سباقات تسلح...كيف أعاد الذكاء الاصطناعي تعريف الحروب في الشرق الأوسط؟
كشفت بعض التقديرات عن إنه مع احتدام
الحرب في قطاع غزة، تشكل سردها البصري من خلال مشاهد الدبابات والأنقاض المألوفة
لدى الجماهير منذ الحرب على تنظيم داعش عقب انتشاره بالمنطقة خلال الفترة اللاحقة
على عام 2011. ومع ذلك، يكشف الفحص الدقيق عن ساحة معركة مستقبلية، تحددها
الخوارزميات والروبوتات وكذلك القتال بالأسلحة النارية والضربات الجوية. وفي هذا السياق، تتنقل طائرات Firefly "الانتحارية" المصغرة التابعة
للجيش الإسرائيلي بشكل مستقل في شوارع غزة، وتجتاز ناقلات الجنود المدرعة "نمر"
و"إيتان" الأنقاض، وتنشر أنظمة الذكاء الاصطناعي Edge
360 للكشف عن التهديدات الخوارزمية، وتطلق دبابات الميركافا الإسرائيلية، المجهزة
بنظام "تروفي"، وهو أول "نظام حماية نشط" في العالم، مقذوفات
آلية تعترض صواريخ حماس والقذائف الصاروخية.
تحاول الطائرات بدون طيار التي
تعمل بالذكاء الاصطناعي رسم خريطة لشبكة أنفاق حماس الواسعة، بينما تناور روبوتات IRIS و"Vision 60"
"الكلاب الآلية" من خلالها، وتستخدم أجهزة استشعار وكاميرات متخصصة
تكتشف الأشياء والأشخاص. ويستخدم مشاة جيش الدفاع الإسرائيلي بنادق معززة بـ
"SMASH"، وهو مشهد بصري مدعوم بالذكاء
الاصطناعي يحول كل جندي إلى قناص. وفي الوقت نفسه، يقوم روبوت صغير الحجم شبه
مستقل يُدعى "جاكوار" بدوريات على السياج الحدودي لغزة.
وفوق كل ذلك، يقوم نظام الذكاء
الاصطناعي "Fire Weaver"
بربط أجهزة استشعار جمع المعلومات الاستخبارية بالأسلحة في الميدان. ويستخدم نظاما
"Gospel" و"Lavender" للتعلم الآلي لإنشاء توصيات مستهدفة تلقائياً، وغربلة كميات
هائلة من البيانات من شبكات المراقبة المترامية الأطراف، في حين أنه قبل عام 2020،
ربما كان الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى عشرة أيام لتحديد عشرة أهداف والموافقة
عليها، فإن الأنظمة المستقلة تسمح بالاشتباك مع عشرة أضعاف عدد الأهداف خلال هذا
الإطار الزمني.
أولاً: الاقتصاد
الجغرافي للذكاء الاصطناعي العسكري
في حين تحتل واشنطن وبكين مركز
الصدارة في الصراع على الهيمنة التكنولوجية، فإن الشرق الأوسط يبرز باعتباره
الحاضنة غير المتوقعة للثورة العسكرية؛ حيث استثمرت الشركات والحكومات في الإمارات
العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، على وجه الخصوص، بشكل كبير
في تطوير التقنيات العسكرية المستقلة. وقد ساعدت ميزانيات البحث والتطوير الغزيرة،
والبنية التحتية المتقدمة، والعلاقات الاستراتيجية، والوصول إلى العمالة الماهرة،
الدول الثلاث ذات التسليح العالي على الحصول على السبق في المشهد الدفاعي الجديد
للذكاء الاصطناعي.
ويعد التركيز على الإنتاج الدفاعي
المحلي ركيزة أساسية في جهود التنمية الاقتصادية الأوسع التي تبذلها المملكتان
الخليجيتان والتي تهدف إلى استبدال الاعتماد على المواد الهيدروكربونية بالاكتفاء
الذاتي القائم على الذكاء الاصطناعي، كما تم التأكيد عليه في رؤية السعودية 2030
والإمارات العربية المتحدة 2031. ويُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه ضروري
للتنمية الرقمية التحول في قطاعات متعددة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية،
بما في ذلك الرعاية الصحية والخدمات العامة والطاقة والمياه والتصنيع والنقل. وعلى
نحو فريد، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتعيين أول وزير في العالم للذكاء
الاصطناعي، مما يدل على أهميته في الإمارات العربية المتحدة.
وعلى مدى السنوات الثلاثين
الماضية، ساهمت صناعة التكنولوجيا الفائقة التجارية المزدهرة في إسرائيل في دفع
نمو صناعة الدفاع المتخصصة، مدعومة بمعدل استثمار عام يبلغ 4% من الناتج المحلي
الإجمالي في البحث والتطوير المدني، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم. إن الابتكار
الدفاعي الإسرائيلي هو نتاج تفاعل مكثف بين القطاعين العسكري والمدني. وتتكون
قوتها العاملة الناشئة بشكل أساسي من قدامى المحاربين في الوحدات التكنولوجية
التابعة للجيش الإسرائيلي، وتقوم قوى الدفاع المملوكة للدولة مثل رافائيل وشركة IAI بتوفير ميزانيات الأبحاث الجامعية.
ثانياً: الحسابات الأمنية المركبة
إن الطبيعة المتغيرة للتهديدات
الأمنية الإقليمية تتطلب ابتكاراً تكنولوجياً سريعاً. وقد أدى النشر المكثف
للطائرات بدون طيار من قبل جهات غير حكومية مثل الحوثيين المدعومين من إيران وحزب
الله إلى مخاطر أمنية غير مسبوقة. والشاهد على ذلك هو تعرض منشآت معالجة النفط
التابعة لشركة أرامكو السعودية في عام 2019، لهجوم بطائرات مسيرة إيرانية، تمكنت
من الإفلات من الرادارات التقليدية. وكان هذا حافزاً حاسماً للرياض لتطوير قدراتها
الخاصة المضادة للطائرات بدون طيار ذات التقنية العالية. وفي يناير 2022، استهدفت
هجمات الحوثيين بطائرات بدون طيار ثلاث ناقلات نفط إماراتية وملحق المطار، مما سلط
الضوء على خطر الحرب غير المتكافئة على الأمن الاقتصادي لدولة الإمارات العربية
المتحدة وسمعتها الدولية. وبالمثل، نشرت حماس طائرات بدون طيار ذاتية التحكم تحت
الماء ومركبات جوية بدون طيار ضد إسرائيل بنجاح كبير.
وفي بيئة استراتيجية حيث لم تعد
الدول تحتكر التكنولوجيا المتقدمة والأسلحة بعيدة المدى، فلابد من زيادة سرعة
وفعالية القدرات الدفاعية حتى تتمكن الدول من مواجهة التحديات الجديدة. وتوفر أنظمة الذكاء
الاصطناعي التي تستخدم أجهزة استشعار وكاميرات وصوتيات متقدمة استجابة أكثر دقة
وفعالية؛ حيث يمكن لخوارزميات التعلم الآلي التعرف على التوقيعات المميزة للطائرات
بدون طيار. وبما أن أغلبية الطائرات بدون طيار لدى الفاعلين من غير الدول بالمنطقة
يمكن إرجاعها إلى التهريب الإيراني ونقل التكنولوجيا، فإن دول المنطقة تواجه
سيناريو مخيفاً بوجود ميليشيات غير حكومية مسلحة بالذكاء الاصطناعي على أبوابه.
ثالثاً: سباق القوى العظمى
باعتبار أن الولايات المتحدة
الأمريكية أكبر مورد للأسلحة وضامن للأمن في المنطقة، فلطالما أعربت عن قلقها بشأن
البصمة العسكرية المتزايدة للصين في الشرق الأوسط ولاسيما الخليج العربي، وخاصة
بيعها وتصنيعها للأسلحة المستقلة والبنية التحتية المتطورة لشبكة الجيل الخامس. ففي
عام 2017، أنشأت الصين مصنعاً في السعودية لإنتاج طائرات بدون طيار من طراز CH-4، وتم بيع 300 طائرة بدون طيار من طراز Wing Loong للمملكة والتي تم استخدامها في حرب
اليمن. وفي الوقت نفسه، يكشف اتفاق بكين مع إيران لمدة خمسة وعشرين عاماً على
التصنيع التعاوني للأسلحة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مما يشير إلى نية واضحة
لموازنة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
فخلال إدارة دونالد ترامب، وبعد
أن رفضت واشنطن بيع أحدث طائراتها بدون طيار المسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة،
لجأت أبو ظبي إلى الصين لشراء 5 طائرات بدون طيار من طراز Wing
Loong II. وفي أغسطس 2023، أعلنت أبو ظبي عن أول مناوراتها المشتركة مع جيش
التحرير الشعبي الصيني، واستضافت المملكة العربية السعودية القمة الأولى بين الصين
والدول العربية في عام 2022، والتي تعهدت على إثرها بمزيد من التعاون
"التكنولوجي العلمي" مع الصين. وتكمن جاذبية بكين المتزايدة كمزود بديل
للأسلحة والتكنولوجيا لدول الشرق الأوسط في عدم تدخلها في سياساتها الداخلية
وعروضها لأسلحة عالية التقنية ورخيصة في الوقت ذاته.