استضافت الولايات المتحدة قمة حلف شمال
الأطلسي (الناتو) للعام 2024 في واشنطن خلال الفترة من 9 حتى 11 وليو 2024، وتأتي
هذه القمة بالتزامن الذكرى التاريخية الخامسة والسبعين للتحالف. وتجمع قمة واشنطن
الحلفاء الاثنين والثلاثين لتظهر القوة والوحدة المتواصلة للحلف عبر الأطلسي.
وتعقد وسط التهديدات الأمنية الناشئة
عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وتتسلط الأنظار على الرئيس الأمريكي جو بايدن مع تزايد
التكهنات عن حالته الصحية ومقدرته على تولي زمام الأمور في الولايات المتحدة لدورة
رئاسية جديدة.
وتمنح أحداث القمة فرصة لبايدن للرد
على المخاوف إذ ألقى خطابُا على دول الحلف، وأجرى محادثات مع مسئولين بينهم رئيس
الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في ظل ضغوط
متزايدة من قبل ديمقراطيين في الكونجرس اللذين يطالبونه بالانسحاب من الانتخابات.
وستكون القمة هذه أول ظهور دولي لرئيس
الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر، الذي فاز حزب العمال الذي ينتمي إليه في
الانتخابات العامة بأغلبية ساحقة. وسيكون حاضرًا أيضا الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، الذي يواجه معضلة سياسية بعد أن ظهرت كتلة يسارية كأكبر لاعب في الجمعية
الوطنية بعد انتخابات الجمعية الوطنية. وضمن السياق ذاته، يجتمع قادة الحلف للمرة
الأولى منذ أن أصبح عدد الأعضاء اثنين وثلاثين ودخول السويد كأحدث المنضمين إلى
الحلف؛ حيث تتطلع الولايات المتحدة إلى دمجها المعزز في بنى الناتو القيادية.
مخرجات عديدة
ناقشت قمة الناتو قضايا عدة ضمن
اجتماعات الحلف المنعقدة في العاصمة واشنطن، على رأسها الحرب في أوكرانيا ومفاوضات
وقف إطلاق النار في غزة، بالإضافة إلى التصعيد الذي تشهده الحدود اللبنانية
الإسرائيلية، وفيما يلي أبرز هذه القضايا:
- الدعم لأوكرانيا: عملت قمة واشنطن على تعزيز علاقة الناتو
بأوكرانيا؛ إذ يعقد الحلفاء ثاني اجتماع لمجلس الناتو-أوكرانيا على مستوى القادة
واجتماع الرئيس الأوكراني زيلينسكي مع قادة الحلف لمناقشة المزيد من الدعم من
الحلف لأوكرانيا في معركتها المتواصلة في مواجهة التصعيد العسكري الروسي. ووفق هذا
الاتجاه أعلن الحلفاء عن تدابير جديدة هامة لدعم أوكرانيا، وهي تدابير ستقربها
أكثر من الناتو وتضع الأساس اللازم لتعزيز قدرتها الدفاعية في وجه العدوان الروسي،
سواء في هذه المرحلة أو في المستقبل. كما تخذ الحلفاء أيضًا خطوات ملموسة في القمة
لتعزيز دور الناتو في بناء قوة أوكرانية مرنة مع قدرات دفاع وردع موثوقة، وذلك مع
دعم الإصلاحات الجارية في الوقت عينه، مما يحقق مواءمة أكبر بين أوكرانيا ومعايير
الناتو وقيمه حتى يتشكل الجسر الذي يوصل أوكرانيا إلى عضوية الناتو في المستقبل.
- تعزيز المساعدات العسكرية لأوكرانيا: اتفقت الدول المجتمعة في
قمة الناتو على تنسيق المساعدات الأمنية وتقديم التدريب لأوكرانيا في مجال المعدات
والتدريب وتطوير القوات لدعم أوكرانيا في مسارها نحو التشغيل البيني الكامل مع
الحلف، كما أعلن الحلفاء عن نيتهم تقديم 40 مليار دولار كحد أدنى من التمويل
الأساسي في خلال العام المقبل وتوفير مستويات مستدامة من المساعدات الأمنية
لأوكراني وتأتي هذه الآلية لمساعدة أوكرانيا في دفاعها ضد روسيا في الوقت الحالي
وردع أي عدوان في المستقبل.
- مواجهة كوريا الشمالية: ناقش الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك
يول، اتجاهات تعزيز العلاقات الأمنية مع أوروبا وحلفاء آخرين بينهم الولايات
المتحدة لردع التهديدات النووية والصاروخية التي تشكلها كوريا الشمالية، مناقشة
التهديد الذي تشكله بيونج يانج على أوروبا من خلال تعميق علاقاتها العسكرية مع
روسيا. وقال يون سوك يول"،
إن "موسكو عليها أن تختار بين الكوريتين وتعرف أين تكمن مصالحها الحقيقية". وأشار يون إلى أن الأمر يعتمد كليًا على
المسار الذي تريد روسيا رسمه للعلاقات المستقبلية مع كوريا الجنوبية، مشيرًا إلى
أن سول ستتخذ قرارًا بشأن إرسال أسلحة لدعم أوكرانيا بناء على ما يسفر عنه اتفاق
عسكري جديد بين موسكو وبيونج يانج؛ حيث يمثل التعاون العسكري بين روسيا وكوريا
الشمالية وفق رؤية الناتو تهديدًا واضحًا وتحديًا للسلام والأمن في شبه الجزيرة
الكورية وفي أوروبا.
- تعزيز الشراكات الدولية: وجه قادة الناتو للعام الثالث على التوالي دعوة للشركاء في منطقة
المحيطين الهندي والهادئ – أستراليا واليابان ونيوزيلندا وجمهورية كوريا– للانضمام
إلى قمة الناتو لمناقشة الاندماج في مجال الأمن داخل المنطقة الأورو-أطلسية ومنطقة
المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك تعزيز العلاقات العسكرية والاقتصاديةـ
كما ناقش حلفاء الناتو وهؤلاء الشركاء أيضًا دعمهم المشترك
لأوكرانيا، والمساهمات المتزايدة من الشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في
الأمن الدولي، والتحديات عبر الوطنية، بما في ذلك في المجال السيبراني ومواجهة المعلومات
المضللة التي تتجاوز الحدود الجغرافية، والتعاون المتواصل لبناء مرونة جماعية في
وجه التحديات الدولية؛ حيث يهدف الحلف إلى تعزيز الشراكة مع الدول في منطقة
المحيطين الهندي والهادئ من خلال اطلاق أربعة مشاريع رائدة جديدة تركز على دعم
أوكرانيا وتعزيز التعاون في مجال الدفاع السيبراني وتبادل المعلومات بشأن التحديات
التي تمثلها المعلومات المضللة والمشاركة بشأن الذكاء الاصطناعي.
- طمأنة الحلفاء: تعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر
بالحفاظ على النهج الذي اتبعته حكومة المحافظين السابقة تجاه أوكرانيا، ومواصلة
الاستمرار في دعم كييف في حربها ضد روسيا، وتعتبر القمة لحظة رئيسية لستارمر من
أجل بدء إعادة ضبط علاقة بريطانيا مع بقية دول القارة الأوروبية؛ حيث تمنح القمة
ستارمر فرصة لتعزيز قيادة بريطانيا للحلف في القارة.
مسارات المواجهة
صرح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين بأن موسكو تأسف
بشدة لمشاركة أرمينيا في قمة حلف شمال الأطلسي التي استضافتها واشنطن، خاصة أن أرمينيا
لا تزال عضوًا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي وهي طرف في الكثير من الاتفاقيات
الثنائية في المجالين العسكري والعسكري التقني.
ويمكن الإشارة إلى أن أرمينيا تفضل زيادة التعامل مع الناتو أو
أعضاء فيه، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ معايير الحلف أو شراء الأسلحة أو إجراء أنشطة
تدريب قتالية مشتركة، وكانت وزارة الدفاع الأرمنية قد أعلنت عن إجراء مناورات
عسكرية أرمنية أمريكية لتدريب قواتها لحفظ السلام، في الفترة بين الـ15 والـ24 من
يوليو 2024، في حين أنه خلال الشهر الماضي وقعت أرمينيا عقدا مع فرنسا لشراء أنظمة
مدفعية ذاتية الحركة فرنسية من طراز CAESAR، وأعلن
رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان أعلن نية يريفان الانسحاب من منظمة معاهدة
الأمن الجماعي، دون أن يحدد موعد الانسحاب المحتمل.
من ناحية أخرى، فإن أعضاء الناتو يستعدون لدعم أوكرانيا في
مسارها نحو الاندماج الكامل في الحلف، باعتبار أن هذه الخطط لقبول أوكرانيا مرتبطة
بالرغبة في هزيمة روسيا، وأن تصرفات الناتو ستتطلب اتخاذ إجراءات فعالة من جانب
روسيا لمواجهة الحلف. وفي مواجهة ذلك، تدرس روسيا تدابير لاحتواء التهديد الخطر
الذي يمثله حلف شمال الأطلسي من دون تقديم تفاصيل حول موعد تنفيذها ولا طبيعتها.
بعدما أصبح منخرطًا بشكل كامل في الصراع في أوكرانيا.
وبالنسبة للصين، وللمرة الأولى انضم الحلف إلى الاتهامات
الأميركية للصين، بأنها تقدم دعمًا عسكريًا لروسيا فبعد عقود من النظر إليها
كتهديد بعيد، اتهم قادة دول حلف شمال الأطلسي بكين بأنها أصبحت من أهم داعمي روسيا
في حربها ضد أوكرانيا، وطالبها بوقف شحنات مكونات الأسلحة وغيرها من التكنولوجيات
الحيوية للجيش الروسي، مهددًا بأن لهذا الدعم ثمن، فيما اعتبرت الحكومة الصينية
البيان خطابًا عدائيًا، كما طالبت بكين، حلف شمال الأطلسي بالتوقف عن التحريض على
المواجهة، وذلك ردًا على إبداء قادة الدول الأعضاء في الحلف قلقهم العميق حيال
العلاقات الصينية-الروسية الوثيقة واتّهامهم الصينيين بتقديم مساعدة حيوية لروسيا
في حربها مع أوكرانيا. وضمن السياق ذاته، هاجمت الصين مرارًا الانتقادات التي
يثيرها الحلف، وحذرت من توسعه في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
في الختام: جاء
اجتماع حلف الناتو هذه المرة في ظل مجموعة من التحديات والأزمات التي تواجهها دول
الحلف وخاصة الدول الأوروبية بعد تغير خريطة القوى السياسية وصعود تيارات اليمين
المتطرف سواء في الانتخابات المتعلقة بالبرلمان الأوروبي أو في الانتخابات
الداخلية في هذه الدول، كما تواجه الولايات المتحدة انقسامات داخلية حول مدى قدرة
الرئيس جو بايدن على القيادة وإدارة علاقاته مع الحلف، كما شهد هذا الاجتماع ولأول
مرة حالة من التجانس في مواجهة الصين وهو ما يمكن أن ينعكس على كثير من الملفات ذات
الصلة في المستقبل القريب.