إرباك مؤقت...كيف يمكن أن تؤثر حادثة سقوط طائرة الرئيس على الداخل الإيراني؟
رغم نص الدستور الإيراني ولاسيما
في المادة 131 على كيفية التصرف في حالة عدم قدرة الرئيس الإيراني على عدم ممارسة
مهام عمله وحل هذه الإشكالية بتعيين النائب الأول للرئيس لمدة 3 أشهر على أن تجرى
انتخابات رئاسية خلال هذه الفترة، إلا أن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في
هكذا حادثة بغض النظر عن شخصه تمثل إشكالية وأزمة كبيرة للنظام. وذلك لجهة عدم
اتخاذ الترتيبات الأمنية اللازمة لتأمين حياته بالإضافة إلى الوفد المرافق له في
دولة بحجم إيران التي تدعم العديد من الميليشيات المسلحة والفاعلين من غير الدول
في خمسة عواصم عربية، ولاسيما في ظل الأحداث الاستثنائية التي تمر بها منطقة الشرق
الأوسط بعد عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس الفلسطينية في
مواجهة إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 بدعم إيراني مؤكد رغم نفي طهران لذلك في
مناسبات عدة.
ومن هنا تكشف هذه الحادثة عن مدى
الهشاشة التي تخيم على الأوضاع الداخلية في إيران ولاسيما بعد استغراق مدة البحث
عن طائرة الرئيس وجثث الوفد المرافق له لمدة استغرقت حوالي 16 ساعة، ولم تنجح
عمليات البحث إلا بعد إرسال تركيا لطائرة بدون طيار من طراز "بيرقدار آقنجي"
مزودة بأليات الكشف الحراري وأحدث الأليات التكنولوجية القادرة على جمع البيانات
وتقديمها إلى صانع القرار على الأرض.
ومن هنا، سيتم العرض فيما لأبرز الملفات التي يمكن أن ينتابها
هذا الإرباك المؤقت أو بالأحرى التغيير والتي تتمثل في:
أولاً: المشهد السياسي
رغم أن هذه الحادثة لن تؤدى إلى أي تغيير في الهيكل السياسي
لإيران، وخاصة في ظل وجود المرشد الأعلى علي خامنئي وخبراته الكبيرة النابعة من
المدة التي حكم فيها في منصبي الرئيس والمرشد، إلا إنه من المتوقع أن تؤثر هذه
الحادثة في أربع مؤسسات رئيسية وهي الحكومة والبرلمان ومجلس الخبراء ومجالس
البلديات. فمن سيتم انتخابه في منصب الرئيس سيكون له فريقه الخاص والتشكيل الحكومي
الخاص المختلف عن من كانوا مع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. أما عن التغير في
البرلمان فإن احتمال ترشح محمد باقر قاليباف للانتخابات الرئاسية القادمة سيؤدى
إلى عدم توليه منصب رئاسة البرلمان وسيؤدى ذلك بطبيعة الحال إلى تولد منافسة جديدة
على رئاسة البرلمان بعد كان هناك حالة من شبه الاستقرار على تولي قاليباف لرئاسته.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ابتعاد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي
ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان عن المشهد في وقت تمر به إيران بأزمات طاحنة
يفاقم من الأزمات الموجودة بالفعل. فعلى الصعيد السياسي هناك حالة من الاستقطاب
الشديدة على الساحة السياسية في إيران على خلفية استبعاد التيار الإصلاحي من
المشهد السياسي وفوز التيار المحافظ بالعدد الأكبر من الأصوات في الانتخابات
البرلمانية السابقة في إيران ناهيك عن الخلافات داخل التيار الأصولي نفسه.
ثانياً: خلافة المرشد الأعلى
بالنظر إلى إنه لم يقتصر دور إبراهيم رئيسي في إيران على إنه
كان الرئيس الإيراني فقط بل كشفت العديد من التحليلات عن إنه كان يتم إعداده لتولي
أعلي منصب في إيران المتمثل في منصب المرشد الأعلى بالنظر إلى خبرته القضائية
والدينية والسياسية وبالتالي، فإن غيابه عن المشهد السياسي يمثل خسارة كبيرة
للنظام في إيران في هكذا توقيت.
وكان يكمن اختيار المرشد الأعلى للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم
رئيسي من إن هذا الأخير كان منفذ جيد لسياساته ولم يحدث أن كان هناك تعارضاً فيما
بينهما في أي من الملفات مثلما حدث مع بعض الرؤساء السابقين مثل حسن روحاني وأحمدي
نجاد. أما عن البديل الآخر الذى أشارت بعض التحليلات إلى إنه من المحتمل أن يتولى
منصب المرشد الأعلى فهو مجتبى خامنئي نجل المرشد الحالي.
ولكن الجدير بالذكر، أن هذا الشخص تدور حوله الكثير من الشبهات
يتضح أبرزها في صلته بالمرشد الأعلى الحالي ورفض فكرة التوريث في الجمهورية
الإسلامية التي جاءت بالأساس لتنهى النظام الملكي، ويتوازى ذلك مع كون مجتبى مدير
مكتب والده وحوله الكثير من الشبهات بالتورط بالفساد، فضلاً عن إنه لم يتولى أية
مناصب سياسية عادا المناصب الإدارية التي عهدت بحكم كونه مديراً لمكتب والده لجهة
المرجعية الشيعية وليس الشؤون السياسية.
ثالثاً: الصراع بين التيارات السياسية
من المتوقع أن تشهد الساحة السياسية حالة من الاستقطاب الشديد
خلال الفترة القادمة وخاصة بالتوازى مع إعلان السلطات الإيرانية عن إجراء
الانتخابات الرئاسية في 28 يونيو 2024، والتي قد تفتح الباب على مصراعيه للتنافس
بين الأصوليين والإصلاحيين ولاسيما في ظل سيطرة الفئة الأولى على مجلس الشورى
الإسلامي وفوزهم بالعدد الأكبر من الأصوات في ظل نسبة مشاركة منخفضة للغاية سواء
فيما يتعلق بالاستحقاقات التشريعية أو مجلس الخبراء.
ويتوازى ذلك مع رغبة بعض الإصلاحيين والمعتدلين في إعادة ترتيب
صفوفهم والعودة إلى الساحة السياسية مرة أخرى، والشاهد على ذلك هو ترشح الرئيس
السابق حسن روحاني لانتخابات مجلس الخبراء ولكن تم رفض أهليته، الأمر الذى آثار
حالة من عدم الاستقرار قد لا تبدو هينة في هذا الإطار.
ومن ناحية أخرى ورغم حاجة النظام إلى السير على ذات النهج
القائم على توحيد التيار السياسي الذى يمسك بكافة مفاصل مؤسسات الدولة كما كان
الحال في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، إلا إنه قد يرغب في إفساح المجال لبعض
المعتدلين والإصلاحيين للعودة إلى الساحة
السياسية من خلال الترشح في الانتخابات حتى وإن كان غير مقرر لهم الفوز النهائي،
على خلفية حاجته لتعويض النسبة المنخفضة من عدم المشاركة، بالتوازى مع ضمان قدر
ولو ضئيل من الاستقرار بعد رحيل إبراهيم
رئيسي.
وفي النهاية: وتأسيساً على ما سبق، من المتوقع أن يؤدى ذلك في
مجمله إلى التأثير على النواحي الاقتصادية والاجتماعية في إيران والتي تعاني من
تدهور حاد خلال هذه الفترة؛ فرغم إعلان إيران كل فترة ليست بالطويلة عن زيادة
عوائد صادرات النفط، إلا أن ذلك لم يلاحظ تأثيره على المستوى المعيشي للمواطنين في
إيران بالنظر إلى ارتفاع حالة المؤشرات الاقتصادية السلبية مثل التضخم والبطالة.
وأسفر ذلك بطبيعة الحال عن تفاقم بعض المشكلات الاجتماعية من قبيل انخفاض معدل
النمو السكاني في إيران عن المعدل العالمي، بالتوازى مع تصاعد نسب الانتحار
والهجرة دون قدرة الحكومة السابقة على إيجاد حلول عملية لها وبالتالي، ربما تتفاقم
هذه الظواهر الاجتماعية السلبية خلال الفترة القادمة في إيران.