مأزق ثنائية التفاعلات....لماذا فشلت سياسة طالبان الخارجية تجاه جيرانها؟
حدث انقسام في الرأي العام الإيراني منذ اليوم الأول لتولى حركة
طالبان الحكم في أفغانستان، فبينما كانت تحاول الحكومة في طهران تسمية الانسحاب
العسكري الأمريكي من أفغانستان على إنه انتصار لطالبان وهزيمة لواشنطن، الأمر الذى
من شأنه أن يضع قندهار ضمن دول محور المقاومة بحسب الرواية الإيرانية، كان المجتمع
المدني، وخاصة الأكاديميون الإيرانيون، يعارضون تولي طالبان السلطة في أفغانستان.
وجاء ذلك على خلفية عدم تكوين حكومة شاملة في أفغانستان وانفراد
حركة طالبان بالحكم دون وضع أي اعتبارات للمعارضة بقيادة أحمد شاه مسعود، وكذلك
تعامل حركة طالبان مع النساء والفتيات في أفغانستان، الأمر الذى شكل موجات كبيرة
من الهجرة من أفغانستان إلى دول جوارها وعلى رأسهم إيران. وفي هذا السياق، لم يكن
أحد يعتقد أن حركة طالبان ستكون قادرة على الاستيلاء على السلطة في كابول دون دعم
القوى الإقليمية والدولية.
أولاً: تهديدات الجوار القريب
عانت باكستان التي تعد أقرب جار لأفغانستان منذ اليوم الأول
لتولى حركة طالبان السلطة في كابول من العديد من المشاكل؛ حيث انتقلت التوترات
العرقية من المناطق الحدودية إلى المدن الكبرى، وزاد عدد المهاجرين، الذي كان يتزايد
يوما بعد يوم، من صعوبات العيش على خلفية سياسات طهران المتشددة في هذا الإطار.
ورغم أن جيران طالبان الشماليون، بما في ذلك طاجيكستان
وأوزبكستان وتركمانستان، كانوا يخشون في البداية من انتشار الأصولية الإسلامية ولاسيما
مع انتشار الأفكار المتطرفة لبعض الجماعات المتشددة مثل داعش خراسان ورفضوا إجراء
أي تفاعلات مع كابول، ولكن شيئاً فشيئاً، ومن أجل خفض حدة التهديدات سلكوا طريق
التفاعل والحوار والتعاون الاقتصادي مع حركة طالبان. ولكن خلال هذه السنوات
الثلاث، لم يتحسن الوضع الأمني بالنسبة لهم فحسب، بل أدى تنفيذ مشاريع التحكم في
موارد المياه في أفغانستان إلى تفاقم مخاوف الحكومات المجاورة على هذه الاستثمارات
المهددة، كما تسببت الأزمة الاقتصادية والبيئية في تفاقم أزمة انعدام الأمن.
ثانياً: تفاعلات الجوار البعيد
رغم أن الصين التي لديها أصغر حدود مشتركة مع أفغانستان بدأت منذ الأيام الأولى لتولى حركة طالبان سدة
الحكم نهجا تفاعلياً مع أفغانستان. وشهدت العلاقات بين البلدين مزيداً من
التبادلات بين العاصمتين والمناقشات حول التعاون الاقتصادي والاستثمار في قطاع
التعدين وتوسيع النقل والمواضيع الأخرى التي تهم الطرفين تقدما جيداً، لكن يمكن أن
نتساءل في هذا الإطار حول ما هو المشروع
الصيني الذي تم تنفيذه بجدية في أفغانستان خلال السنوات الثلاث الماضية؟ لماذا لم
تعترف الصين بالإمارة الإسلامية؟ فهل تحسنت العلاقات بين بكين وكابول بالفعل
مقارنة بفترة الجمهورية؟
فبينما باتت تحظى طالبان بتفاعلات جيدة مع جيرانها مثل الهند،
وروسيا، وتركيا والخليج العربي، وذلك في مجالات مختلفة؛ حيث تم تبادل الوعود للتعاون
الاستثماري والاقتصادي والأمني، ولكن خلال هذه السنوات الثلاث، لم يتمكن أي من
الجيران البعيدين والقريبين من أن يصبح الحليف الرئيسي لطالبان، والاعتراف
بالإمارة الإسلامية كحكومة شرعية في كابول، وإقامة علاقات موسعة مع طالبان.
ثالثاً: دوافع عدم تقدم العلاقات بين طالبان وجيرانها
تتضح أبرز المحفزات وراء فشل سياسة طالبان الخارجية تجاه
جيرانها، ولاسيما فيما يتعلق بتوضيح
مهتمها فيما يتعلق بأسلوب حكمها؛ فبشكل أساسي لا توجد حتى الآن حكومة في كابول
يمكنها تحديد آليات التعاون مع الدول الأخرى. وتم التخلي عن الدستور السابق، ولكن
لم يتم وضع قانون جديد مكانه. فمن أجل توسيع العلاقات الاقتصادية وجذب رؤوس
الأموال لبدء برامج التنمية، من الضروري أولاً تحديد "الهيكل الاقتصادي"
للدولة وقواعدها الاستثمارية والتجارية، ولكن في السنوات الثلاث الماضية، لم يتم
تصميم وتنفيذ الهيكل الاقتصادي لهذا البلد ولا خططه التنموية، والنتيجة هي أن عدد
المهاجرين والفقراء يتزايد يوما بعد يوم.
وحتى قبل تنفيذ البرامج الاقتصادية المشتركة، هناك حاجة إلى
توفير الأمن الاجتماعي والسياسي للمجتمع الأفغاني، ولكن تعريف طالبان لمفوم الأمن
وتنفيذه ما هو إلا قمع لجميع الفئات والطبقات السياسية والاجتماعية في هذا المجتمع.
والشاهد على ذلك هي الانتفاضات المختلفة التي تقوم بها فئات مختلفة بداية من الفلاحين
إلى النساء، فلا يمر يوم دون أن السماع عن صراعات مسلحة في مختلف أنحاء هذه
الدولة.
ومن ناحية أخرى، وبعد ثلاث سنوات، لا تزال حركة طالبان ترفض
بعناد قبول المواطنة والحقوق الدينية لعدد كبير من الناس في هذا البلد، ولكن تحكم
من خلال التقاليد القبلية الخاصة بها وتعريفها للظواهر المختلفة. وكذلك أغلقت حركة
طالبان أي طريق للحوار مع الأحزاب والجماعات السياسية والاجتماعية الأفغانية
الأخرى وأبقوا خصومهم في موقف صعب، وذلك لأنهم يدركون جيداً فإنهم يتبعون نموذج
الحوار الثنائي في علاقات حسن الجوار.
وبالمثل، لطالما رفضت حركة طالبان دائماً المحادثات المتعددة
الأطراف أو شاركت في مثل هذه البرامج على مضض، ولكن سعت بدلا من إلى إجراء محادثات
ثنائية مع جيرانها البعيدين والقريبين وأية دول أخرى في العالم، رغم أن القضايا الأساسية
الخلافية بين طالبان وجيرانها ذات طبيعة جماعية، مثل قضية المهاجرين، والمياه
الحدودية، وتهريب المخدرات، والبيئة، وانتشار الجماعات الأصولية المتطرفة، والأمن
وغيرها من القضايا، فكلها لها آثار إقليمية ولا يمكن إيجاد حلول شاملة لها من خلال
المحادثات الثنائية.
وفي النهاية: يمكن
القول أن منظمة شنغهاي للتعاون هي مؤسسة تضم كل جيران أفغانستان تقريباً كأعضاء
رئيسيين. وعلى الرغم من إنشاء "مجموعة الاتصال لأفغانستان" في هذه
المنظمة منذ سنوات عديدة، إلا أنها في الواقع لم تتمكن بعد من تنفيذ عملها الخاص
لهذا البلد بشكل صحيح. ولا شك أن تفعيل مجموعة الاتصال الأفغانية ومتابعة مطالب
الجيران بشكل جماعي يمكن أن يحقق لهم إنجازات أكبر مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية،
فربما انتهى موسم الحوار الثنائي، وينبغي فتح موسم جديد متعدد الأبعاد للقضية
الأفغانية.