محفزات أمنية أم واقع سياسي....لماذا تزايد ترحيل اللاجئين الأفغان من باكستان؟
كشفت إحصائيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق
المساعدات الإنسانية (أوتشا) عن أن أكثر
من 1.6 مليون أفغاني توجهوا إلى دول الجوار خاصة إيران وباكستان، والجدير بالذكر
أن هجرات الأفغان تكثفت خلال فترات زمنية بعينها مثل الغزو السوفييتي لأفغانستان،
وبداية الحرب الأهلية في أفغانستان وأثناء تصاعد نفو النسخة الأولى من نظام
طالبان، وتناقصت مع استتباب الأمن بشكل نسبي ومؤقت على هذه القطعة الجغرافية.
وحدثت الموجة الكبيرة من الهجرة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في عام 2021.
ورغم إعلان السلطات الباكستانية عن
دوافع رسمية من قبيل التركيز على المهاجرين غير الشرعيين وتأثيرهم على موارد
الدولة الباكستانية بالتوازى مع الضغوط التي يشكلها هؤلاء المهاجرين على الموارد
المحدودة الموجودة هناك، إلا إنه هناك هناك دوافع غير معلنة دفعت السلطات
الباكستانية نحو تكثيف ترحيل اللاجئين الأفغان.
الدوافع المعلنة
1-
الهجرة غير الشرعية: بعد مرور أكثر من عامين على الانسحاب الأمريكي من
أفغانستان، أصدر وزير الداخلية الباكستاني سارفاراز بوجتي مرسوماً 3 أكتوبر 2023 يحدد مهلة شهر واحد للمغادرة الطوعية لنحو 1.7
مليون مواطن أفغاني غير شرعي من باكستان. وبعد انتهاء المهلة بدأت الحكومة
الباكستانية في تحديد واعتقال وترحيل المهاجرين الأفغان غير الشرعيين من بلادها. وفي
غضون ذلك، ألغت الحكومة الباكستانية أيضاً إمكانية سفر سكان المناطق الحدودية
الأفغانية إلى باكستان ببطاقات الهوية وفرضت غرامات على المواطنين الذين يستأجرون
أو يؤجرون عقارات لمواطنين غير مرخصين، خاصة من المهاجرين.
ونتيجة
لهذه الإجراءات تمكنت باكستان من اعتقال أكثر من 419 ألف مواطن أفغاني غير شرعي
حتى ديسمبر من عام 2023 وترحيلهم من الأراضي الباكستانية والذين وصل عددهم إلى
أكثر من نصف مليون شخص.
2-
مكافحة الإرهاب: كشف المسؤولون الحكوميون الباكستانيون عن أنه منذ وصول
طالبان إلى السلطة في أفغانستان، زادت الهجمات الإرهابية التي تشنها حركة طالبان
باكستان في البلاد بنسبة 60%، مما أسفر عن مقتل أكثر من 2200 شخص. وتؤكد الحكومة
على أن جذور الهجمات الإرهابية تعود إلى أفغانستان، كما أن حركة طالبان الأفغانية
تتغاضى عن هذا الأمر. وفي هذا السياق، يبدو إنه كان هناك نوع من المقايضة يتضمن
السيطرة على حركة طالبان الباكستانية في مقابل عدم ترحيل اللاجئين الأفغان من
باكستان، وهو الأمر الذى لم تلتزم به حركة طالبان الأفغانية.
3-
الضغوط الاقتصادية: شددت الحكومة الباكستانية على أن ترحيل اللاجئين الأفغان
يأتي في سياق رغبتها في تحسين الوضع الاقتصادي في إسلام آباد، على خلفية الضغوط
الكبيرة التي تسبب فيها اللاجئين الأفغان فيما يتعلق بالموارد المحدودة لدى
باكستان.
الأهداف الخفية
1-
تفاقم الأزمات: يبدو أن رغبة الحكومة الباكستانية في ترحيل اللاجئين
الأفغان يأتي في سياق الأزمات المتلاحقة التي باتت تحيط بها والتي لا تستطيع
إدارتها وحلها. وهو ما تتعرض على إثره للكثير من الانتقادات من مواطنيها بسبب
المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخم وارتفاع أسعار ناقلات الطاقة وغيرها. وهو ما
تحاول الحكومة الباكستانية تصديره كأحد الحلول التي يمكن أن تحد من هذه الأزمات.
2-
جذب انتباه المؤسسات الدولية: تحاول باكستان، في ظل أزمتها الاقتصادية، استخدام قضية
المهاجرين كعامل لجذب انتباه المؤسسات الدولية للحصول على المزيد من المساعدات.
والشاهد على ذلك أن الحكومة الباكستانية بدأت
في خطة ترحيل المهاجرين بتغطية إعلامية واسعة وما زالت مستمرة. وبالفعل، قد تلقت الحكومات
الباكستانية المختلفة الكثير من المساعدات من المجتمع الدولي في أوقات متباينة تحت
عناوين مثل المجاهدين الأفغان، والإرهاب، والمهاجرين، وما إلى ذلك.
3-
التقليل من حدة تأثير المدارس الدينية
المتطرفة: وفرت أنشطة عشرات الآلاف
من المدارس الدينية الخارجة عن سيطرة الحكومة الباكستانية وخاصة في المناطق
القبلية، الأساس لزيادة التطرف والبعض الذين لا يعتبرون الحكومة الباكستانية شرعية.
وتعتبر هذه المدارس، التي أصبحت ملاذا آمنا لأطفال المهاجرين الأفغان بسبب الدعم
المالي الأجنبي، تهديداً خطيرا للأمن القومي الباكستاني. وعلى هذا الأساس، تحاول
باكستان طرد المهاجرين الأفغان، مع مواجهة تزايد قوة المدارس الدينية المذكورة،
لإبعاد الأفغان المتطرفين المعارضين للحكومة الباكستانية.
رد الفعل الأفغاني
إن رد فعل طالبان الهادئ نسبياً على
الترحيل الجماعي للمواطنين الأفغان من باكستان، ونقل الجزء الأكبر من هؤلاء
المهاجرين إلى شمال أفغانستان عمل على إيجاد نوع من التنسيق بين البلدين ورغم أن
حكومة طالبان الوليدة تواجه العديد من المشاكل الاقتصادية والأمنية في بعض
الأحيان، وأن عودة حوالي 2 مليون مهاجر يمكن أن يكون لها عواقب اقتصادية وأمنية
(الانضمام إلى الجماعات الإرهابية والمتطرفة المتمركزة في أفغانستان)، إلا أنها
تخشى من تصعيد الأوضاع مع باكستان في الوقت الحالي وخاصة فيما يتعلق بالقضايا العرقية
والقومية.
لطالما تسببت القضايا القومية والعرقية،
التي تتجلى بوضوح بين جميع المجموعات العرقية في أفغانستان، بما في ذلك البشتون
والأوزبك والطاجيك والهزارة وغيرهم، في العديد من الخصومات والصراعات الدموية بين
أفغانستان وجيرانها عبر التاريخ.
وفي النهاية: يمكن القول أن ترحيل المهاجرين الأفغان غير الشرعيين من
باكستان هو قرار سياسي متعدد الأبعاد للحكومة الباكستانية له أهداف واضحة وخفية، يتم
بالتنسيق مع حكومة طالبان في أفغانستان هوجود رد فعل قوي من مسؤولي طالبان على
الترحيل الواسع النطاق للاجئين الأفغان من باكستان. ولكن أدى التنسيق والتفاعل بين حكومة أفغانستان التي
يهيمن عليها البشتون مع باكستان في هذا الصدد إلى تعزيز مخاوف المجموعات العرقية
غير البشتونية.
وتأتي هذه المخاوف في سياق أن التغير
في التركيبة الديموغرافية لمنطقة شمال أفغانستان، والتي تهيمن عليها المجموعات
العرقية غير البشتونية والمجموعات العرقية الناطقة بالفارسية، الأمر الذى من شأنه
أن يخلف تداعيات سلبية كثيرة بالنسبة لإيران. لأن هذا التغيير في النسيج
الديمغرافي، بينما يضعف موقف المجموعات العرقية الناطقة بالفارسية في أفغانستان
وبالتالي يقلل من نفوذ الجمهورية الإسلامية هناك، يمكن أن يكون بداية لمزيد من الصراعات
العرقية وانعدام الأمن ويؤدى في النهاية إلى موجات أكبر من هجرة المواطنين الأفغان إلى إيران.