المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

محفزات التوجه: مسارات تعاون تركيا مع النيجر

الجمعة 16/أغسطس/2024 - 11:01 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

استقبل الجنرال عبد الرحمن تياني رئيس المجلس الوطني في النيجر والذي وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري في 26 يوليو 2023 وفدًا تركيًا بقيادة وزير الخارجية هاكان فيدان في 18 يوليو 2024 لتعزيز التعاون مع هذا البلد الذي يحكمه نظام عسكري ويواجه تهديدات من انتشار الجماعات المتطرفة، ونظرًا لأهمية التوجهات التركية لتعزيز علاقاتها مع النيجر، فقد رافق وزير الخارجية التركي وزيري الدفاع يشار غولر والطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التابعة للرئاسة التركية خلوق غورغون، وأوزغور فولكان آغار مساعد وزير التجارة، وهو ما يعني أن زيارته جرت برفقة وفد مميز لتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.

وجاءت هذه الزيارة بعد أشهر قليلة منذ أن زار وفد حكومي من النيجر بقيادة رئيس الوزراء علي محمد الأمين زين تركيا في فبراير 2024 والتي هدفت إلى تنويع شركائها، واستكشاف التعاون الشامل في مجالات الدفاع والأغذية الزراعية والطاقة والمعدات الصحية والنفط، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية التركي أثناء زيارته حينما أعلن أن السلام والأمن والاستقرار في إفريقيا من أولويات تركيا، بخاصة منطقة الساحل التي باتت تعاني من مشكلة عدم الاستقرار وانتشار الإرهاب، مشيرًا إلى أن بلاده تتبع سياسة تبادل خبراتها مع الدول الصديقة في مكافحة الإرهاب الذي يمثّل إحدى المشكلات الرئيسية للدول الأفريقية، بالإضافة إلى ذلك أفاد فيدان بأنه بحث خلال لقاءاته، ما يمكن أن تقدمه تركيا إلى النيجر لتطوير صناعات الدفاع والاستخبارات في إطار الحرب ضد الإرهاب، أسوة بتعاونها مع الصومال.

وخلال الزيارة، ناقش وزير الخارجية التركي مع مسئولي النيجر العلاقات السياسية والاقتصادية القائمة بين البلدين، إضافة إلى الخطوات الواجب الإقدام عليها من أجل تعزيز التعاون بين الجانبين، بالإضافة إلى بحث آخر المستجدات في منطقة الساحل الإفريقي والتطورات المتعلقة بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.

 

مجالات عديدة

تحركت تركيا لملء الفراغ الاستراتيجي في النيجر بعد انسحاب الدول الغربية من البلاد والذي كان أساسه قوة الاستعمار القديمة فرنسا بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وذلك بعدما طلبت نيامي من القوتين الغربيتين سحب قواتهما العسكرية. ولعل هذا الانسحاب كان بمثابة الدافع والمحرك لتركيا لتكون أحد الشركاء الذين تحول إليهم النظام العسكري في نيامي، إلى جانب روسيا وإيران، وذلك وفق وكالة الصحافة الفرنسية التي تشير إلى أن نيامي عملت على تغيير شراكاتها الدولية، وطردت من أراضيها الجنود الفرنسيين الذين كانوا منتشرين في إطار القتال ضد الجهاديين على أن يخرج الجنود الأميركيون أيضًا بحلول سبتمبر 2024؛ حيث جاءت هذه التطورات بعدما علقت فرنسا وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عددًا من برامج المساعدات للنيجر، مطالبة بالإفراج عن الرئيس محمد بازوم الذي أطيح به في يوليو 2023 ولا يزال محتجزًا. في حين وقفت تركيا ضد التدخل العسكري الذي أعلنته مجموعة إيكواس.

وقد وقعت كل من تركيا والنيجر على إعلان نوايا بشأن التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي، بما يفتح الباب أمام دعم وتشجيع الشركات التركية في تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في النيجر. كما يسعى الوفد التركي إلى الاستفادة من إمدادات النيجر من اليورانيوم لتوفير الوقود لصناعة الطاقة النووية الناشئة في تركيا. وكانت تركيا تتزود بالوقود النووي من اليورانيوم من شركات كندية وفرنسية، لكن تردي العلاقات بين النيجر والغرب أدى إلى خروج تلك الشركات.

في حين قدمت تركيا إلى النيجر مجموعة من العروض للتسلح والتنسيق الاستراتيجي المشترك؛ حيث وفرت تفاصيل فنية كثيرة للمسئولين العسكريين في النيجر، وخصوصًا فيما يتعلق بتزويد نيامي بالطائرات المسيرة للاستطلاع أو الهجوم، لاسيما أن الجيش النيجري يراهن على توظيف هذه التقنيات في مواجهة فصائل جهادية تنتشر في منطقة الصحراء مترامية الأطراف؛ حيث تشتهر تركيا بطائراتها القتالية بلا طيار من طراز بيرقدار التي أصبحت عنصرًا أساسيًا في جيشي مالي وبوركينا فاسو، وهما حليفان لنيامي ويحكمهما أيضًا مجلسان عسكريان ويواجهان عنف المتطرفين.

 

 

قضايا متشابكة

تأتي محاولات التقارب التركي من النيجر بهدف تأمين وصول أنقرة لليورانيوم، من أجل دعم صناعة الطاقة النووية الناشئة في البلاد، خاصة أن النيجر تمتلك حوالي 5 بالمئة من إنتاج اليورانيوم في العالم، وتحتل المرتبة العاشرة بين أكبر مصدري الوقود النووي، وفقًا للرابطة النووية العالمية.

وبالنسبة لتركيا فإن سحب الحكومة العسكرية في النيجر حقوق التعدين من شركات كندية وفرنسية لتطوير رواسب اليورانيوم كان بمثابة الفرصة لأنقرة للدخول والاستحواذ على هذه الثروات بهدف تأمين إمدادات اليورانيوم لمفاعل "أكويو" الواقع على البحر المتوسط، وهو أول محطة طاقة نووية في البلاد، والتي تبنيها شركة "روس آتوم" الروسية المملوكة للدولة، فضلًا عن منشأتين أخريين يتم التخطيط لإنشائهما.

ومن قبل وقعت تركيا اتفاقية عسكرية مع نيامي عام 2021 بعد جولة وزير الخارجية حينها مولود جاويش أوغلو؛ حيث تسعى أنقرة لإقامة قاعدة عسكرية تركية في منطقة أغاديس شمال النيجر ذات الموقع الجغرافي الإستراتيجي، حيث تقع على تماس مع تشاد وليبيا والجزائر. كما يعتبر إقليم أغاديس مركزًا لمناجم اليورانيوم التي تسعى السلطات في نيامي للسيطرة عليه من هجمات المتمردين والحركات المسلّحة. ولعل هذا التعاون يضاف إليه تصاعد حجم التبادل التجاري بين تركيا والنيجر في الأعوام الأخيرة والذي ارتفع من 72 مليون دولار عام 2019 إلى 203 ملايين دولار في عام 2022.

وفيما يتعلق بمواجهة حركة الخدمة بقيادة الداعية فتح الله جولن، يمكن الإشارة إلى أنه منذ الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016 دعمت أنقرة البلدان الأفريقية التي توجد فيها جماعة جولن، وكان إغلاق المدارس التابعة للحركة من أبرز القضايا التي أثارها أردوغان في اجتماعاته مع الزعماء الأفارقة منذ 2016. وبالفعل أغلقت مدارسها أو سُلمت إلى مؤسسة المعارف التركية، وهي مؤسسة حكومية تدير المدارس نيابة عن تركيا في الخارج؛ حيث تدير المؤسسة مدارس في 26 دولة بأفريقيا، بما في ذلك النيجر وتشاد والغابون والكاميرون ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج وغينيا.

من ناحية أخرى، نشطت تركيا عسكريًا من خلال إرسال مجموعات من المرتزقة إلى النيجر؛ حيث تمددت عمليات شركة “سادات” العسكرية التركية الخاصة (SADAT International Defense Consultancy) إلى دولة النيجر من خلال نشر الشركة ما يصل إلى 1100 من المتعاقدين السوريين منذ سبتمبر 2023، لتأمين مقرات حكومية وعسكرية باعتبارها مزود للأمن. وبالإضافة لمساعدة السلطة العسكرية في النيجر في تأمين المقرات الحيوية، فمن المحتمل أن تشمل عمليات سادات تأمين المصالح التجارية التركية في البلاد، مثل مشاريع التعدين والبنية التحتية، وحماية عمليات الشركات التركية في النيجر ومنطقة الساحل، كما قد يساعد ذلك السلطات العسكرية في النيجر في تركيز قواتها لمحاربة الجماعات المسلحة، ومن ثم ستتوسع عمليات سادات لتقديم خدمات استشارية للقوات النيْجيرية في عمليات مكافحة الإرهاب.

وبشكل عام، يتجه المؤشر الرئيسي لسياسة تركيا في أفريقيا إلى مزيد من التطور وفقًا لخطط تنفيذ مشتركة تعلنها الأطراف خلال مؤتمرات قمم الشراكة الدورية بين الجانبين والتي عززت من نفوذها في غرب أفريقيا خلال العقد الماضي، بدءً من العلاقات التجارية إلى السياسية، ومن التعاون في مجال صناعة الدفاع إلى التعليم والتنمية، مما جعل أنقرة حليفًا موثوقًا لدول غرب أفريقيا، كما تبقى العلاقات التركية الأفريقية من الجوانب المهمة للسياسة الخارجية التركية، خصوصًا في ظل النجاحات التي حققتها أنقرة داخل القارة السمراء.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟