسسات التنفيذية عادة ما تقوم برفع سعر
الصرف. وأدى ذلك إلى جعل الاقتصاد الإيراني غير قادر على خلق قيمة مضافة، وفي
الوقت نفسه، تسببت النفقات الكبيرة في عدم قدرة هذا الاقتصاد المنكوب بالأزمة على
تحمل النفقات. وقد أحدثت هذه العملية خللاً في التوازن بين النفقات والدخول، وفي
الوقت نفسه، أدى تحميل المواطنين هذه النفقات باسم الضرائب إلى إيجاد أزمة متعددة
الأبعاد على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري.