المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

تحولات جديدة...ملامح الدور الروسي في جنوب القوقاز

الأربعاء 14/أغسطس/2024 - 03:33 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

رغم أن انسحاب القوات الروسية من إقليم ناغورنى كاراباخ في إبريل 2024 كان مفاجأة للكثيرين، ولكن يبدو إنه أحد تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وعزز من تحول القوة الذي بدأ في أواخر سبتمبر 2023، عندما استولت أذربيجان على المنطقة نحو 100 ألف أرمني من كاراباخ  على النزوح التزمت القوات الروسية الحياد. وهو ما برزت على إثره  أذربيجان التي تشترك في حدود مع روسيا على بحر قزوين، كلاعب قوي من خلال بعض المحددات الهامة التي تتمثل في موارد نفطية وغازية كبيرة، وجيش قوي، وعلاقات قوية مع كل من روسيا والغرب.

وفي السياق ذاته، شهدت كل من أرمينيا وجورجيا، تحولات خاصة بهما؛ في الأشهر التي تلت استيلاء أذربيجان على إقليم ناجورنو كاراباخ، تحولت أرمينيا، الحليف التقليدي لروسيا، بقوة متزايدة نحو الغرب. وذهب  الحزب الحاكم في جورجيا نحو تقليص  علاقاته الوثيقة التي استمرت ثلاثة عقود مع أوروبا والولايات المتحدة. والشاهد على ذلك هو القانون المثير للجدل الذى أقره البرلمان الجورجي للحد من "النفوذ الأجنبي" على المنظمات غير الحكومية ، وهو القانون المستمد من التشريعات الروسية، والذى أرسل رسالة إلى موسكو مفادها أنها تحظى بشريكاً يمكن الاعتماد عليه على حدودها الجنوبية.

وتكمن هذه التحولات الجديدة من دوافع متعددة يتضح أبرزها في:

1-    الأهمية الاستراتيجية لمنطقة جنوب القوقاز: في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، حاولت موسكو الحفاظ على نفوذها من خلال التدخل في العديد من الصراعات العرقية الإقليمية المحلية هناك، والإبقاء على أكبر عدد ممكن من القوات على الأرض. ولكن الحرب في أوكرانيا ونظام العقوبات الغربية غير هذه الحسابات. فمن خلال اتخاذ قرار بسحب القوات من أذربيجان، يعترف الكرملين بأن الأمن الاقتصادي في جنوب القوقاز ــ في الوقت الحالي على الأقل ــ أكثر أهمية من الأبعاد الأخرى، ويأتي تعبيراً عن مدى حاجة روسيا إلى شركاء تجاريين وطرق تجارية تكسر العقوبات في الجنوب. وفي الوقت الذي تتعرض فيه لضغوط متزايدة من الغرب، فإنها ترى أيضا أن المنطقة تقدم طريقاً برياً جديداً مرغوباً فيه بشدة من جانب إيران.

2-    دعم أذربيجان: من خلال قرار روسيا بالانسحاب من ناغورنى كارابخ فإنها منحت أذربيجان انتصاراً كبيراً، من خلال السماح للجيش في باكو بالسيطرة الكاملة على المنطقة المتنازع عليها منذ فترة طويلة. وبالنسبة لمعظم الأرمن، كان ذلك بمثابة تأكيد جديد على تخلي روسيا نتيجة توصلها لاتفاق مع أذربيجان. وباعتبارها أكبر وأغنى دول جنوب القوقاز الثلاث، فقد استفادت أذربيجان أكثر من غيرها من التغيرات التكتيكية التي أجرتها روسيا.

وتتضح أهمية أذربيجان بالنسبة لروسيا في أنها لاعب أساسي في سياسات الطاقة بين الشرق والغرب، وتوفر النفط والغاز اللذين ينقلهما خطان للأنابيب عبر جورجيا وحليفتها الوثيقة تركيا إلى الأسواق الأوروبية والدولية. ونظراً لمشاركتها في الحدود مع إيران، فإنها تعمل أيضاً كبوابة من الشمال إلى الجنوب بين موسكو والشرق الأوسط.

3-    تخطى العقوبات الاقتصادية: زار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف موسكو بعد خمسة أيام فقط من مغادرة قوات حفظ السلام الروسية لإقليم ناغورني كاراباخ؛ حيث حيث ناقش تعزيز الروابط بين الشمال والجنوب بين البلدين. والشاهد على ذلك هو تصريح وزير النفط الروسي فيتالي سافيليف على هامش هذه الزيارة بأن أذربيجان تعمل على تطوير البنية الأساسية للسكك الحديدية لديها لمضاعفة قدرتها على الشحن إلى أكثر من الضعف - والسماح بمزيد من التجارة مع روسيا.

وبالنسبة لموسكو، يأتي ذلك في سياق فرض المزيد من الضغوط على الغرب من خلال تأسيس طرق تجارية جديدة للتعويض عن الانهيار الاقتصادي الناجم عن الحرب في أوكرانيا. فمنذ بدء الحرب في أوكرانيا، كانت الحكومات والشركات الغربية تحاول تطوير ما يسمى بالممر الأوسط، وهو الطريق الذي يحمل البضائع من غرب الصين وآسيا الوسطى إلى أوروبا عبر بحر قزوين وجنوب القوقاز - وبالتالي تجاوز روسيا. بينما كانت تحاول هذه الأخيرة توسيع اتصالاتها الخاصة بالشرق الأوسط والهند عبر كل من جورجيا وأذربيجان.

4-    تعزيز العلاقات مع إيران: إن إعادة بناء طرق النقل البري إلى إيران تشكل جزءاً رئيسياً من طموحات روسيا الاستراتيجية في جنوب القوقاز. والطريق الأكثر جاذبية هو الطريق الذي تطلق عليه أذربيجان ممر زانجيزور، وهو طريق بري وسككي مخطط له يمر عبر جنوب أرمينيا ويربط أذربيجان بإقليم ناخيتشيفان، وهي منطقة أذربيجانية تقع على الحدود مع إيران وتركيا. ومن خلال إعادة فتح الطريق الذي يبلغ طوله 27 ميلاً، سيكون لدى موسكو اتصال مباشر بالسكك الحديدية بطهران، التي أصبحت مورداً مهماً للأسلحة للقوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا.

في الواقع، من شأن هذا المحور الشمالي الجنوبي أن يحيي فعلياً ما كان يُعرف بالممر الفارسي أثناء الحرب العالمية الثانية ــ طريق بري وسككي يمتد شمالاً من إيران عبر أذربيجان إلى روسيا، والذي قدم ما لا يقل عن نصف مساعدات الإقراض التي قدمتها الولايات المتحدة للاتحاد السوفييتي أثناء الصراع، ومن قبيل المصادفة الغريبة أن هذا المحور نفسه أصبح الآن حيوياً بالنسبة لموسكو في صراعها الحالي ضد الولايات المتحدة والغرب.

وبالتالي يمكن القول إن فتح هذا الممر، قد يكون جوهر الصفقة الجديدة بين أذربيجان وروسيا: ففي مقابل سحب روسيا لقواتها من قره باغ ــ وهي الخطوة التي منحت القيادة الأذربيجانية انتصاراً شعبياً كبيراً ــ قد تستسلم أذربيجان للسيطرة الأمنية الروسية على الطريق المخطط له عبر جنوب أرمينيا. وإذا تم تنفيذ مثل هذه الخطة، فسوف يرقى ذلك إلى استيلاء أذربيجاني روسي منسق على الحدود الجنوبية لأرمينيا ــ وهو كابوس لكل من أرمينيا والغرب. وسوف يفقد الأرمن السيطرة على منطقة حدودية حيوية استراتيجياً.

وفي النهاية: يمكن القول أن كل هذه المتغيرات تجعل السلوك الروسي في هذه المنطقة، كما هو الحال في أماكن أخرى، غير قابل للتنبؤ إلى حد كبير. فمنذ سيطرة أذربيجان على إقليم  ناجورنو كاراباخ، تزايدت التكهنات حول ما قد يحدث في أبخازيا، المنطقة المنفصلة التي تقع على الحدود الروسية مع جورجيا والتي كانت منطقة صراع منذ تسعينيات القرن العشرين.

 فهل قد تتحرك روسيا لضمها بالكامل، وبالتالي تأمين قاعدة بحرية جديدة على البحر الأسود؟ أوهل من الممكن التوصل إلى اتفاق مماثل للاتفاق مع أذربيجان، حيث تسمح موسكو لجورجيا بالتقدم إلى أبخازيا دون معارضة في مقابل تخلي جورجيا عن طموحاتها الأورو أطلسية؟ أي من هذين الاحتمالين ممكن من الناحية النظرية، وإن كان من المرجح أيضاً أن يفضل بوتين الوضع الراهن وسيستمر في التركيز على أوكرانيا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟