المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

شراكة استراتجية....لماذا تواصل أذربيجان دعم إسرائيل في ظل الحرب على غزة؟

الجمعة 16/أغسطس/2024 - 11:17 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

رغم حالة عدم الرضا المشتركة بين إيران وتركيا ضد أذربيجان على خلفية علاقاتها الوطيدة  مع إسرائيل، وهو الأمر الذى زادت حدته عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، إلا إنه يبدو أن باكو ستواصل ذلك بغض النظر عن مواقف حلفائها الآخرين مثل تركيا  والسياق المحيط. وربما يعود ذلك لعدة أسباب يتضح أبرزها في الشراكة الاقتصادية والعسكرية الكبيرة بين البلدين، بالتوازى مع النفوذ الذي يحظى به اللوبي الصهيوني في أذربيجان وخاصة في بعض القطاعات الحيوية مثل الاقتصاد والدفاع، والشاهد على ذلك إنه على مدار العقدين الماضيين أقامت أذربيجان شراكات قوية مع إسرائيل في مجالات الطاقة والدفاع.

وإنطلاقاً من أن العواقب المترتبة على الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط الناجمة عن الحرب الحالية التي تخوضها إسرائيل مع حركة حماس تذهب إلى ما هو أبعد من المنطقة، ورغم أن العديد من الدول الأوروبية والآسيوية دعمت إسرائيل، على الأقل في البداية، حاولت دول أخرى البقاء على الحياد.

أولاً: الموقف الأذربيجاني من الحرب على غزة

 في حين انتقدت دول مثل إيران وروسيا وتركيا وإيرلندا وإسبانيا إسرائيل بشكل علني وصريح لاستخدامها المفرط للقوة في غزة وألقت باللوم عليها بسبب عدم اهتمامها بحياة المدنيين، تبنت الحكومة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان لهجة قاسية ضد إسرائيل واتخذت موقفاً دفاعياً عن القضية الفلسطينية من خلال دعم حماس. وقطعت أنقرة تحت ضغط الجماعات الإسلامية والمحافظة واليسارية في تركيا، العلاقات التجارية مع إسرائيل في مايو 2024، مما عكس الاتجاه التصعيدي في العلاقات الاقتصادية الثنائية. وتوقعت تركيا أن تحذو الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة في المنطقة حذوها، لكن حتى الآن لم يفعل أي منها ذلك.

ولكن يبدو أن أحد الحلفاء والشركاء الرئيسيين لتركيا وهي جمهورية أذربيجان، على وجه الخصوص، مترددة في وقف شراكتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية العميقة مع إسرائيل. فمن منطلق محاولة أذربيجان الحفاظ على التوازن في علاقتها بين تركيان وإيران من ناحية وإسرائيل من جهة أخرى، أصدرت وزارة الخارجية الأذربيجانية بياناً رسمياً أدانت فيه "قتل المدنيين في غزة" حتى لا تدمر صورتها في العالم الإسلامي ولا تزعج تركيا، وواصلت أذربيجان في الوقت نفسه تعزيز شراكتها مع إسرائيل.

ثانياً: محورية المتغير الاقتصادي

رغم مساعي أذربيجان للحفاظ على العلاقات مع تركيا وإيران، إلا أنها استطاعت خلال العقدين الماضيين تكوين شراكة اقتصادية قوية مع إسرائيل، ولاسيما فيما يتعلق بمجالات الطاقة. وبحسب الإحصاءات الرسمية، صدرت أذربيجان بين يناير وأبريل 2024، 1,21,917 طن من النفط الخام إلى إسرائيل، بزيادة قدرها 28% مقارنة بعام 2023؛ حيث كانت أذربيجان مورداً موثوقاً به لمصافي التكرير الإسرائيلية في حيفا وأشدود.

ورغم خطاب أنقرة الهجومي ضد إسرائيل، كانت تركيا حريصة على مواصلة علاقتها الاقتصادية ولاسيما النفطية مع أذربيجان؛ حيث تجني أنقرة إيرادات كبيرة من خطوط الأنابيب التي تستخدمها أذربيجان وشحنات النفط. وبالنظر إلى شراكتها الاستراتيجية مع باكو والعلاقات الاقتصادية العميقة بين الجانبين، فضلت تركيا أن تكون غير مبالية إزاء استمرار تدفق النفط الأذربيجاني إلى إسرائيل. ومع ذلك، فإن العديد من الجماعات والشخصيات الإسلامية المحافظة، بما في ذلك الشباب المؤيد للفلسطينيين في تركيا، انتقدوا بشدة شراكة أذربيجان مع إسرائيل.

ففي 20 يونيو2024، تجمعت مجموعة كبيرة من المؤيدين لفلسطين أمام مقر شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار) في تركيا، ورشقوا  أبوابها بالحجارة وكسروا أبواب المكتب، مطالبين بوقف توريد وشحن النفط إلى إسرائيل. وخلال هذه الاحتجاجات، نفى مكتب سوكار في تركيا الاتهامات بـ"تزويد إسرائيل بالنفط الخام"، ووصف هذه الاتهامات بأنها استفزازية. وحتى الأن تواصل أذربيجان تصدير نفطها الخام إلى إسرائيل ليس مباشرة من خلال شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار) أو فرعها التركي، ولكن من خلال العديد من الشركات التجارية الأجنبية، بما يسمح لتلك الشركة بعدم الإعلان عن الوجهة النهائية للنفط الخام المصدر.

 

ثالثاً: البعد الأمني العسكري

بدأت أذربيجان في عام 2020 بالترويج علناً لشراكتها الأمنية مع إسرائيل، الأمر الذي أثار انتقادات شديدة من تركيا وإيران. ولكن بعد مرور عام، أعادت أذربيجان العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وأنهت عقداً من الصراع في أعقاب الحرب بين إسرائيل وحماس على خلفية الهجوم الإسرائيلي على قافلة مساعدات تركية إلى غزة في عام 2010. وفي هذا السياق، أشارت بعض التقديرات إلى أن هناك مستويات متقدمة من التعاون العسكري بين باكو وتل أبيب ؛ حيث كشف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في 22 أكتوبر 2022 عن قيامه بزيارة سرية إلى أذربيجان، أجرى خلالها لقاءات مع كبار قادة الدولة ووقع على عدة اتفاقيات تعاون في المجالين العسكري والأمني، وذلك بعد أكبر من 6 أشهر من ابرام البلدين اتفاقية لتوسيع العلاقات الاقتصادية.

وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن إسرائيل تقوم بتوريد نحو 70% من أسلحة الجيش في أذربيجان، كما أن هذه الأخيرة مستفيدة أيضا من الجهود المبذولة من قِبل جماعات الضغط الداعمة لتل أبيب في واشنطن (التي توازِن الحضور الكثيف لجماعات الضغط الأرمينية) هناك. ومكنت الأسلحة الإسرائيلية باكو من استعادة أراضيها المحتلة في إقليم ناغورني-قره باغ المُتنازع عليه سابقا مع أرمينيا، وذلك في غضون 44 يوماً من الحرب بين الطرفين عام 2020، ثم أنهت أذربيجان المهمة بحلول عام 2023 بإعادة إحكام قبضتها على الإقليم وتهجير سكانه الأرمن. ومن جهة أخرى، تجد إسرائيل في أذربيجان ساحة للأنشطة الاستخباراتية ضد إيران ألد أعدائها في الشرق الأوسط.

وفي النهاية: يمكن القول  أن هذه المتغيرات تبرر تقارب باكو طويل الأمد مع إسرائيل، حتى في الوقت الذي تحاول فيه إظهار تعاطفها مع القضية الفلسطينية، وعلى النقيض من تركيا، التي تدعم  حركة حماس علناً وتؤوي أعضائها، فإن حكومة أذربيجان تقيم علاقات مع السلطة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية وتدعم حل الدولتين. ورغم أن أنقرة تأمل أن تظهر باكو المزيد من التعاطف مع الفلسطينيين، إلا إنه من غير المرجح أن تتخلى أذربيجان عن شراكتها الاستراتيجية طويلة الأمد مع إسرائيل من أجل تخفيف مخاوف حليفتها أنقرة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟