إمكانية الخروج: هل ستنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق؟
مع مطالبة العراق بالانسحاب الأمريكي
من أراضيه واحتدام الصراع الإقليمي نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة، تصاعدت
التساؤلات حول أهداف التواجد الأمريكي في ظل تصادم المصالح بينهما وذلك بعدما وصلت
شعبية واشنطن في المنطقة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مع استمرارها في تقديم
الدعم العسكري لإسرائيل في حربها ضد حماس في قطاع غزة، الأمر الذي أثار غضب العراق.
وتشهد المصالح الأمريكية تهديدات عديدة
بعدما كثف حزب الله اللبناني هجماته العسكرية على إسرائيل دعمًا لحماس. كما تقوم
جماعات المقاومة المتحالفة مع الفصائل الفلسطينية بإطلاق النار على أهداف عسكرية
أمريكية، بما في ذلك غارة جوية بطائرة بدون طيار على القاعدة العسكرية الأمريكية
“البرج 22” في الأردن والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من
أربعين؛ حيث كانت بمثابة الضربة الأولى التي تتعرض لها أمريكا منذ بداية الحرب بين
حماس وإسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. إلا أن هذه الهجمات تزايدت؛ إذ وقع أكثر
من 150 هجومًا على مواقع متمركزة في الولايات المتحدة تمتد من العراق وسوريا
والأردن.
وتجري مناقشة الموقف العراقي مع مسئولين
أمريكيين في واشنطن في قمة أمنية، للوصول إلى تفاهمات حول مستقبل التواجد العسكري
الأمريكي؛ حيث لا يوجد اتفاق رسمي على إنهاء التحالف أو أي جدول زمني مرتبط به حتى
الآن خاصة أن العراق يريد إنهاء عمل التحالف رسميًا بحلول سبتمبر 2025، مع احتمال
بقاء بعض القوات الأمريكية بصفة استشارية جرى التفاوض عليها حديثًا. وكانت القوات
التي تقودها الولايات المتحدة غزت العراق في عام 2003 وأطاحت بالرئيس السابق صدام
حسين ثم انسحبت في عام 2011 لتعود في عام 2014 لقتال تنظيم داعش على رأس التحالف
الدولي.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن واشنطن وبغداد عقدتا محادثات حول
مستقبل التحالف في يناير 2024 وسط هجمات متبادلة بين الفصائل المسلحة الشيعية
المتحالفة مع إيران والقوات الأمريكية، وهي مواجهات أشعلتها الحرب الدائرة بين
إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة
مقاربات أمريكية
يدعو بعض الصقور في الكابيتول هيل إلى مواجهة
التهديدات للمصالح الأمريكية من خلال اقتراح ضرب إيران مباشرة كشكل مناسب من أشكال
الانتقام، وهو ما دعا إليه السيناتور ليندسي جراهام (الجمهوري عن ولاية ساوث
كارولينا) في بيان على موقع X إن الانتقامات الأمريكية السابقة على وكلاء إيران لم تكن
كافية وأنها "لن تردع العدوان الإيراني". ودعا إلى "ضرب أهداف ذات
أهمية داخل إيران".
ونشر السيناتور جون كورنين (الجمهوري
عن ولاية تكساس)، على موقع X "استهدف طهران" ردًا على الهجوم. وتأتي هذه
التصريحات من معارضة يمينية متشددة ترغب في إظهار قوة الولايات المتحدة وألا تكون
في وضع يسمح بوجود مثل هذه التهديدات خاصة في ظل مخاوف من قدرة تنظيم الدولة
الإسلامية على إعادة ترتيب صفوفه.
وبالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن فإنه
يحاول احتواء التصعيد من خلال طرح مبادرات لإنهاء الحرب في غزة، بالتزامن مع
إمكانية الرد عسكريًا ضد المسلحين المدعومين من إيران. خاصة أن هذه التوترات تأتي
فيما يعرف بعام الانتخابات، والسياسة الخارجية في الشرق الأوسط يمكن أن تكون نقطة
ضعف للحزب الديموقراطي في حشد الأصوات. ومن المؤكد أن واشنطن ستستخدم القوة
العسكرية لمواجهة التهديدات المحتملة، لكنها أكدت مجددًا أنها لا تريد حربًا واسعة
النطاق مع إيران؛ حيث شن الجيش الأمريكي غارات جوية على حلفاء إيران في غرب العراق
في 23 يناير 2024. قبل الهجمات التي استهدفت القاعدة العسكرية في
الأردن،
العراق يطالب بالانسحاب
دعا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع
السوداني، إلى خروج سريع ومنظم من خلال التفاوض لقوات التحالف بقيادة الولايات
المتحدة من البلاد. ووفقًا للسوداني، فإن وجود القوات المتبقية البالغ عددها 2500
جندي يمثل مشكلة أكثر مما يستحق. وهو يخشى أن يؤدي استمرار وضعهم في العراق إلى
زعزعة الاستقرار، بسبب الدعم الأمريكي للحصار العسكري الإسرائيلي على غزة. ومن
الناحية الفنية، فإن هؤلاء الجنود هم مستشارون عسكريون بناء على طلب من حكومة
بغداد. والغرض منها يتمثل في توفير التدريب والمعدات والتنسيق مع الجيش العراقي.
ومن حق الدولة العراقية القانوني أن تطلب من أي قوة أجنبية المغادرة، إذا اختارت
ذلك. ومع ذلك، لم يحدد الزعيم العراقي موعدًا نهائيًا، وليس من الواضح ما إذا كان
سيفعل ذلك ومتى.
ومن غير المعقول أن تنسحب واشنطن في
هذا الوقت بعد أن تعرضت قواتها لإطلاق نار وهجمات عسكرية وتكبدت خسائر بشرية، خاصة
في سياق الحرب في غزة. وقد تشعر إسرائيل والشركاء الأميركيون بأنهم أكثر عرضة
للخطر. ويمكن لقادة طهران استغلال الانسحاب الأميركي للحصول على صورة أقوى أمام
أتباعهم. وعلى أية حال، فإن هدف إيران على المدى الطويل هو طرد الولايات المتحدة
من المنطقة.
وظهرت في هذا السياق مجموعة من السيناريوهات
حول مستقبل التواجد العسكري الأمريكي في العراق من أهمها إن إدارة بايدن ستحاول
البقاء في العراق مع إجراء تعديلات طفيفة على اتفاقها مع الحكومة. وأنه لن يرغب في
الانسحاب، وبالتأكيد ليس قبل الانتخابات في نوفمبر القادم. باعتبار أن هذا المسار ستعتبر إيران انسحاب الولايات المتحدة من العراق
بمثابة نصر كبير، خاصة أنه منذ بداية حرب غزة، ركزت إيران كل جهودها لطرد الولايات
المتحدة من العراق. وقد دفعت الضربات المدعومة من إيران على القواعد الأمريكية
واشنطن إلى اغتيال شخصيات عراقية بارزة؛ حيث لم يترك مقتل مشتاق طالب الساعدي –
وهو قائد كبير في اللواء الثاني عشر التابع لقوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران
– في 4 يناير 2024، رئيس الوزراء السوداني أي بديل آخر سوى مطالبة واشنطن بحزم
حقائبها وإخلاء المنطقة.
من ناحية أخرى، فرضت إدارة بايدن، إلى
جانب المملكة المتحدة، المزيد من العقوبات على شبكة من الأفراد الذين ينفذون
اغتيالات للمعارضين وشخصيات المعارضة الذين يعملون بحماية الحكومة الإيرانية، وقال
وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان إي. نيلسون إن الولايات
المتحدة ستواصل إلى جانب حلفائنا وشركائنا الدوليين، بما في ذلك المملكة المتحدة،
مكافحة القمع العابر للحدود الذي يمارسه النظام الإيراني وستستخدم جميع الأدوات
المتاحة لوقف هذا التهديد".
ولم يتضح بعد عدد القوات التي ستغادر
حال التوصل لاتفاق، إذ تقول مصادر عراقية إنها تتوقع رحيل معظم القوات في نهاية
المطاف، لكن مسؤولين أمريكيين يقولون إن من المحتمل أن يبقى عدد كبير من أجل مهمة
لتقديم المشورة والدعم يجري التفاوض عليها. ويحرص المسئولون الأمريكيون على الاحتفاظ بموطئ قدم للقوات في العراق
على أساس ثنائي، وذلك جزئيا للمساعدة في دعم وجودها في سوريا حيث يوجد نحو 900
جندي.
ويرتبط الأمر بالتوترات الأمريكية -
الإيرانية بشكل وثيق؛ إذ تسعى الفصائل السياسية العراقية المتحالفة مع إيران بشكل
أساسي إلى إظهار أنها تسعى إلى إخراج القوات المحتلة سابقًا من البلاد مرة أخرى،
في حين يرغب المسئولون الأمريكيون في عدم منح إيران وحلفائها أي انتصار.
في الختام: تعمل العقوبات الإضافية على
كبح أو ردع سلوك إيران، إلا أنه من غير المحتمل أن تكون سوى أداة للإزعاج ولن يكون
لها أي تداعيات عملية. وستأتي أكثر النتائج الملموسة من تحرك بايدن إما لإبقاء
القوات الأمريكية أو سحبها أو تقليص حجمها من العراق وفي أي مكان آخر في الشرق
الأوسط. ومراقبة طهران وما إذا كان هذا التصرف في صالحها. من
جانب آخر، يمكن أن يشكل الاتفاق على انسحاب قوات التحالف انتصارًا سياسيًا لرئيس
الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي تعرض لضغوط من الفصائل المتحالفة مع
إيران لإخراج القوات الأمريكية لكنه سعى إلى تحقيق ذلك بطريقة تحقق التوازن بين موقف
العراق الحساس نظرًا لأنه حليف لكل من واشنطن وطهران.