مقدمة
تتمتع
تركيا بأهمية جيواستراتيجية كبيرة وحيوية، وتزداد هذه الأهمية يومًا بعد يوم نظرًا
للتطورات الإقليمية والدولية، فقد كانت تركيا تمثل منذ انهيار الامبراطورية
العثمانية مرورًا بمرحلة الحرب الباردة وصولًا إلى تسلم حزب العدالة والتنمية
السلطة فيها؛ أهم الدول بالنسبة للسياسة الأمريكية، حيث كانت موجهة نحو حماية
المصالح الغربية وتحديدًا الأمريكية، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا. إلا أن أكثر ما يثير الانتباه في سياسة تركيا
على الصعيد الخارجي في ظل زعامة حزب العدالة والتنمية هو عودة تركيا إلى الفضاء
العربي والإسلامي بوصفها قوة إقليمية صاعدة تشارك في معالجة مشكلات المنطقة وتسعى
لبناء علاقات الاحترام المتبادل الذي يبوء تركيا -بحكم تجربتها الديمقراطية وقوتها
الاقتصادية- دورًا فاعلًا مؤثرًا.
بعد اعتلاء
حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا عام 2002، وما مثله من تحول كبير في
سياساتها، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، انتقلت تركيا من دولة متجهة توجهًا
مطلقًا نحو الغرب إلى دولة تتبع سياسة مستقلة إلى حد بعيد ومنفتحة على جميع الأطراف.
ساهمت
تلك التحولات في اعتبار تركيا تدريجيًا دولة قادرة على المشاركة في تشكيل بنية منطقتها
وجوارها الاقليمي، وأصبح من غير المقبول اعتبار كونها مطية للآخرين، وهو ما يمكن
تلمسه في توجهات السياسة التركية، خصوصًا في محيطها الاقليمي.
إن
التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية التركية لم تبق حبيسة أطرها النظرية، وانما
وجدت طريقها إلى التطبيق، وأحرزت نجاحات بارزة سيما بعد فوز حزب العدالة والتنمية
برئاسة رجب طيب أردوغان، وهو ما عكسته التحركات التركية الجديدة في إطار منطقة
آسيا الوسطى والقوقاز، حيث وجدت القيادة السياسية التركية نفسها ملزمة بضرورة الاضطلاع
بأدوار خارجية تتناسب مع طموحها السياسي، إذ تبنت مقاربـات استراتيجية متعددة الأبعاد،
حيوية ومستديمة حيال كل الأقاليم الجيوسياسية التي ترتبط بها، وذلك من أجل أن
تتبوأ تركيا مكانة استراتيجية وموقعًا مركزيًا على الساحة الإقليمية والدولية، وفي
سبيل ذلك سخرت أدوات سياستها الخارجية الجديدة القائمة على مجموعة من المبادئ
والوسائل الدبلوماسية التي مثلت التوجه العام لها، وهو ما دفع دول المنطقة للعمل
بشكل منسق من أجل حل المشاكل الإقليمية، فضلًا عن إيجاد ترتيبات ومقاربات إقليمية
جديدة، والذي بدوره ساهم في بلورة دور إقليمي فاعل ومؤثر في المحيط التركي ومن
ضمنه العالم التركي.
أولًا: إشكالية الدراسة
على
الرغم من ان العلاقات التركية بجمهوريات آسيا الوسطى تحقق اهدافها الاقتصادية
والعسكرية والسياسية إلا انه تثار إشكالية وهي هل المتغيرات في السياسة الخارجية
التركية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى تؤثر على تحقيق تلك الأهداف أم لا.
ثانيًا: تساؤلات
الدراسة
تنطلق
الدراسة من تساؤل محوري مؤداه :
ما تأثير السياسة التركية إزاء
جمهوريات آسيا الوسطى؟
ويتفرع
عن هذا السؤال المحوري عدة تساؤلات فرعية هي :
1-ما هي محددات السياسة الخارجية
التركية وكيف تُصنع؟
2-كيف هي صورة المنطقة محل
الدراسة في أنظار صناع القرار الأتراك؟ أي ما أهمية المنطقة بالنسبة لتركيا؟
3-ما هي أبعاد الدور التركي في
منطقة آسيا الوسطى؟
4-ما هو المتغير المسئول عن تشكيل
مصالح تركيا في الخارج وبالتالي أثره على دورها في المنطقة؟
ثالثًا: أهمية الدراسة
توضح
الدراسة تأثير السياسة التركية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى ومحددات السياسة
الخارجية التركية وكيفية صُنعها وأبعاد الدور التركي في منطقة آسيا الوسطى.
رابعًا: أهداف الدراسة
تهدف الدراسة إلى:
1-التعرف على محددات السياسة
الخارجية التركية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى.
2-التعرف على أهمية منطقة آسيا
الوسطى بالنسبة لتركيا.
3-التعرف على أبعاد الدور التركي
في آسيا الوسطى.
4-الوقوف على المتغير المسئول عن
تشكيل مصالح تركيا في الخارج وأثره على دورها في منطقة آسيا الوسطى.
خامسًا: منهج الدراسة
إعتمدت الدراسة على:
منهج دراسة الحالة: يعرف منهج دراسة الحالة علي أنه هو المنهج
المعتمد لدراسة حالة معينة بهدف جمع معلومات متعمقة عنها وهو مفيد في إعطاء
معلومات لا يمكن الحصول عليها بأساليب أخري وهو أحد أساليب المنهج الوصفي ، ويكون
منهج دراسة الحالة مناسباً للإستخدام عندما يكون تركيز الدراسة علي حدث معين أو
ظاهرة معينة ضمن سياق الحياة الواقعي، لذلك تم إختيار منهج دراسة الحالة ليمكن من
دراسة حالة السياسات التركية إزاء جمهوريات آسيا الوسطى.
سادسًا: تقسيم الدراسة
وبناءاً
عليه تم تقسيم الدراسة إلي أربعة محاور :
المحور الأول: سياق
السياسة الخارجية التركية وصناعتها.
المحور الثاني: تطور
السياسة التركية تجاه منطقة آسيا الوسطى.
المحور الثالث:
الأبعاد السياسية والأمنية للدور التركي في منطقة آسيا الوسطى خلال حكم حزب العدالة
والتنمية.
المحور الأول - سياق السياسة الخارجية التركية وصناعتها
يتناول
هذا المحور سمات السياسة الخارجية التركية ومحدداتها التي تشمل مجموعة من العوامل
الداخلية والخارجية المؤثرة مباشرة على خيارات هذه السياسة. غير أن هذه العوامل
-مهما عظمت- لا تكتسب أهميتها الحقيقية إلا من خلال إدراك صناع القرار الحقيقيين
لها، ومنه يمكن فهم ديناميكية عملية صنع القرار الخارجي التركي من خلال تحديد
طبيعة التفاعل والعلاقة بين هذه الفواعل الحقيقية التي تعتبر بمثابة المصدر الأساسي
لمختلف التوجهات الاستراتيجية لتركيا في علاقاتها بالخارج.
أولًا: السياسة
الخارجية التركية
أ-مبادئ السياسة الخارجية
التركية:
تقسم
السياسة الخارجية التركية قبل عهد حزب العدالة والتنمية إلى ثلاث مراحل هي(1):
-مرحلة (1923-1947) تتسم
بالإنعزال والقطيعة مع الموروثين الإسلامي والعثماني والإنكفاء إلى المربع
الجغرافي للأناضول.
-مرحلة (1947-1989) تتسم بالتطلع
إلى القوى الغربية والتقارب معها، ثم الاتحاق بها وبمعسكرها وما ترتب عليه من: الإعتراف
بإسرائيل عام 1949، الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي عام 1951، اتفاق الشراكة مع
السوق الأوروبية المشتركة عام 1963.
-مرحلة (1989-2002) ظهرت بعد
انتهاء الحرب الباردة في عهد الرئيس التركي السابق تورغوت أوزال، حيث تخلى خلالها
عن السياسة الكمالية ذات الاتجاه الواحد، فقد كان يرى أن لتركيا رسالتين: أوروبية
وآسيوية، نظرا لموقعها الاستراتيجي.
قامت
السياسة الخارجية التركية منذ نشأت الجمهورية (1923-2002) على القطيعة السياسية والاقتصادية
مع العالمين العربي والإسلامي -إلا في فترة الانفتاح في عهد تورغوت أوزال- والتوجه
إلى الارتماء في قلب المجتمع الأوروبي ومنظماته الدولية(2).
تعد السياسة الخارجية في عهد حزب
العدالة والتنمية استكمالًا لسياسة أوزال، ولكن بأبعاد واتجاهات متعددة وأكثر شمولًا
واتساعًا في مختلف دوائر الجوار الجغرافي التركي )أوروبا،
القوقاز، آسيا الوسطى، الشرق الأوسط(.
ويمكن
استيضاح السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية من خلال دراسات
وآراء المنظر السياسي للحزب ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، حيث يقول: (من
المستحيل لدولة تواجه أزمات مستمرة مع جيرانها أن تضع سياسة إقليمية ودولية.....إن
خطة سلام شامل، وحزمة من التطورات الاقتصادية والعلاقات الثقافية، يجب أن توضع في التنفيذ حالًا للتغلب على الأزمات
الأمنية مع جيراننا الأقرب) (3)، ويُرجع عدم قدرة تركيا على تأدية دور
فاعل، إقليميًا و دوليًا، قبل عهد حزب العدالة والتنمية إلى عدة
أسباب أهمها(4):
-ضعف في ميزان القوى مقارنة
بدول مثل الاتحاد السوفيتي سابقًا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوروبية.
-عدم وجود دوافع ذاتية لقيادة
المنطقة.
-انحصار التفكير في كيفية حماية الدولة
والعلمانية الأتاتوركية.
-كبح جماع الأقليات، ولا سيما
الكردية.
-عدم القدرة على إيجاد تفاعلات
داخلية تدفع باتجاه استغلال المعطيات الجيوسياسية والجيوستراتيجية لتحويل تركيا
إلى قوة كبرى إقليمية ودولية.
لذلك عمد حزب العدالة والتنمية
إلى إعادة إحلال هذه الأسباب بمعالجة مكامن الضعف والقصور في القوة التركية بشقيها
(الصلبة والناعمة) على الصعيدين الداخلي والخارجي لإعادة تموضع الدولة التركية كقوة
إقليمية كبيرة.
بحسب
النبذة التعريفية لوزارة الخارجية التركية، فإن الهدف الأساسي لسياسة تركيا
الخارجية هو خلق وضع إقليمي ودولي يتمتع بالسلام والرخاء والاستقرار، ومبني على
التعاون وتطوير الطاقة البشرية، سواء في تركيا أو في الدول المجاورة لها أو في
المناطق الأخرى.
ب-توجهات السياسة الخارجية
التركية
تختلف
طبيعة الدور التركي إقليميًا وعالميًا باختلاف النظام السياسي ورؤيته طبيعة تركيا
ومكانتها، وفقًا لأيديولوجيته السياسية وهويته الثقافية؛ فبينما يراها الكماليون
والعسكر دولة ذات هوية غربية ينحصر دورها الإقليمي في أنها جزء من الحلف الغربي
"قاعدة عسكرية وأمنية" تراعي مصالحه وتدافع عنها، كما هي الحال أثناء
حلف بغداد والحرب الباردة والحرب الكورية وحرب الخليج الثانية، فيصبح دورها عبارة
عن أداة تنفيذ مصالح الآخرين، مقابل مساعدات عسكرية واقتصادية في ظل مظلة أمنية
"الناتو" أي هي خط دفاع متقدم عن الغرب، وأوروبا تحديدًا. يرى حزب
العدالة والتنمية وحلفاؤه في تركيا دولة إسلامية علمانية ذات هوية مشتركة أو مركزًا
بين الشرق والغرب قائمًا على مد جسور التعاون، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع،
ما يسهم في تقدم تركيا سياسيًا واقتصاديًا وهذه
الرؤية توضح ملامح الدور التركي القائم على الفاعلية الدبلوماسية والمبادرة
والوساطة لحل الخلافات والقضايا الإقليمية والدولية.
حاول حزب
العدالة والتنمية إعادة توظيف متغير الهوية وفقًا لرؤية مكانة تركيا وأهميتها، والمقصود
بها مجموعة الصور والمعتقدات المعبرة عن الدولة والخاصة بحقوقها ومسؤولياتها
وبسلوكها تجاه الدول الأخرى على صعيد العدو الخارجي، وعلى الصعيد الداخلي، فهي
تعبر عن الصور والمعتقدات المترسخة لدى النخبة الحاكمة والشعب، عن حقوق الدولة ومسؤولياتها، وعلاقتها بالجماعات
المختلفة داخل المجتمع(5).
-البيئة الداخلية كموجه للسلوك
السياسي الخارجي
كان صعود
حزب العدالة والتنمية التركي إلى سدة الحكم عام 2002، وتشكيله للحكومة منفردًا،
الحدث الأبرز بين تلك الأحداث في إعادة صياغة السياسة الخارجية لتركيا ضمن عملية
إصلاح شاملة تضمنت سلسلة من التعديلات الدستورية والقانونية، مصحوبة بتحولات
سياسية واجتماعية واقتصادية، ضمن رؤية محددة سبقت الإشارة إليها تهدف إلى إعادة
صياغة الخيارات التركية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي البعدين الإقليمي
والدولي، ولم يقتصر ما حمله وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة على تغيير
السياسات المرحلية قصيرة المدى، لكنه امتد إلى منطلقات وأهداف السياسة الخارجية التركية، وكذلك طبيعة الدور الذي يجب أن تضطلع
به البلاد إقليميًا ودوليًا، وهذا بعد أن ظلت السياسة الخارجية التركية طيلة
العقود السابقة تخضع للبعد النفسي للنخبة الحاكمة، القائم على الخوف من المجهول،
ومعاداة الآخرين بناء على تصرفات أحادية، كما أن صانع القرار الخارجي في تركيا كان
مدفوعًا بإرث الخسارات الكبيرة التي تعرض لها الأتراك في أواخر العهد العثماني،
وفقدانه الثقة بإمكانية قدرته على التأثير في الخارج بشكل عام، والمحيط الإقليمي
بشكل خاص؛ الأمر الذي وضع كثيرًا من الحواجز أمام العلاقات الخارجية التركية،
وجعلها منغلقة على ذاتها، وصاحبة دور هامشي في القضايا الإقليمية والدولية(6).
ثانيًا: العوامل
المؤثرة في السياسة الخارجية التركية:
أ-المقوم الجيوبوليتيكي
تاريخيا؛
لطالما شكل موقع تركيا الجغرافي ركيزة لانطلاقها نحو العالمية، ولا تشذ المعطيات
الجغرافية القائمة اليوم في تركيا الحديثة عن هذه القاعدة، حيث يحاول صناع القرار
استغلال هذا الموقع لبناء رصيد إقليمي والارتقاء به للتحول نحو العالمية، وتكمن أهمية
موقع تركيا في أنها:
1-تتوسط قارات العالم القديم
الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا، وقد منحها هذا الموقع منذ القدم قدرة على التفاعل
الحيوي في المحيط الإقليمي بحيث تؤثر وتتأثر بالعناصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية
والثقافية القائمة على تخومها. وتمتد الأراضي التركية بين آسيا وأوروبا، حيث يشكل
الجزء الواقع في غرب آسيا حوالي %97 من مساحة البلاد ويضم عاصمة الدولة
"أنقرة" ويعرف باسم "آسيا الصغرى" أو "منطقة الأناضول"،
بينما يقع الجزء المتبقي منها في جنوب شرق أوروبا ويضم إسطنبول.
2-تقع في قلب المجال الجغرافي
المصطلح على تسميته "أوراسيا"، وهي بذلك تعتبر المنطقة الوسطية المتحكمة
في منطقة "قلب العالم (Heart Land) "وفق
نظرية هالفورد ماكندر الجيو-بوليتيكية، الأمر الذي يؤهلها لأن تكون دولة محورية أو
حاسمة في المجال الجيو-سياسي.
3-هي دولة قارية وبحرية في نفس
الوقت، وهي ميزة قلما تتوافر في دولة تتمتع بالمكانة الجغرافية التي تمتلكها
تركيا. حيث تقع جنوب شرق قارة أوروبا وجنوب غرب قارة آسيا، مجاورة للبحر الأسود
الذي يحدها من الشمال، كما يحدها من الجنوب الغربي بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط
بين سوريا واليونان، وتحيط بها ثماني دول فيحدها من الشمال الغربي بلغاريا ويبلغ
طول الحدود بينهما 223 كم، واليونان بطول حدود يبلغ 192 كم، وتحدها من الجنوب
الشرقي سوريا بطول حدود 899 كم، والعراق بطول حدود 367 كم، وتحدها من الشمال
الشرقي جورجيا بطول حدود 237 كم، وأرمينيا بطول حدود 111 كم، بالإضافة إلى حدودها
مع أذربيجان من جهة الشرق من خلال ارتباطها مع إقليم "ناهشيوان"،
ويبلغ طول الحدود بينهما 17 كم، وإيران بطول حدود يصل إلى543 كم، يتيح انتشار هذا العدد من الدول على حدودها
حرية أكبر في اختيار سياسات أو تحالفات أو إقامة تجمعات في ظل كون
تركيا دولة محورية في مجالها الجغرافي.
4- تحدها المياه من ثلاث جهات؛
البحر الأسود في الشمال وبحر إيجه في الغرب والبحر المتوسط في الجنوب، كما أنها
تسيطر على ممرين مائيين مهمين لطالما شكلًا تاريخيًا محورًا للصراع بين الإمبراطوريات
والدول أيضًا، وهما مضيق البوسفور في شمال تركيا حيث يصل بين البحر الأسود وبحر
مرمرة ويبلغ طوله 30 كم وعرضه حوالي 1 كم، ومضيق الدردنيل في الجنوب الغربي من
تركيا حيث يصل بين بحر مرمرة والبحر الأبيض المتوسط عن طريق بحر إيجة طوله 60 كم
وعرضه يتراوح 6-1 كم مما يعطيها القدرة على التحكم (to
control access)ويتيح لها التحول إلى قوة مائية إضافة إلى
كونها قوة قارية.
ب-المتغير الاقتصادي(7):
يلعب
العامل الاقتصادي دورًا مهمًا في تحديد السياسة الخارجية لأية دولة سلبًا أو إيجابًا؛
فوجود الموارد الطبيعية الأولية بكثرة وتوظيفها بشكل صحيح يقود إلى سياسة استراتيجية
ناجحة خارجية، وعلى العكس إن افتقار الدولة لهذه الموارد سيفضي إلى سلبية في الأداء
الخارجي هذا من جهة. ومن جهة أخرى، إذا انطلقنا من حقيقة أن ما من دولة في عالم
اليوم قادرة على أن تعيش بمعزل عن الاعتمادية المتبادلة ومن ضمنها الدول العظمى
فكيف سيكون الحال مع دول ليست بالعظمى مثل تركيا.
تشكل
تركيا وبحكم موقعها الجغرافي المهم والوفرة النسبية في مواردها الطبيعية والبشرية
واحدة من القوى الاقتصادية المهمة ذات الثقل النوعي في المنطقة، وهذا بحكم جملة معطيات،
يمكن توضيحها على النحو الآتي:
1-تمتلك
تركيا موارد طبيعية هائلة، فإلى جانب الفحم والحديد الخام والنحاس والزئبق والذهب،
فهي دولة غنية بالموارد المائية (السطحية والجوفية)، حتى إنها توصف بدولة ذات
"التخمة المائية" لما تمتلكه من احتياطي هائل من المياه، إذ يوجد فيها
26 حوضًا، فقد بلغت الأراضي الصالحة للزراعة حوالي 4.2 مليون هكتار ما يقارب 50%
من أراضي تركيا، كما أن عدد العاملين في القطاع الزراعي وصل إلى %25 من الأيادي
العاملة التركية، وهذا ما يعطيها أهمية مضافة إلى مواردها. يستند
قطاعها الصناعي على النهج الرأسمالي واتباع سياسة التكيف الاقتصادي، ما انعكس
بدوره على الناتج القومي الإجمالي الذي شهد قفزات نوعية ساهمت في تطوره.
2- يستند
قطاعها الصناعي على النهج الرأسمالي واتباع سياسة التكيف الاقتصادي، ما انعكس
بدوره على الناتج القومي الإجمالي الذي شهد قفزات نوعية ساهمت في تطوره.
3- لتركيا
استثمارات كثيرة مع الشركات الأجنبية سيما الأمريكية منها، مما ساهم في إنعاش
اقتصادها إلى حد كبير.
4- كما
أدى قطاعها التجاري دورًا مهما في تحقيق التوازن ما بين النشاط الإنتاجي والنشاط
التجاري، مما جعلها الدولة الوحيدة التي حققت اتحادًا جمركيًا مع الاتحاد الأوروبي
في عام 1996 من دون أن تكون
عضوًا فيه.
5- تمتلك
تركيا كذلك ثروة حيوانية مهمة وساعدها في ذلك امتداد الاستبس لمساحات واسعة من
الهضبة والسفوح الجبلية، مما جعلها قادرة على توفير الغذاء والمواد الأولية للصناعات
النسيجية.
جـ-المقوم
العسكري
تمتلك
تركيا ترسانة هائلة من الأسلحة بمختلف الأنواع، تؤهلها لتبوأ مكانة إقليمية مؤثرة
في المنطقة، حيث تعد القوات المسلحة التركية ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي
بعد الولايات المتحدة الأمريكية وهي ثامن أكبر جيش عالميُا من حيث عدد الجنود
الموضوعين في الخدمة، وهي أكبر من الجيشين الفرنسي والإنجليزي مجتمعين (دون احتساب للإحتياط التركي 380 ألف جندي)،
وهذا يجعلها على جانب كبير من الأهمية من ناحية التأثيرات التي يمكن أن تمارسها في
البيئة الإقليمية التي تتواجد فيها.
يعد رئيس
الجمهورية قائدًا عامًا للقوات المسلحة، ويقوم مجلس الأمن القومي بحل المسائل
المتعلقة بالسياسة العسكرية والدفاع عن البلاد وتنظيم واستخدام القوات المسلحة وإجراء
التعبئة العامة، وتعد أعلى هيئة للإدارة العملياتية في القوات المسلحة هي الأركان
العامة التي ينفذ رئيسها مهام القائد العام للقوات المسلحة، أما وزير الدفاع
فتنحصر مهامه بالإشراف على أعمال التجنيد والتعبئة والإمداد بالسلاح والعتاد والصناعة
الحربية والتفتيش المالي وغيرها من الأمور، ويتكون الجيش التركي من أربع فروع
رئيسية هي: القوات الجوية والقوات البحرية
والتي تتبعها قوات الدفاع الساحلي -تكون في حالة السلم تحت تصرف وزارة الداخلية- والقوات البرية والقوات
الجندرمة(8).
اعتمدت
تركيا ومنذ انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي في 18 فيفري 1952 برنامجًا لتحديث
وتطوير القدرات العسكرية، واستندت إلى مبدأين رئيسيين هما: الحصول على أسلحة
متطورة من مناشئ غربية، واعتماد التصنيع العسكري المشترك مع الولايات المتحدة ودول
غربية أخرى، إلا أن ظروف التسعينات وأبرزها حرب الخليج الثانية وتفكك الاتحاد
السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، دفعت صناع القرار الأتراك وفي مقدمتهم رجال المؤسسة
العسكرية إلى الإعلان عن عزمهم على قطع خطوات أكبر في طريق تنمية التسليح وزيادة القدرات العسكرية التركية.
إن الهدف
من هذا البرنامج التطويري للقوات المسلحة التركية هو رغبة تركيا وتصميمها الاعتماد
على قدراتها سيما في مجابهة أي تهديد، واتباع سياسة دفاعية تمكنها من خلق قوة
عسكرية قادرة على ردع التهديدات الداخلية والخارجية، ومعالجة الإضطرابات بالاعتماد على نفسها، والتدخل الفعال في حفظ الأمن
على المستويين الداخلي والخارجي.
المحور الثاني -
تطور السياسة التركية تجاه منطقة آسيا الوسطى
تعتبر
تركيا الحديثة وريثة الدولة العثمانية التي نشأت كإمارة صغيرة في شمال غربي الأناضول
في بداية القرن الرابع عشر الميلادي، وتوسعت في شبه جزيرة البلقان وأوروبا الشرقية
وفي الوطن العربي، وبلغت أوج اتساعها كإمبراطورية في القرن السادس عشر الميلادي لذلك
يمثل العمق التاريخي للعلاقات التركية مع الجمهوريات المستقلة حديثا امتدادًا
طبيعيًا لمسار العلاقات التي جمعت تركيا بدول المنطقة منذ الفترة العثمانية، حيث
كانت تمثل قديمًا أقاليم تقع ضمن منطقة النفوذ العثماني.
أولًا: تطور السياسة
التركية تجاه آسيا الوسطى
أ-جذور علاقات تركيا بالمنطقة
خلال العهد العثماني:
بدأ
الفتح الإسلامي لمنطقة آسيا الوسطى التي أَطلق عليها المسلمون بلاد "ما وراء النهرين" نهري
"سيحون وجيحون" في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عام 638م، وذلك عندما فتح
المسلمون إقليم خرسان الذي يُعد المفتاح الاستراتيجي لبلاد ما وراء النهرين، وتوطدت
الفتوحات الإسلامية لآسيا الوسطى في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان ثم استقرت
في عهد الأمويين، إذ وصلت الجيوش الإسلامية حتى شمال أفغانستان وحدود الصين على يد
الفاتح "قتيبة بن مسلم الباهلي" سنة 714م، وعرفت هذه المنطقة في عهده
بتركستان الغربية قيرغيزيا، أوزباكستان، تركمانستان، طاجاكستان، وفي عهد الدولة
العباسية 750م1250م استمر الحكم الإسلامي لبلاد ما وراء النهرين، وازدهرت فيها عدد
من المدن التاريخية مثل بخارى، سمرقند ومرو...إلخ، واستمر الحال على ذلك حتى سقوط
الدولة العباسية على يد المغول الذين حكموا المنطقة قرابة قرنين من الزمان إلى
غاية قيام الدولة العثمانية التي أخضعت المنطقة لسلطانها، وأصبحت آسيا الوسطى جزءًا
أساسيًا من الإمبراطورية العثمانية إلى غاية عام 1853م الذي شهد بداية تغلغل روسيا
القيصرية للاستيلاء على أراضي آسيا الوسطى(9).
كان
للوجود العثماني في هذه المنطقة بفعل الروابط التاريخية والحضارية بالغ الأثر في
تعزيز وحدة المصير بين الدولة العثمانية وباقي أقاليمها التي من بينها منطقة آسيا الوسطى
، كما كان للروابط اللغوية تأثير كبير من خلال مساهمتها في تمتين أواصر الصلة والعلاقة
بين الجانبين، حيث توجد خمس دول من هذه الجمهوريات تتكلم اللغة التركية الأذربيجانية،
أما جمهورية طاجيكستان وان كانت "الغاشية" هي لغتها الرسمية إلا ان نسبة
المتحدثين بالتركية بين السكان تصل الى 35%، كما ان ثلث السكان من أصول تركية هم
من أهل السنة. وبالتالي فإن الدولة العثمانية تركت في هذه الجمهوريات تأثيرًا
ثقافيًا إسلاميًا كبيرًا مازالت معالمه ممتدة إلى يومنا هذا.
هذا
الحدث البارز في بيئة النظام الدولي مع مطلع التسعينيات من القرن العشرين أسهم في
إحداث تغيرات بنيوية كبيرة في البيئة الإقليمية لتركيا؛ إذ استقلت سّت جمهوريات إسلامية
في آسيا الوسطى تربطها بتركيا روابط قومية ودينية وتاريخية؛ مما جعل هذه
الجمهوريات تشكل مع تركيا ما يمكن تسميته بالعالم التركي الذي شكل نقطة جذب
جيواقتصادية وجيوثقافية وجيوسياسية بالنسبة لتركيا وقبل تبلور مصطلح آسيا الوسطى كتسمية
للدلالة على المنطقة الواقعة بين الشرق والغرب.
(أوراسيا)، أخذت هذه المنطقة عدة
تسميات قبل ان تستقر على التسمية الحالية، حيث كانت تسمى قديمًا طوران، والذي
يحدها بحر قزوين والهضبة الايرانية وجبال منابع سيرداريا والأرتيخ وهضبة اكمولنك،
وذلك للدلالة على المنطقة الممتدة من حدود منغوليا إلى بحر قزوين، فهي من حيث
اللغة تعني بلاد الترك، ولم يتم تداول التسمية الحالية لآسيا الوسطى إلا في الفترة
الأخيرة من الحكم السوفييتي، فقد خاض الروس
ومنذ عام 1677 ثلاثة عشر حربًا ضد الأتراك العثمانيين وخلالها فقدت الدولة
العثمانية مساحة كبيرة من أراضيها.
أدى
تغيير موازين القوى على الأرض لصالح القوات التركية إلى عقد معاهدة سلام جديدة بين
تركيا ودول الحلفاء عرفت بمعاهدة لوزان في يوليو 1923، والتي مهدت لمرحلة جديدة في
تاريخ الدولة العثمانية يمكن إجمالها بما يأتي:
·
اختزال
الدولة العثمانية من دولة متعددة القوميات واللغات إلى دولة قومية تُعلى شأن
العنصر التركي، مًعلنة نهاية عصر السلطنة، وبدء عصر الجمهورية.
·
تقلصت
مساحتها من دولة مترامية الأطراف إلى دولة محدودة جغرافيًا.
·
تحولها
من إمبراطورية عظمى (خلافة إسلامية) إلى دولة قومية (تركيا علمانية).
·
تراجعها
كدولة فاعلة على الساحة الدولية إلى دولة منكفئة على ذاتها.
ب-واقع علاقات تركيا بالمنطقة
خلال الفترة الكمالية:
تأسس
النظام السياسي التركي الحديث على بقايا إرث الإمبراطورية العثمانية التي عانت في
آخر عهدها الضعف والانقسامات الداخلية حركة التغريب، بروز النزعة القومية لدى
الشعوب العثمانية، والمؤامرات والمكائد الخارجية، وقد أثرت مفاهيم الثورة الفرنسية
ومبادئها -المتمثلة بـالفصل بين السلطات، فصل الدين عن الدولة، المساواة، حرية
التعبير- في النخب السياسية والعسكرية للدولة العثمانية المتأثرة بالحضارة والتعليم
الغربي، محاولين استدعائها وتطبيقها على أرض الواقع.
على
الرغم من أن النظام السياسي التركي الحديث وريث الإمبراطورية العثمانية، إلا انه
تبنى مبادئًا وفلسفة وقيمًا سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة مغايرة للقيم
والمبادئ التي كانت تتبناها الدولة العثمانية.
أعلن
مصطفى كمال من خلال المجلس الوطني الكبير عن قيام الجمهورية التركية في 29 أكتوبر 1923 ليكون بذلك أول رئيس لها؛
مستندًا إلى الشرعية التي أكتسبها من انتصاره في حرب الاستقلال، ومن ثم إعلانه إعلاء
شأن القومية التركية وتأكيده وحدة الأراضي التركية، منهيًا بذلك مبدأ الشرعية الدينية
التي كان يستند إليها سلاطين آل عثمان، لتحل محلها الشرعية العسكرية والقومية
التركية في النظام السياسي التركي الحديث.
يمكن
القول أن الساحة التركية شهدت في الفترة الواقعة بين 1941م- 1944م إحياء فكرة
"الجامعة الطورانية" وبتأثير من الألمان والمنظمات التركية الموجودة في
المنفى، تجلى في الاتفاق التنسيقي بين السفير الألماني في اسطنبول ورئيس الوزراء
التركي عام 1942، والذي أفضى إلى السماح بتجنيد الأتراك على الأراضي السوفييتية،
ثم سرعان ما توقف مسار التفاوض في هذا الاتفاق(10).
جـ-التحولات الجيوبوليتيكية
لمنطقة آسيا الوسطى:
أدت
سلسلة الأحداث البادئة بإصلاحات الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في
الثمانينيات من القرن العشرين وخطواته نحو نزع السلاح النووي إلى السرعة المذهلة
في انهيار منظومة الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية وتفكك الاتحاد السوفييتي
والنظام الشيوعي مع بداية التسعينات، وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين
الرأسمالي والاشتراكي، وظهور الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة في
العالم. فكان لهذه الأحداث والتطورات الدولية تأثيرها القوي والمباشر على تركيا
جارة الاتحاد السوفييتي، وظهر هذا التأثير في سياستها المحلية والاقتصادية
والسياسية وفي دورها الاستراتيجي أيضًا.
أطلق على
العملية التي صاحبت تخلي منطقة آسيا الوسطى عن نمط التسيير الاشتراكي في الاقتصاد
والسياسة والثقافة، وسعيها للولوج إلى النظام الرأسمالي والاقتصاد الحر
والديمقراطية سياسة وثقافة واقتصادًا أطلق عليها مرحلة الانتقال والانتقال في آسيا
الوسطى تم على ثلاثة مستويات رئيسية:
المستوي الأول: هو الانتقال
السياسي باعتباره يمثل الخروج عن نمط الحكم السياسي السوفييتي بهدف إعادة بناء السيادة
والدولة-الأمة، والمقصود به ذلك الانتقال الذي لم يكن بالضرورة على هذا المستوى يعني
الانتقال من الشمولية إلى الديمقراطية، وهو ما سمح للنخب الحاكمة بإبعاد
الديمقراطية للحاجة السابقة.
المستوى الثاني: للانتقال في
جمهوريات آسيا الوسطى هو الانتقال الاقتصادي والذي يعني عملية التحول من النظام
الاشتراكي في تسيير الاقتصاديات الوطنية الى اعتماد نظام اقتصاد السوق الحر.
المستوى الثالث: وهو الانتقال
الجيوسياسي الذي يُترجم الى إرادة إدماج الدول الجديدة في محيطها الاقليمي والدولي(11).
-الانتقال السياسي:
نقطة
البداية في تقديم حالة الانتقال السياسي لدول آسيا الوسطى في فترة ما بعد انهيار الاتحاد
السوفييتي يجب أن تنطلق من حقيقة سياسية تتصل بالأوضاع الجديدة لهذه الدول،
فكازاخستان وقيرغيزيا وأزباكستان وطاجاكستان وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا
وجورجيا هي جميعًا دول حديثة السيادة، الأمر الذي جعل من الانتقال السياسي في
المنطقة صعبُا وهشًا، إذ تركزت الاهتمامات الأولى للنخب الحاكمة في المنطقة إلى
جهة تعزيز السيادة وبناء كيان الدولة الوطنية وعدم الالتفات إلى المطالب المُلحة
لإصلاح الأوضاع الداخلية على شاكلة الدولة الغربية بمعنى تعزيز الانفتاح السياسي
والمشاركة السياسية ونشر الديمقراطية، وقد انعكست مثل هذه التصورات على أنظمة
الحكم السياسية التي أبانت عن استمرارية الإرث السوفييتي في الحكم وأسلوب إدارة
الدولة السياسي، فكما تمت الإشارة إليه من النظام سابقًا أن الانتقال السياسي في
هذه الجمهوريات مر من النظام الشمولي إلى النظام التسلطي، ومسمى "جمهوريات ما
بعد الاتحاد السوفييتي" يعكس بصورة واضحة سلسلة من السمات الموروثة عن الحقبة
السوفييتية. كما أن فرض سيطرة الدولة على كل جانب من جوانب الاقتصاد والمجتمع بالإضافة
إلى البيروقراطية المعوقة والخانقة وعدم وجود المعارضة السياسية وقمعها بالقوة في
حالة وجودها أحداث أنديجان في أوزباكستان مثال، والرئاسة مدى الحياة، هي من خصائص الإرث
السوفييتي. وبالتالي فالانتقال على هذا المستوى سيحتاج إلى فترات زمنية طويلة حتى
تتكون نخبة جديدة تحمل قطيعة فكرية وأيديولوجية جديدة مع الإرث
السوفييتي.
-الانتقال الاقتصادي:
شكلت
جمهوريات آسيا الوسطى بالإضافة إلى أذربيجان غداة انهيار الاتحاد السوفييتي عام
1991 مجموعة من الدول الأكثر فقرًا من مجموع جمهوريات الاتحاد السوفييتي الخمس
عشرة، حيث توجد بها أكبر نسبة من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، ومع الاستقلال
لم تتحسن هذه الأوضاع الاقتصادية كثيرًا، ومثلت حالة الانتقال الاقتصادي في
المنطقة من النظام الإشتراكي إلى اقتصاد السوق الحر واحدة من حالات الانتقال
الصعبة على مستوى دول العالم بسبب غياب استراتيجية واضحة للانتقال، فالشروط الموضوعية
والهيكلية للانتقال الاقتصادي لم تتوفر في بيئة اقتصادية لاتزال رهينة لأنماط التسيير
الاشتراكي الموروث عن الحقبة السوفييتية، حيث لا تزال الدولة المركزية تلعب الدور الأساسي
في إدارة العملية الاقتصادية، الأمر الذي صعب من اندماج الاقتصاديات المحلية في الاقتصاد
العالمي، كما أنها لم تستطع أن تتكيف مع المتطلبات الجديدة التي فرضتها العولمة الاقتصادية
وتدويل الاقتصاد على مستوى عالمي، فنمط الإنتاج التقليدي الذي يعتمد على الإنتاج
الزراعي مثل زراعة القطن واستخراج المواد الأولية وتصديرها خاصة النفط والغاز
واليورانيوم وهو الذي تعتمد على هذه الجمهوريات في صادراتها الخارجية لضمان تدفقاتها
المالية من العملة الصعبة، ويعتبر امتدادًا للحالة التي كانت سائدة في عهد الاتحاد
السوفييتي، فضعف الاقتصاديات الوطنية وانعدام الصادرات خارج المواد الأولية وضع
المجتمعات في هذه الجمهوريات أمام تحديات معيشية شديدة الصعوبة، وخلفت العديد من الأزمات
الاجتماعية والاقتصادية التي انعكست بشكل سلبي على مستوى المعيشة للسكان والمداخيل
الفردية التي تراجعت عن مؤشراتها أيام عهد الاتحاد السوفييتي، حيث تكشف المؤشرات
الصادرة عن الهيئات المختصة أو المراقبة للأوضاع الاقتصادية عن اتساع مستويات
الفقر وتراجع رهيب في مؤشرات الدخل الفردي والقومي، فقد بلغت نسبة السكان الذين
يعيشون على أقل من 2.5 دولار في اليوم في الجمهوريات الإسلامية حوالي %60 من
إجمالي عدد السكان، كذلك الشأن بالنسبة للمداخيل الشهرية للأفراد التي تعتبر الأدنى على
مستوى العالم.
فيما
يتعلق بمستوى السياسة الاقتصادية المتبعة من قبل هذه الجمهوريات بمسايرة حالة الانتقال،
فتجدر الإشارة إلى أن هذه الدول تبنت سياسات صندوق النقد الدولي والمعروفة بـ
"العلاج بالصدمة" للإصلاح الاقتصادي والتحول نحو نظام اقتصاد السوق،
وكغيرها من بلدان العالم الثالث التي عرفت مرحلة الانتقال فإن هذه السياسات أثبتت
فشلها الذريع وفاقمت من تدهور الأوضاع الاقتصادية ومن حالة التبعية الخارجية، الأمر
الذي أدى إلى وقوع هذه الدول على مستوى الجيو اقتصاد في لعبة الاستقطاب الاقتصادي
مع دول الجوار الإقليمي، وذلك في تجارب إقليمية لإقامة التكامل الاقتصادي وعلى
صعيد اتجاهات الدول المستقلة في آسيا الوسطى وتحقيق التعاون الاقتصادي والاندماج
فيما بينها وبين جوارها الإقليمي.
-الانتقال الجيو سياسي:
بالنسبة
للانتقال الجيوسياسي في آسيا الوسطى أفضى اختفاء نظام الحرب الباردة إلى نتائج
كبيرة ومهمة، حيث سمح بإعادة "بعث Reemergence "للمنطقة
على الخريطة العالمية بعدما كانت منعزلة وغائبة لفترة طويلة عن التفاعلات الدولية
بسبب الهيمنة الروسية السوفييتية عليها، فمنذ عام 1991 عادت المنطقة إلى البيئة الدولية
ليس الأمر بسبب اكتشاف دول جديدة بل يتعدى ذلك إلى إعادة تشكيل جيو سياسي لمنطقة
جغرافية تتعدى كثيرًا الحدود الجغرافية للجمهوريات الجديدة، فهذه الأخيرة تمثل
وضعية جغرافية خاصة ذات صلة بالحراك الاستراتيجي والسياسي الإقليمي والعالمي، فهي
تشكل جزءًا مهمًا من الفضاء الأوراسي الذي سماه الجيوسياسي البريطاني السير
هالفورد ماكيندر في مقال له صدر سنة 1904
بـ "المركز الجغرافي للتاريخ" ثم تطور إلى فكرة "قلب جزيرة
العالم" التي من يسيطر عليها يسيطر على العالم، ودون الخوض في النقاش حول
فكرة "الأرض
المركزية لماكيندر"، فإن يمكن الجزم بمركزية المنطقة من الناحية الاستراتيجية،
ليس فقط لكونها تقع جغرافيًا في قلب الكتلة القارية الأوراسية، لكن لكونها كذلك
منطقة مفترق طرق للحضارات الألفية الإمبراطوريات، وممرًا تاريخيًا للتبادلات الاقتصادية
والدينية والثقافية بين أوروبا والشرق، وكذلك بين الشرق الأقصى والعالم الإسلامي،
وهو ما يمكن اعتبارها بمثابة جسر جغرافي واستراتيجي بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط،
فانحصار الهيمنة الروسية عن المنطقة بانهيار الاتحاد السوفييتي سمح بصعود المنطقة
مرة أخرى إلى واجهة النقاشات الاكاديمية المهتمة بالجيوسياسة والجيواستراتيجيا،
وفي سياق هذا الصعود فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 اشرت بقوة على عودة
المنطقة كفضاء جيواستراتيجي، حيث يمكن اعتبار هذه الأحداث كنقطة فاصلة بين مرحلتين
من التطور الجيوسياسي للمنطقة، فالمرحلة الأولى بدأت بنهاية الحرب الباردة واستمرت
لمدة عقد من الزمان، وسُميت بمرحلة الانتقال الجيوسياسي الأولى، في حين كانت
المرحلة الثانية قد بدأت مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وشهد تحولًا
جيوسياسيًا حقيقيًا ومهمًا تمثل في بداية التغلغل الأمريكي المباشر والحقيقي في
المنطقة لأول مرة في التاريخ، مؤذنًا ببداية مرحلة الاستراتيجية الأوراسية في
التفكير الاستراتيجي الأمريكي لما بعد نهاية الحرب الباردة، هذا الحضور الأمريكي
أفضى إلى ترتيبات جيوسياسية جديدة إقليمية وعالمية فيما يبدو أنه فضاء للتنافس
والصراع. كما بدأت النقاشات الأكاديمية والأدبيات السياسية تتحدث عن المتغيرات
الجديدة-القديمة في المنطقة، فظهرت مصطلحات جديدة من قبيل "اللعبة الكبرى
الجديدة" في مقابل "اللعبة الكبرى القديمة"، ومصطلح "طريق
الحرير الجديد" في مقابل "طريق
الحرير القديم"، ومصطلح "الحرب الباردة الجديدة" في مقابل
"الحرب الباردة التقليدية"، هذا
وتكون أدوات الضبط الاستراتيجي والهيمنة على أوراسيا والعزل الاستراتيجي وأمن
الطاقة والانتشار النووي في قلب
رهانات المرحلة الجيوسياسية الجديدة في آسيا الوسطى.
-الصعوبات التي تعيق الدور التركي
في آسيا الوسطى:
لم تتمكن
تركيا من تحقيق أهدافها في آسيا الوسطى بشكل كامل نظرًا لوجود صعوبات داخلية
وخارجية متعددة الأبعاد يمكن توضيحها على النحو الآتي:
أ-على الصعيد الداخلي:
- اصطدام الطموحات التركية
بمحدودية قدراتها في المجالات التكنولوجية والعلمية والمعرفية اللازمة لتلبية
احتياجات دول هذه المنطقة، بالإضافة إلى محدودية القدرات المالية.
- ارتباط
تفكير النخب السياسية التركية بربط تركيا بالمنظومة الغربية الأوروبية؛ مما يجعل
التفكير بالنطاقات الجغرافية الأخرى هامشيًا.
- انطلاق
الساسة الأتراك في علاقتهم بدول المنطقة من منظور قومي طوراني؛ مما أوجد حالة من الخشية
لدى تلك الدول من أن تلعب تركيا دورًا مركزيًا مرتبطًا به على غرار الدور السوفيتي
السابق.
ب-على الصعيد الخارجي:
-تضاد المصالح التركية مع المصالح
الروسية:
هناك
قضايا خلافية تاريخية متعددة بين تركيا وروسيا، فروسيا لعبت دورًا بارزًا في تفكيك
الدولة العثمانية، وهي صاحبة أطماع سياسية في الأراضي التركية، خاصة في البحر الأسود
ومنطقة المضايق، وكان مجلس الأمن القومي التركي حتى وقت قريب يضع روسيا على رأس
قائمة أعداء تركيا، حيث أن تركيا ظلت رأس الحرية الغربية في مواجهة مد الاتحاد
السوفيتي حتى سقوطه مطلع التسعينات، ولا تزال تركيا عضوًا مهمًا في حلف شمال
الأطلسي الخصم التاريخي للروس والسوفييت، وقد استطاعت روسيا تشكيل محور يضم إلى
جانبها إيران وصربيا وبلغاريا واليونان، ويغلب على هذا المحور الطابع النصراني الأرثوذكسي – عدا إيران- لمواجهة
البعد الإسلامي في علاقات تركيا مع دول آسيا الوسطى والبلقان، ولعرقلة الدور
التركي في هذه المناطق؛ لذلك يعد المحدد الروسي بكافة أبعاده العقبة الكبرى في وجه
النفوذ التركي في آسيا الوسطى، فروسيا لا تزال تتمتع بقوة هائلة رغم انهيار الاتحاد
السوفيتي، وبنفوذ كبير في هذه الجمهوريات، وعملت على مأسسة هذا النفوذ عبر تأسيس
كومنولث يضم معظم الجمهوريات السوفيتية السابقة، وبهدف تحجيم أي دور إقليمي محتمل
لتركيا او ايران، كما ان هناك سعيًا بتحجيم الحراك التركي بالتحول الى نقطة عبور
للطاقة نحو أوروبا عبر إعاقة مد خطوط الطاقة عبر الأراضي التركية ومحاولة إيجاد
مسارات بديلة لها خارج الأراضي التركية، لأن مرور هذه الخطوط عبر الأراضي التركية
يعزز من مكانتها الجيوسياسية على حساب المكانة الروسية، كما أن روسيا تقف إلى جانب
أرمينيا في مواجهة التحالف التركي الأذربيجاني في الصراع القوقازي.
-التنافس التركي-الإيراني في آسيا
الوسطى:
يسعى كل
من إيران وتركيا إلى مد نفوذهما إلى هذه الجمهوريات عبر صلات لغوية وتاريخية ومذهبية،
كما أن إيران تسعى للعب دور إقليمي محوري ضمن البيئة الإقليمية ذاتها التي تنتمي إليها
تركيا، وترغب إيران في التعاون مع جمهوريات آسيا الوسطى في المجالات العسكرية، كما
تسعى إلى إنشاء سوق مشتركة معها، ويتزامن هذا مع السعي الإيراني للعب دور فاعل
ونشط في منطقة بحر قزوين، ومن أبرز الخطوات العملية التي قامت بها إيران لتعزيز
دورها في جمهوريات آسيا الوسطى مد خط
للسكك الحديدية عام 1996، كما أنشأت منظمة اللغة الفارسية مع طاجيكستان(12).
وعلى
الرغم من وجود الأبعاد الصراعية للتنافس التركي-الإيراني في آسيا الوسطى، إلا ان
هناك مصالح مشتركة تحتم على الجانبين التحول إلى التعاون في مختلف الجوانب، وهو
الأمر الذي بدأ يحدث فعلًا في ظل تبني تركيا لسياسة تصفير المشكلات، والابتعاد عن
العمل على إضعاف الآخرين في ظل حكومة العدالة والتنمية.
-القيود الغربية:
تستند
النظرة الغربية للدور التركي ممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
وإسرائيل على اعتباره دورًا رئيسيًا يكمن في مواجهة الدور الإيراني وكذلك الدور
الروسي، حفاظًا على المصالح الحيوية لهذه القوى الغربية، لكن لا توجد أية رغبة لدى
الغرب بأن تلعب تركيا دورًا إقليميًا محوريًا مؤثرًا، وتعد ذلك خطرًا على مصالحها
الحيوية، لأن لعب تركيا لمثل هذا الدور سيقود في نهاية المطاف إلى تخلي تركيا
تدريجيًا عن ارتباطها بالغرب، ورسم سياساتها الاستراتيجية على التوجه نحو العمق
الحضاري الاسلامي وممارسة دور قيادي فيه، وهذا يعني اختلال كافة موازين القوة،
وانهيار خريطة توزيع المصالح الدولية والإقليمية.
المحور الثالث -
أبعاد الدور التركي في منطقة آسيا الوسطى
بعد استقلال
دول آسيا الوسطى رأت تركيا ضرورة التوجه نحوها من أجل ضمان سيطرتها وتواجدها في
هذه المنطقة وما آلت إليه من تداعيات خطيرة أمنيًا وسياسيًا على تركيا في ظل
النظام الدولي الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي مستغلة في
ذلك دوافع عديدة منها الثقافية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي وجدت فيها
منفذًا للاقتراب وإقامة العلاقات مع دول المنطقة.
-المقومات السياسية للدور التركي
في المنطقة:
بعد
انتهاء الحرب الباردة كان هناك تصور يدور في أذهان القوى الدولية والإقليمية بانتهاء
الأهمية الجيوستراتيجية لتركيا، إلا أن هذا التصور ما لبث أن تراجع وبدأت هذه الأهمية
بالظهور مجددًا من خلال ارتباط تركيا بمحيطها الإقليمي لاسيما بدول منطقة آسيا الوسطى،
حيث عملت وتعمل على استعادة مكانتها وأهمية موقعها كحلقة وصل بين أوروبا وآسيا وكذا أهميتها بالنسبة للولايات
المتحدة كحليف استراتيجي أول لها(13).
وقد
تمكنت تركيا بفضل ظاهرتين متباينتين من حيث الطبيعة والأهمية، من "تعويض" تقلص قيمتها الاستراتيجية بالنسبة
إلى العالم الغربي في أواخر الثمانينيات، نتيجة للتحولات التي أسفرت عن انهيار الأنظمة
الشيوعية شرق أوروبا وسقوط معادلة يالطا. فمن جهة، جاء الغزو العراقي للكويت في
1990 الذي أعاد تذكير الغرب الحريص على إمداداته النفطية، بأهمية أنقرة الحيوية بالنسبة
إلى أمنه؛ ومن جهة أخرى كانت تلك الآفاق الجديدة التي انفتحت أمام دبلوماسية أنقرة
نتيجة للتفكك الكامل لـ "الإمبراطورية" السوفيتية وانعكاساته في آسيا
الوسطى، أين تعيش شعوب لها جذور مشتركة مع أتراك الأناضول فضال عن الروابط القوية
التي تعززها تيارات التبادل عبر المجتمعات، وعلى الرغم من وجود قيود قوية وكثيرة كانت
تلجم احتمال صعوده إلا أنه تم الإقرار بظهور "عالم تركي" كان محجوبًا عن
الرؤية التاريخية.
إضافة
إلى ما تقدم مثلت مسألة عدم قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لأسباب سياسية
وأخرى اجتماعية دافعًا لتركيا إلى البحث عن دور محوري جديد في محيطها الإقليمي.
كان
انهيار الاتحاد السوفيتي قد وفر فرصة لتركيا لبناء مجال جديد للنفوذ في وقت حساس
جدًا بالنسبة إلى الرأي العام، نظرًا للخيبة الناجمة عن استبعاد طلب تركيا الانضمام
إلى الأسرة الأوروبية، التي تتزامن مع التحديات التي تثيرها المسألة القومية
الكردية منذ انتهاء حرب الخليج الثانية 1993 بمعنى آخر أحدث ظهور الجمهوريات
التركية الجديدة صدمة إيجابية على الصعيد النفسي في وقت كانت معنويات الرأي العام
التركي في تراجع. وجاء الشعور بالانتماء إلى "عالم تركي كبير" ليضفي شيئا
من الثقة بالنفس والتفاؤل بالمستقبل، وهما عاملان ضروريان لمجتمع ديناميكي يعاني
أزمة هوية، فعلى الرغم من أن القيادة التركية لم تكن مهيأة لمواجهة هذا النوع من
التطورات، إلا أن أنقرة أصبحت رسميًا محط أنظار زعماء الجمهوريات
الجديدة الذين راحوا يتوافدون عليها بمعدل رئيس واحد كل أسبوع.
في مطلع
سنة 1992 صارت تركيا بمثابة القطب الجاذب لجمهوريات آسيا الوسطى، واكتسبت السياسة
الخارجية التركية أبعادًا جديدة تفرض على أنقرة التصرف كقاطرة لدفع هذه الجمهوريات
المستقلة حديثًا إلى حضن النظام العالمي، وقد تحقق ذلك فعلًا عندما حصلت الجمهوريات
الجديدة على عضوية "مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا" بفضل الجهود التي
بذلتها أنقرة لهذه الغاية. كذلك؛ بادرت أنقرة بعرض قضية هذه الدول على الأمم
المتحدة، في إطار السعي إلى بت مسألة
عضويتها في المنظمة العالمية.
ومن
الدوافع السياسية أيضًا الترحيب الذي يلاقيه "النموذج التركي" من قادة
ومثقفي هذه الدول، إذ أن أغلبهم عبروا عن رغبتهم الشديدة في النموذج والدور التركي
بأشكال وصور مختلفة... لذا فإن تركيا تحرص وبشدة على تأكيد قدرة نظامها
الديمقراطي، وتجربتها الاقتصادية (اقتصاد السوق)على تشكيل نموذج ملائم يمكن للدول الإسلامية
للاستفادة منه في تطورها السياسي، وتركيا
هي المساعد الوحيد في اجتياز هذه العقبة ، بالإضافة إلى وجود إرث مشترك بين الأتراك
ودول المنطقة لاسيما وحدة التاريخ والروابط الثقافية والاجتماعية.
تعمل
تركيا على الظهور كنموذج يتميز بخصوصيات رئيسية أهمها: العلمانية والتعددية
السياسية، والتجربة الاقتصادية التركية، مقارنة بدول الجوار الأخرى في جنوب المنطقة
لاسيما إيران، والواقع أن الانهيار السريع للاتحاد السوفيتي وضع جمهوريات آسيا الوسطى
أمام خيارات سياسية صعبة تتلخص في كيفية بناء نظام سياسي بديل وملائم. في هذا
السياق أجمعت الآراء في مطلع التسعينات على توقع ان تلعب كل من تركيا وايران دورًا رئيسيًا في إعادة تشكيل الخريطة
السياسية بالمنطقة، ومن هذا المنطلق اتجهت القوى الغربية –وعلى رأسها الولايات
المتحدة الامريكية– إلى دعم تركيا لأنها تمثل العلمانية وحلقة الوصل الأيديولوجي
مع الغرب، في حين تعد إيران جمهورية إسلامية مضادة للديمقراطية ومناهضة للغرب.
ويشير فيليب روبينس (robins Philip ) إلى الدوافع الأيدولوجية لهذا الدعم قائلًا: "بمجرد انهيار الاتحاد
السوفيتي برزت مطالب ملحة حول دور الذي يمكن أن تقوم به تركيا في آسيا الوسطى، هذه
المطالب كانت إيدولوجية أكثر منها عملية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي
الداعية الرئيسية لهذا الموقف خوفًا من نجاح إيران في ملء الفراغ السياسي السائد.
بالنظر
للمقومات المعتبرة التي تمتلكها تركيا والتي تتفوق فيها عن غيرها من الدول المنافسة
لها في هذه المنطقة الحيوية لاسيما ايران، فقد أهلها هذا العامل الى لعب دور سياسي
واقليمي متميز ونشاط دبلوماسي حثيث منذ استقلال هذه الجمهوريات، فبعد انهيار الاتحاد
السوفيتي كان التوجه السياسي لدول آسيا الوسطى مؤيدًا لفرض اتباع النموذج التركي
أساسًا لأنظمة حكمهم، ومن أجل تحقيق ذلك وتسويقه إلى هذه الدول، تطلب الأمر منها
تجنيد وتعبئة كافة آلياتها وقدرتها الاستراتيجية المتمثلة في العقلانية السياسية،
المرونة الدبلوماسية والمقتضيات
البرغماتية(14).
وبغية
الوصول إلى تلك الأهداف السياسية النافذة إلى أنظمة الحكم الداخلية في تلك
الجمهوريات، اتبعت تركيا مقاربة شاملة في المجال السياسي، وظفت فيه كل آلياتها
وأدواتها في هذا الشأن. وعليه وحتى يتسنى تحقيق فهم جيد لكيفية ادائها السياسي في
محيطها الإقليمي، كان من الضروري تسليط الضوء عليها وتشخيصه.
-تنفيذ البعد السياسي للدور
التركي في المنطقة:
بعد عام
2002 أعاد حزب العدالة والتنمية صياغة العلاقات الخارجية التركية التي كانت قائمة
على أساس المحافظة على سلامة الكيان التركي الجديد دولة تركيا الحديثة من خلال
تجنب دوائر الصراع والمنافسة، ثم تطور الأمر في فترة الحرب الباردة التي جعلت من
تركيا دولة مواجهة ضد الخطر السوفيتي وبعد زواله أصبحت جسرًا بين الغرب والشرق،
قامت بعد ذلك بصياغة علاقاتها الخارجية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية على أساس
تجاوز فكرة الدولة الجسرية لتكون تركيا مركزًا إقليميًا بمعنى توسيع دائرة
علاقاتها الخارجية لتشمل إضافة إلى الغرب عددًا من الدوائر لاسيما تلك التي تربطها
بروابط ثقافية وتاريخية إذ أن مبدأ السياسة المتعددة الأبعاد الذي اتخذه حزب
العدالة والتنمية كان انعكاسًا لوعي متزايد بأهمية الموروث الثقافي والتاريخي
لتركيا، والحقيقة ان السياسة المتعددة الأبعاد كانت القوة الرئيسة خلف تعاظم الدور
التركي منذ عام 2002 أي منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، على الرغم
من كثرة الذين توقعوا أن تقبل انقرة بالتهميش في أثناء المدة التي تلت الحرب
الباردة باعتبارها نتيجة طبيعية.
ومن
نافلة القول أن السياسة الخارجية التركية -المتعددة الأبعاد- لا تعني قطيعة مع
التقاليد التركية السابقة، بل أن جوهر السياسة المتعددة الأبعاد هو الحفاظ على
مكاسب تركيا من سياساتها الخارجية الكلاسيكية مع توسيع نطاق هذه السياسة لتصل
دوائر ومجالات كانت قد انسحبت منها أو قد يكون حضورها ضعيف في جدول أعمال السياسة
الخارجية، لا
سيما في دول آسيا الوسطى.
وفي هذا الشأن
يعلق رئيس أوزباكستان "إسلام كريموف" بقوله: "يجب على البلدين أن يؤسسوا علاقات جيدة والابتعاد عن القومية
والعرقية" ، كما
أكد أحد الدبلوماسيين الأتراك المرافقين لرئيس الوزراء التركي في أثناء زيارته هذه
قائلا أن "كتلة الجليد التي تكونت بسبب مسار العلاقات الخاطئة في الأعوام
السابقة قد بدأت بالذوبان"، وتوج اللقاء باستجابة "كريموف" إلى جميع المطالب التركية، والتي
كانت برهان حقيقي لنجاح المحادثات، واتفق الجانبان في بادئ الأمر على التعاون في
مجال مكافحة الإرهاب والوقوف معًا في الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية.
ونتيجة
لهذه السياسة التركية الفاعلة نحو أوزباكستان أشار السفير الاوزبكي في أنقرة عام
2009 "ألفت قديروف" إلى أن "أوزباكستان دولة شقيقة وصديقة للشعب
التركي، وسنقف إلى جنب الأتراك مهما يكلفنا الأمر، وسوف ندعم بعضنا البعض"،
كما أشار "قديروف" إلى الإصلاحات الذي قام بها حزب العدالة والتنمية
معبرًا عنها بالقول ان تركيا أصبحت الدولة المشرقة للعالم، ويعود ذلك الفضل إلى
الرجل رجب طيب أردوغان والذي حشد طاقات الشعب التركي لتحقيق الأهداف المرجوة في
الميادين السياسية والاقتصادية للنهوض بشعبه، وأن تركيا مثال رائع ونموذج تحتذي به
بلدان آسيا الوسطى لإقامة دولة ديمقراطية، وأنا أرى ان مستقبل
تركيا مشرق(15).
شكلت
أعمال الشغب والمظاهرات التي حدثت في أوزباكستان عام 2010 والتي طالبت بإسقاط
الرئيس الأوزبكي "كريموف" مصدر قلق وخوف لتركيا، حيث دعا المسؤولون الأتراك
إلى مطالبة رئيس الحكومة الاوزبكية "إسلام كريموف" بضرورة التعامل
بالنهج الديمقراطي الذي يسهم في استقرار أوزباكستان والحفاظ على وحدتها والانتقال
السلمي للسلطة.
-الأبعاد الأمنية للدور التركي في
آسيا الوسطى:
بنيت
السياسة الخارجية التركية منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة على أساس البعد الأمني
وهذا واضح من السلوك السياسي للنخبة الحاكمة حتى نهاية الحرب الباردة، ولكي يكون
التحليل أكثر عمقًا لابد من الإشارة إلى أن السياسة الخارجية الدولية في تلك المرحلة كانت خاضعة للبعد الأمني، واصطبغت تلك
المرحلة بالأحلاف العسكرية كما استمرت السياسة الخارجية
التركية بخضوعها للبعد الأمني حتى نهاية القرن العشرين، لكن الدور التركي قد تغير
في أعقاب انتهاء الحرب الباردة من رأس حرية للغرب في وجه الاتحاد السوفييتي إلى
قيادة الشرق الأوسط الكبير إلى جانب إسرائيل(16).
لقد شهد
الوقت الحاضر تحولًا كبيرًا في مفهوم "الأمن"، فلم يعد التقوقع حول
مسألة الأمن القومي أمرًا ممكنًا، لأن طبيعة الأخطار التي تهدد الأمن أصبحت
عالمية، وعابرة للحدود، كالإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، والجريمة المنظمة،
والقضايا المتعلقة بالبيئة، وهذا يقتضي إعادة النظر في معالجة المسائل الأمنية، إذ
أن معالجتها غير ممكنة لأي دولة بمفردها فلابد من التعاون
العالمي لمواجهتها عبر منظمات متخصصة(17).
صحيح أن
انتهاء الحرب الباردة قد أزاح قيدًا كبيرًا على التوجهات الخارجية التركية،
وأعطاها فرصة جديدة وحرية أكبر للمناورة والإنغماس في العلاقات سواء كان على المستوى
الإقليمي أو الدولي، بعد أن كانت تنظر إلى روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي (كمنطقة
تهديد يحيط بـ "الأمن القومي التركي" بشكل دائم) من روسيا القيصرية إلى الاتحاد
السوفييتي ومن ثم إلى روسيا الاتحادية ما كان كفيلًا باعتباره هاجس أمني لدى الساسة
الأتراك، مما دفعهم للتوجه وبقوة نحو دول آسيا الوسطى، إلا أن تركيا مازالت تفضل
التحرك ضمن ما هو مسموح به دوليًا وضمن حلف شمال الأطلسي، بمعنى آخر اتباع سياسة
حذرة تجمع ما بين المبادرة وعدم المخاطرة.
-المبررات الأمنية للدور التركي
في المنطقة:
شكلت
منطقة آسيا الوسطى -فترة الحرب الباردة- المحور الآسيوي للمعسكر الشرقي، بيد أنها
أصبحت في ظل الفراغ الجيوسياسي والأمني لما بعد الحرب الباردة محل أنظار واهتمام
معظم اللاعبين الساعين إلى تطوير استراتيجيات عالمية وقارية، نتيجة لإمكاناتها الاقتصادية
وموقعها الاستراتيجي، وبرزت مقاييس لتوازن القوى تتحكم فيها العلاقات الافقية
والرأسية وأنماط التحالفات والاتفاقات بين القوى الدولية، وبين القوى الإقليمية
فمن بين هذه الدول الإقليمية الصاعدة اندفعت تركيا التي وجدت أمامها الفرصة
السانحة لملء الفراغ الأمني والاستراتيجي الذي تركه تفكك الاتحاد السوفييتي، وذلك لاستعادة
مجدها القديم المتمثل في الإرث العثماني المشترك مع هذه الدول، ومحاولة منها أيضًا
إلى الوقوف بوجه المد والتطرف "الإسلامي الراديكالي" لأن عواقبه ستمتد
وتؤثر في تركيا(18).
شهدت
الحالة الأمنية في آسيا الوسطى اختلالًا متفاقمًا بين التحديات والمقدرات بحيث
تتجاوز التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية الإمكانات المتوافرة للتصدي
لها، بما يحيل تلك التحديات إلى مشكلات مزمنة تتعدى حدود المنطقة، وتدفع بالقوى
الخارجية إلى التدخل من دون أن يكون لديها أجندة معلنة أو استراتيجيات مخرج واضحة
في أغلب الأحيان، فيحدث "احتباس استراتيجي" تزدحم بموجبه المنطقة باللاعبين
الخارجيين الذين يتعاملون مع مشكلات متنوعة قادرة على تغذية نفسها بشكل مستدام،
خاصة أن جمهورية آسيا الوسطى لا تزال تمر بمرحلة بناء الدولة وينقصها كثير من
مقوماته(19).
وحينما
يتصل الأمر بمواجهة مشكلات الأمن الرخو أو التهديدات غير العسكرية، فإن مقدرات هذه
الدول الناشئة لا تعتبر أفضل حالًا، فقد تحملت مشكلات اعتادت خلال سنوات الاتحاد
السوفييتي إيكال حلها إلى موسكو. ومن أبرز ما تشتمل عليه قائمة الأخطار غير
العسكرية التي تواجهها هذه الدول تأتي مشكلات مثل: تدفق اللاجئين، تجارة المخدرات،
التفتت العرقي، مشكلات البيئة، المعارضة السياسية. وتعتبر كل هذه التهديدات أزمات
زاحفة قادرة على التحول من مشكلات غير عسكرية إلى مشكلات عسكرية بما يستدعي
مواجهتها بالقوة المسلحة.
أدت جملة
هذه التطورات إلى تغيير مهمة حلف الناتو ليتحول من تحالف دفاع إلى منظمة تتمتع
بصالحيات عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية تغطي نشاطاتها العالم كله بحجة حماية
مصالح الدول الأعضاء فيه وصيانة الأمن والاستقرار في العالم.
-تنفيذ الأهداف الأمنية التركية
في المنطقة:
تمتلك
تركيا حدودًا برية مشتركة مع ثماني دول ضمن مسافات طولية متفاوتة منها ما تعلق
بالقسم القوقازي: أذربيجان-أرمينيا-جورجيا، كما أن البحار تحيط بها من ثلاث جهات،
وهذا يشير إلى مدى الحاجات الأمنية والدفاعات الواجب توفيرها من قبل الدولة التركية
لتأمين الحدود البرية والبحرية البالغة حوالي 9700 كم، إلا أن تعدد الدول المحيطة
بتركيا والمشتركة معها في الحدود يخلق العديد من الفرص والتحديات أمام الدولة
التركية(20).
إن وجود
مثل هذا العدد من الدول المشتركة في الحدود مع تركيا يمثل تحديًا أمنيًا ودفاعيًا
أمامها، كما أن علاقاتها مع هذه الدول قد تتعرض للخلل نتيجة احتمال حدوث صراعات
بين تلك الدول المجاورة لها، وقد تنعكس الصراعات في حال اندلاعها على الأوضاع العامة
في البلاد على مختلف الصعد، كما حدث أثناء النزاع الأرميني-الأذربيجاني حول إقليم
ناغورنوكاراباخ، بالإضافة إلى الخلافات الحدودية بين تركيا وبعض الدول المجاورة،... إلا أن وجود مثل هذا العدد من الدول التي
تشترك مع تركيا في الحدود يعطي فضاء أرحب أمام النشاط الدبلوماسي والاقتصادي
لتركيا، ويعمق هامش المناورة لها عبر توظيف الخلافات بين تلك الدول، كما يمكنها
توظيف تباين مصالح القوى الدولية الكبرى في هذه المناطق لمصلحتها.
تسعى
تركيا في تعاونها العسكري مع دول آسيا الوسطى إلى تجنب إثارة أي نزاعات أو صراعات
مع روسيا والصين ودول الجوار الأخرى، وفي الوقت نفسه توسيع وتطوير تعاونها العسكري
مع دول المنطقة، وتعزيز القدرات العسكرية بما يتلاءم مع قدرات الجيش التركي لتصبح
قوة عسكرية واحدة مع دول آسيا الوسطى من خلال الاتفاقيات المشتركة أو إقامة أحلاف
عسكرية تضم هذه الدول أو من خلال منظمات سرية مثل منظمة "الذئاب
الرمادية"، كما بادرت تركيا منذ السنوات الأولى من استقلال دول آسيا الوسطى
إلى بناء قواتها المسلحة الخاصة بها من أجل التأكيد على استقلالها وسيادتها وتقليل
روابطها مع روسيا الاتحادية ودول رابطة الكومنولث، حيث استطاعت تركيا في هذا
المجال إبرام عدد من الاتفاقيات مع أذربيجان لاسيما في سنة 1992 وتم توقيع أول
اتفاقية تنص على التعاون العسكري في مجالات التدريب وتبادل المعلومات التكنولوجية،
هدفت من خلالها أذربيجان إلى الاستفادة من الخبرات المتطورة التي يمتلكها الجيش
التركي والمساعدة في إعادة تشكيل صفوفها العسكرية من
أجل الاستعداد للدفاع عن أراضيها لاسيما إقليم "قرة باغ"
الخاتمة
انطلاقًا
من مجمل ما سبق نجد أن تركيا لطالما حاولت تعزيز البعد السياسي في علاقاتها مع دول
آسيا الوسطى بالبعد العسكري وتعزيز البعد الاقتصادي بالبعد الاجتماعي والتاريخي،
وإذا كانت تركيا تتوفر على أدوات عمل لإحياء الاسلوب العثماني في إدارة العلاقات
الخارجية، فإنما من باب تأمين دوائر النفوذ وليس التوسع بالمفهوم الامبريالي،
ويكون على تركيا -في حال اتباعها سياسة عثمانية من نمط جديد- التزام موقف متوازن
يمكنها من الاضطلاح بدور أكبر في المنطقة.
وعمومًا تؤكد الرؤية التركية لسياستها الإقليمية على أربعة مبادئ هي: تعزيز الاعتماد المتبادل بين اقتصاديات المنطقة، وضرورة تحقيق الأمن المشترك للجميع، وتغليب الحوار والآليات الدبلوماسية والسلمية في معالجة أزمات المنطقة، والحفاظ على وحدة الكيانات القائمة وطابعها المتعدد في إطار تأكيد التعايش الثقافي والتعددية.
المراجع
1-
ميشال نوفل،
"تركيا في العالم العربي: الإطار المفهومي لإعادة توجيه السياسة التركية، مجلة
الدراسات الفلسطينية، العدد 92، خريف 2012.
2- طارق عبدالجليل، "دبلوماسية
أردوغان: تأثير الورقة الخارجية في نتائج الانتخابات التركية، السياسة الدولية،
السنة 46، العدد 185، يوليو 2011.
3-
عقيل سعد
مخفوض، السياسة الخارجية التركية: الاستمرارية -التغيير، بيروت: المركز
العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012.
4-
علي حسين
باكير، تركيا: الدولة والمجتمع في: تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج،
الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات،2010.
5-
إيمان أحمد
رجب، "الهوية أم المصلحة: ما الذي يتحكم في علاقات الدولة الخارجية؟"، السياسة
الدولية، السنة 47، العدد 186، أكتوبر2011.
6-
بكر محمد رشيد
البدور، المكانة الإقليمية لتركيا حتى عام 2020، الدوحة: مركز الجزيرة
للدراسات، 2016.
7-
إسراء محمود،
"كيف استفادت تركيا من مواردها المائية؟"، تركيا بوست، على
الرابط التالي:
https://www.turkey-post.net/p-94881/
8-
يوسف إبراهيم الجهماني، تركيا
وإسرائيل: ملفات تركية، دمشق: دار حوران للطباعة والنشر والتوزيع، 1999.
9-
لطفي السيد
الشيخ، الصراع الأمريكي الروسي على آسيا الوسطى، القاهرة: دار الأحمدي
للنشر، 2006.
10-
دهام محمود
علي، تركيا ما بعد العثمانية الجيش ومراكز القوى، مجلة شؤون الأوسط، العدد
99، سبتمبر 2000.
11-
Mohammad Reza Djalali et
Thierry Kellener, géopolitique de la nouvelle Asie centrale, de l’URSS à
l’après 11 septembre, Paris: PUF, 4ème édition, 2006.
12-
Hunter, Shireen, “Iran ’s
Pragmatic Regional Policˮ,
International Affairs, (Vol 56, Issue 2, 2003).
13-
أحمد نوري
النعيمي، الصراع الدولي على الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى األنموذج التركي،
سلسلة دراسات استراتيجية، العدد ،53 جامعة بغداد، مركز الدراسات
الدولية، ،2003.
14-
محمد خلف، الدور
التركي الإقليمي، أنظر الموقع الالكتروني:
https://www.iasj.net/iasj/download/de644e6f867760b6
15-
Özbekıstan Türkıye ılk mesaj,
Son Dakıka Haberleri, at:
http://www.sondakikahaberleri.info.tr/ozbekistan
16-
محمد نور
الدين، تركيا في الزمن المتحول: قلق الهوية وصراع الخيارات،2015.
17-
جون بيليس
وستيف سميث، عولمة السياسة العالمية، أبو ظبي: مركز الخليج للأبحاث، ،2004.
18-
جاسر شاهد، السياسة
الخارجية التركية تجاه جمهوريات وسط آسيا، السياسة الدولية، مركز الدراسات
الدولية، العدد ،131 يناير،1997.
19-
هدى ميتكيس
والسيد صدقي عابدين، قضايا الأمن في آسيا، مركز الدراسات الآسيوية، جامعة
القاهرة، ،2004.
20- Ramazan Özey, ¨Turkey's Borders and Borde Disputes¨, (T.R. Primeministry, TICA, Turkish International Cooperation Agency, Aurasian Studies, Ankara-Turkey, 18 Autum-Winter, 2000).