رؤية استشرافية... كيف ستبدو السياسة الخارجية الإيرانية في عهد بزشكيان؟
اسفرت نتائج الجولة الثانية من
الانتخابات الرئاسية الـ14 في إيران والتي تم إجرائها يوم الجمعة الموافق 5 يوليو 2024
عن فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان برئاسة
الجمهورية؛ فمن بين 30.5 مليون صوت تم فرزها في الجولة الثانية التي جرت، فاز
بزشكيان بأكثر من 16.3 مليون صوت، متفوقاً على منافسه المحافظ المتشدد سعيد جليلي،
الذي حصد أكثر من 13.5 مليون صوت.
وفي هذا السياق، أثارت بعض التقديرات
الكثير من التساؤلات حول توجهات السياسة الخارجية المتوقعة في عهد الرئيس الإيراني
الجديد مسعود بزشكيان، ولاسيما بعد توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي له باتباع
نهج الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي فيما يتعلق بمواصلة تطوير العلاقات مع
دول المنطقة وتعزيز العلاقات مع دول الشرق مثل روسيا والصين، ولكن المؤكد أن
بزشكيان سيتجه نحو استئناف التفاوض مع الغرب مرة أخرى بهدف رفع العقوبات وجذب
الاستثمارات الأجنبية الناتجة عن العودة الى خطة العمل الشاملة المشتركة مرة أخرى.
أولاً: العلاقات الإيرانية مع القوي الغربية
تعد العلاقات الإيرانية مع الغرب
ولاسيما فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي من أبرز
الملفات المهمة على أجندة السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس الجديد مسعود
بزشكيان، ومن المتوقع أن تتضح أبرز محددات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه هذه
الدول على النحو التالي:
1-
العودة إلى طاولة المفاوضات: من المتوقع أن يكون الملف النووي الإيراني على رأس
أولويات بزشكيان بعد فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وذلك لإدراكه
بأن العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على إيران تعد بمثابة العقبة الأساسية
أمام حل غالبية الأزمات الإيرانية في الداخل وعلى رأسها الاقتصادية والاجتماعية.
2-
تقليص الدعم الإيراني لروسيا: ربما يؤدى المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان إلى الحد من
علاقات إيران المتطورة مع روسيا، ولاسيما فيما يتعلق بدعمها عسكرياً في حربها على
أوكرانيا بغرض اقناع الدول الغربية برفع العقوبات المفروضة على إيران في هذا
الشأن.
3-
سعى إيران لاصلاح العلاقات مع واشنطن
وبروكسل: تأسيساً على النقطة
السابقة، من المتوقع أن تتجه إيران لتهدئة حدة التوترات مع الولايات المتحدة
الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي على خلفية رغبتها في مواصلة مفاوضات العودة إلى
خطة العمل الشاملة المشتركة واستعادة علاقاتها الطبيعية مع هذه الدول.
ولكن
المؤكد أن قرار بزشكيان بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة سيواجه بتحديات
كثيرة أبرزها سيطرة التيار المحافظ على بعض مؤسسات صنع القرار المعنية داخل
الجمهورية الإسلامية في إيران. ويتوازى ذلك مع إمكانية عودة الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى بالانتخابات القادمة المقرر إجرائها في
نوفمبر 2024
ثانياً: العلاقات الإيرانية مع الدول العربية
من المتوقع أن تواصل إيران تطوير
علاقتها مع الدول العربية وخاصة أبوظبي والرياض وكذلك الدعم الإيراني لحركة حماس
الفلسطينية في حربها مع إسرائيل، على خلفية إعلان الأمين العام للمجلس الأمن
القومي علي أكبر أحمديان والمعنى برسم الخطوط العامة للسياسة الخارجية الإيرانية عقب
وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو 2024 عن أن أجندة السياسة الخارجية
لطهران تجاه دول الجوار لن تتغير وأن طهران ستواصل جهودها الرامية إلى حل الملفات
الخلافية مع هذه الدول. والشاهد على ذلك هو ورود بعض الأنباء عن توجه وفد اقتصادي إيراني
برئاسة مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري،
توجه إلى المملكة العربية السعودية.
ولكن الجدير بالذكر، أن اهتمام حكومة
بزشكيان بالعودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي واعتبار هذا الملف بمثابة الأولوية
الأولى لها سيؤثر على اهتمامها بمواصلة تطوير العلاقات مع دول الجوار. وكان من
اللافت للانتباه تأكيد حكومة بزشكيان حتى قبل تنصيبه على استمرار إيران في دعم ما
يعرف بجماعات المقاومة في المنطقة، والشاهد على ذلك هي الرسالة التي أرسلها
بزشكيان إلى جماعة حزب الله اللبناني والتي أكد فيها على أن إيران ستواصل دعم
الحزب ، قائلاً: "لطالما دعمت
جمهورية إيران الإسلامية، صمود ومقاومة الشعوب الإقليمية في مواجهة الكيان
الصهيوني اللاشرعي". وأضاف بزشكيان قائلاً:
"أن نهج الدفاع عن المقاومة متجذر في السياسات المبدئية لنظام
الجمهورية الإسلامية الإيرانية... وسوف يتواصل هذا النهج بقوة".
رابعاً: مسار التقارب (المصري - الإيراني)
رغم إنه من المتوقع أن يؤدى انشغال
حكومة مسعود بزشكيان بعد فوزه في الجولة الثانية من الاستحقاقات الرئاسية بحل
إشكالية الملف النووي مع الغرب على مساعي طهران لتحسين علاقتها مع جمهورية مصر العربية،
إلا إنه يبدو أن هناك رغبة كبيرة من قبل النظام (المرشد والمجلس الأعلى للأمن
القومي) في مواصلة المفاوضات مع مصر وصولاً إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية
الكاملة كما حدث مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد سنوات
من القطيعة، والشاهد على ذلك هو إعلان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية خلال
الأيام القليلة الماضية عن تخطيط طهران لإرسال وفد تجاري إلى مصر في يناير 2025.
ولكن بالنسبة لمصر يبدو أن العلاقات لا
تزال في مرحلة استكشافية ولا يوحي تواصل اللقاءات إلا بتعزيز مساعي التقارب، ولكى
تصل العلاقات لمحطة جديدة بشأن تفعيل إعادة السفراء، فستتخذ مزيداً من الوقت
والمشاورات وهذه اللقاءات تأتي في ذلك الاتجاه ولا تعطي مؤشراً أكثر من تعزيز
التقارب. ومن غير المتوقع أن تؤدى زيادة حدة التصعيد بالمنطقة لدفع مصر وإيران
للتسرع في إتمام عودة العلاقات، على خلفية مراقبة القاهرة لسلوك إيران في المنطقة،
وملف غزة سيجعلها تقرأه بصورة أفضل، في إطار معالجة شاملة وعودة حقيقية للعلاقات.
وفي النهاية: يمكن
القول إنه من غير المتوقع أن تكون هناك نقلة نوعية في سياسات إيران الخارجية في
عهد الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان ، وذلك على خلفية أن أحد المحاور
الرئيسية لحملة بزشكيان الانتخابية كان تغيير سياسة إيران الخارجية ورفع العقوبات،
وهو ما يتطلب في حد ذاته اتفاقاً مع الولايات المتحدة التي أعلنت عن أنها غير
مستعدة للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران في الوقت الحالي.