الأسلمة من الخارج...كيف توظف إيران المهاجرين من الشيعة الأفغان؟
آثار اعلان وسائل الإعلام الرسمية
الإيرانية في أواخر مايو 2024 عن مشاركة أكثر من 100 ألف مهاجر شيعي أفغاني في
مدينة مشهد الإيرانية في مواكب حداد مدعومة من الدولة لإحياء ذكرى وفاة الرئيس
الراحل إبراهيم رئيسي الانتباه حول
استغلال المهاجرين الأفغان لتصدير صورة مزيفة حول الهوية الدينية للمجتمع في
إيران، بالتوازى مع مدى متانة العلاقة بين الدولة والمجتمع.
وكذلك تسبب حضور ما لا يقل عن عشرين
ألف مهاجر أفغاني في طهران لإحياء ذكرى ميلاد الإمام الحسن في إثارة ضجة كبيرة بين
الإيرانيين؛ حيث سخر بعضهم من الاعتماد على المهاجرين الأفغان لملء ملعب آزادي
الذي يتسع لثمانين ألف مقعد في طهران في عرض أيديولوجي تديره الدولة، باعتبارها
دليلاً إضافياً على تقلص قاعدة دعم النظام.
أولاً: تفسير هجرة الشيعة
الأفغان الجماعية إلى إيران
بات موضوع الهجرة الجماعية الأفغانية
أمر ملحوظ للغاية في الشارع الإيراني؛ حيث شهد العام الماضي تدفقاً كبيراً للأفغان الشيعة إلى إيران حتى أصبح أمر واضح في
كل مدينة وحتى في المناطق الريفية النائية، مثل خمين، مسقط رأس مؤسس الجمهورية
الإسلامية آية الله روح الله الخميني.
ويبدو ظاهرياً أن هناك تفسيرين لهذه
الزيادة المفاجئة في الهجرة من الحدود الشرقية لإيران، لجهة استيلاء طالبان على
السلطة في عام 2021، مما تسبب في نزوح جماعي، بالإضافة إلى فقدان إيران للسيطرة على حدودها مع زيادة عدد اللاجئين الأفغان بنسبة
338% منذ عام 2021، أي ما يعادل 3.41 مليون شخص في غضون ثلاث سنوات فقط. لكن الوتيرة غير العادية التي تم بها دمج اللاجئين الأفغان قانونياً في
المجتمع الإيراني، رغم غضب المجتمع في إيران تكشف عن أن هناك شيئاً أكبر وأكثر
تنسيقاً يجري وراء الكواليس.
والجدير بالذكر، إنه تاريخياً، واجه
الأفغان تمييزاً من الدولة والمجتمع في إيران؛ حيث منع هذا التمييز الأفغان من
امتلاك المنازل أو فتح حسابات مصرفية أو شراء الهواتف المحمولة، كما يواجه الأفغان
قيوداً على الزواج. ومع ذلك، كشفت تقارير متعددة مؤخراً أن اللاجئين الأفغان حصلوا
بشكل جماعي على جوازات سفر إيرانية وبطاقات هوية وطنية وحقوق المواطنة الكاملة -
بما في ذلك الحق في العمل والتصويت وامتلاك المنازل. وبالفعل استغل
العديد منهم هذه التغيرات المشروطة بدعم مُثل الجمهورية الإسلامية وتأمين مصالحها.
ثانياً: استغلال إيراني
للمهاجرين الأفغان
سلطت المشاركة الجماعية للأفغان الشيعة
في الأشهر الأخيرة بالأحداث التي نظمها النظام - بما في ذلك الخطب التي ألقاها
الرئيس والمرشد الأعلى، والمواكب الشيعية التي تديرها الدولة، وحتى الانتخابات
الضوء على الكيفية التي تستخدم بها إيران المهاجرين الأفغان لتعزيز دائرة انتخابية
موالية وملء الفجوة المتزايدة الاتساع بين الدولة والمجتمع.
ويشبه ذلك الهندسة الديموغرافية التي
تنفذها المؤسسة الدينية في الخارج ــ إعادة توطين الأحياء السنية والمسيحية في
أماكن مثل سوريا والعراق ــ حيث استُخدِمت هجرة الشيعة، وخاصة من أفغانستان،
لتسهيل الاحتياجات الإيديولوجية والأمنية لطهران. ولا يعمل هذا النموذج على تعزيز
جهاز الأمن القمعي التابع للحرس الثوري فحسب، بل إنه يعمل أيضاً على أسلمة
المجتمعات وتغيير هوياتها وفقا للمشروع الإيديولوجي الكبير للمرشد الأعلى آية الله
علي خامنئي.
ثالثاً: دعم نموذج
"الحكومة الإسلامية"
وتأسيساً على ذلك، فإن الوتيرة التي تم
بها دمج المهاجرين الشيعة الأفغان في الركائز الإيديولوجية والدعائية للجمهورية
الإسلامية تثير تساؤلات خطيرة. فهل يتعمد النظام إحداث تغييرات ديموغرافية في
إيران من خلال الهجرة من أجل تحقيق ما يسمى بـ "المجتمع الإسلامي"؟
والشاهد على ذلك هي مزاعم المرشد
الأعلى علي خامنئي التي كررها كثيراً، من أن إيجاد "مجتمع إسلامي" لا
يمكن تحقيقه إلا بعد تأسيس حكومة إسلامية "حقيقية". ومن هذا المنطلق كان
تعيين إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 مصمماً لاستكمال تلك الخطوة
حتى يتمكن النظام من التحرك نحو مجتمع إسلامي. فمنذ بداية الثورة في عام 1979،
اتخذت إيران نهجين لأسلمة المجتمع: من الأعلى ومن الأسفل، مع التركيز على المشاريع
الشعبية مثل إنشاء ميليشيات الباسيج والمساجد في كل حي.
رابعاً: التناقض مع الواقع
على الأرض
رغم كل هذه الجهود، فإن المجتمع الإيراني
اليوم ليس إسلامياً على الإطلاق؛ حيث كشف استطلاع مسرب أجرته وزارة الثقافة
والإرشاد الإسلامي في عام 2023 أن 73% من الإيرانيين يسعون إلى دولة علمانية، على
عكس دعاية النظام. وكشفت مقاطع الفيديو عن نساء ورجالاً يحرقون الحجاب الإلزامي ومراكز
تأبين الشيعة، والإتجاه الجديد المتمثل في "رمي العمائم" للسخرية من
رجال الدين الشيعة، عن مدى العلمانية في المجتمع الإيراني.
وبعد محاولتهم الفاشلة في أسلمة
المجتمع من الأعلى والأسفل، تبنت المؤسسة الدينية والحرس الثوري الإيراني نهجاً
جديداً لإنشاء مجتمعهم الإسلامي المثالي عن طريق الأسلمة من الخارج، والمهاجرين من
أفغانستان وغيرهم من الشيعة، هم المرشحون المثاليون لخامنئي لاستغلالهم لتنفيذ
مشروعه في الأسلمة. ولا شك أن المجتمع الشيعي الأفغاني أكثر محافظة دينياً وتقيداً
من الإيرانيين العلمانيين على نحو متزايد، وما يعزز ذلك هو منح طهران امتيازات كبيرة
للشيعة الملتزمين من أفغانستان.
وتؤكد أرقام الهجرة الحالية من
أفغانستان أن هندسة التغييرات الديموغرافية في إيران ليست حلماً بعيد المنال
بالنسبة للمرشد الأعلى، بل هي إمكانية حقيقية في متناول اليد؛ حيث كشفت يوجد ما
يصل إلى 6 ملايين مهاجر أفغاني في إيران ومن المتوقع إذا استمر مسار الهجرة
الحالي، أن يزيد هذا الرقم إلى "20 مليوناً في السنوات الثلاث المقبلة.
ويتوازى ذلك مع انخفاض معدل المواليد في إيران؛ حيث تقلص من 6.4٪ في عام 1980 إلى
1.66٪ في عام 2022، وغادر ما يصل إلى 2.2 مليون إيراني البلاد في عام 2023 وحده،
ولكن على الناحية الأخرى ذكرت صحيفة الجمهورية الإسلامية أنه في خريف عام 2022، من
بين 300 ولادة في مستشفى بمحافظة فارس، كان 294 أفغانياً، وهي إحصائية لا يمكن
تجاهلها.
وفي النهاية: يمكن
القول إنه في الأمد القريب، قد يكون خامنئي قادراً على استخدام الأسلمة من الخارج
لسد الفجوة المتزايدة بين النظام والمجتمع، وتوسيع دائرته الاجتماعية المتقلصة.
ولكن في الأمد المتوسط إلى الطويل، فإن مثل هذا التصنيع الديموغرافي المزيف من
شأنه أن يؤدي حتماً إلى تأجيج التوترات الداخلية في إيران، مما يزيد من الفجوة بين
الشعب والنظام ويؤدي إلى صراع حتمي بين الإيرانيين والمهاجرين الأفغان.
كما إن قدرة خامنئي والحرس الثوري على
السيطرة على هذا الأمر سوف تزيد من فرصهم في الحفاظ على الجمهورية الإسلامية،
وبالتالي تقويض الاعتقاد السائد بأن تحديث المجتمع وعلمنته سوف يؤديان حتماً إلى
انهيار النظام. وإذا تحقق الانهيار فقد يؤدي إلى زيادة وتيرة الاحتجاجات
الجماهيرية والمقاومة العنيفة. وفي كلتا الحالتين، فإن عدم الاستقرار الداخلي في
إيران على وشك أن يزداد، ولاسيما في ظل تلميحات من النظام بالرغبة في استغلال المهاجرين
الأفغان لقمع الاحتجاجات المناهضة له في المستقبل.