تداعيات البرنامج النووي الإيراني على دول الخليج العربي
تُعد دول الخليج العربي في مقدمة الدول التي ستتأثر بشكل مباشر من الأسلحة النوويَّة الإيرانيَّة، نتيجة
التقارب الجغرافي، حيث يقع مفاعل بوشهر الذي يُعد أحد أهم مرافق المشروع النووي
الإيراني على بعد 280 كم من مدينة الكويت، فامتلاك إيران للسلاح النووي من شأنه التأثير على استقرار منطقة الخليج من خلال تكريس الخلل
القائم في موازين القوى، ومن الآثار المهمة بالنسبة لامتلاك
إيران سلاحًا نوويًا صعوبة التوصل إلى صيغة مشتركة لأمن الخليج، حيث تعد تلك
القضيَّة من القضايا الخلافيَّة في العلاقات الإيرانيَّة- الخليجيَّة، ومن ثم
إمكانية نشوب صراع عسكري بين إيران والأطراف المعنية بالقضيَّة النوويَّة؛ ممَّا
تنعكس أثاره على المنطقة، وبالتالي قد تتعدد الأثار التي يحدثها البرنامج النووي الإيراني على منطقة الخليج سواء
كانت بيئيَّة أو أمنيَّة.
أولاً- الآثار البيئيَّة المباشرة:
تُعد دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول التي ستتأثر بشكل مباشر من الأسلحة النوويَّة الإيرانيَّة، حيث
يقع مفاعل بوشهر الذي يمد أحد أهم مرافق المشروع النووي الإيراني على بعد 280 كم
من مدينة الكويت، ويعتمد هذا المفاعل بصفة أساسيَّة على تقنيات مستوردة من روسيا
التي لا تملك عناصر الأمان النووي المضمونة. وبالتالي فإنه في ظل الحظر الغربي على
الآلات والمعدات التي تستخدم في الصناعة النوويَّة فإنَّ إيران قد تسعى لإنجاز
وإتمام تسلحها النووي اعتمادًا على آلات نوويَّة أقل ضمانًا، ومن ثم تصبح دول
الخليج في مرمى الخطر إذا ما حدث تسرب، ومن ناحية أخرى، فإنَّ إيران في محاولتها
التخلص من النفايات النوويَّة قد تتجه إلى التخلص من الماء الثقيل في مياه الخليج
الأمر الذي من شأنه أن يخلق أزمة تلوث لكل دول المنطقة تنتج عن تسرب المواد
النوويَّة المشعة في مياه الخليج وتستمر آثارها عشرات السنين(1).
ثانيًا- الأثر
على استقرار أسعار الطاقة:
تتخوف إيران
ووكلاءها من مشاريع نقل النفط البديلة لطريق هرمز، فعلى سبيل المثال، يُعد ميناء
الفجيرة أحد منافذ الإمارات البديلة لتصدير النفط من خليج عمان للأسواق الآسيويَّة
والأوروبيَّة بدلاً من هرمز، وذلك من خلال خط أنابيب "أبو ظبي للنفط الخام"
الذي يمتد لمسافة 400 كم من حقل حبشان بإمارة أبوظبي مرورًا بسويحان إلى الميناء،
وبسعة تقارب 1.5 مليون برميل يوميًّا (أي نصف صادراتها للعالم تقريبًا). ومن جانب
آخر، يعد خط أنابيب “شرق-غرب” بالسعوديَّة أحد البدائل الرئيسيَّة لنقل النفط دون
المرور بمضيق هرمز، حيث يقوم بنقل النفط الخام من الحقول بالمنطقة الشرقية إلى
ميناء ينبع على ساحل البحر الأحمر، ويمتد الخط لمسافة 1200 كم، ويقوم بنقل 2 مليون
برميل من النفط الخام يوميًّا من أصل طاقته الكلية البالغة 5 ملايين برميل
يوميًّا، كما تخطط شركة أرامكو لتوسيع طاقته إلى 6.5 مليون بحلول عام 2023. وتقود
السعوديَّة، أكبر مصدر للنفط بالعالم، تحالفًا يضم الإمارات والولايات المتحدة،
للحفاظ على توازن الأسواق النفطيَّة بعد التطبيق الكامل للعقوبات الأمريكيَّة ضد
إيران، ولكن تلجأ طهران ووكلائها لاستخدام الطائرات دون طيار "الدورنز"
في استهداف المنشآت النفطيَّة، وتتميز هذه الطائرات بأنَّ لديها قدرة على تحديد
أهدافها بدقة، وضرب الأهداف بسهولة، حيث تسير وفقًا لبرنامج محدد يتم برمجتها عليه
لطريق تسلكه، كما يمكنها القيام بعمليات خاطفة بكل سهولة دون التعرض لخسائر كبيرة
مثل الطائرات الحربية(2).
ثالثاً- تهديد الاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج:
حيث إنَّ امتلاك إيران للأسلحة
النوويَّة من شأنه التأثير على استقرار منطقة الخليج من اتجاهين:
v
الاتجاه الأولى: تكريس الخلل القائم
في موازين القوى، حيث إنَّ حقائق الجغرافيا السياسيَّة تشير إلى أنَّ القوة
الإيرانيَّة الحالية إذا أرادت أنْ تتجه فإنَّ مسارها لن يكون للشمال أو للشرق،
ففي الشرق هناك القوى النوويَّة الآسيويَّة الكبرى، وفي الشمال هناك روسيا،
وبالتالي فإنَّ إمكانية التمدد المتاحة لإيران هي في الغرب، بالإضافة إلى معاناة
الجيوش الخليجيَّة من نقص الأفراد المستعدين للخدمة في القوات المسلحة أو الالتزام
بالحياة العسكريَّة، وبالتالي فإنَّ زعزعة توازن القوى في منطقة الخليج العربي هو
الخطر الذي يهدد منطقة الخليج العربي، فلن تستطيع أيه دولة خليجيَّة مقاومة
الأطماع الإيرانيَّة في المنطقة، في ظل النبرة العدائيَّة التي تتعامل بها إيران
مع دول الخليج قبل امتلاكها السلاح النووي، فالأطماع الإيرانيَّة في المنطقة لا
تتوقف عند زعزعة امنها واستقرارها، بل تتجاوزها إلى دعم ميلشيات مسلحة للتدخل في
شئون الدول العربيَّة الخليجيَّة وغير الخليجيَّة لإيجاد ثغرة تستطيع من خلالها
التغلغل عبر مؤيدين لسياستها في المنطقة(3).
v
الاتجاه الثاني: إمكانية نشوب صراع
عسكري بين إيران والأطراف المعنية بالقضيَّة النوويَّة تنعكس آثاره على المنطقة،
ومن ثم قد تقوم إيران بضرب القواعد الجوية والقطع البحريَّة الأمريكيَّة في دول
الخليج العربيَّة؛ وهو الأمر الذي ينذر باحتمال أنْ تتحول المواجهة المباشرة
المتوقعة بين إيران والولايات المتحدة إلى حرب إقليميَّة عواقبها عديدة منها
إمكانية قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز؛ ممَّا يعوق تدفق النفط الخليجي إلى الدول
الغربيَّة والولايات المتحدة، لأنَّه إذا فرضت عقوبات على إيران بطريقة تهدد
مصالحها الوطنية فإنَّها لن تسمح بتصدير نفط من المنطقة، فضلاً عن أنَّها قد
تستهدف السفن الأجنبيَّة؛ الأمر الذي من شأنه التأثير على حركة الملاحة في الخليج(4).
ومن ثم على استقرار الأسواق النفطيَّة وهو ما سوف يؤثر سلبًا على
اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر مهم
للدخل القومي، ومن ناحية أخرى، قد تستهدف إيران المصالح الأمريكيَّة في المنطقة
سواء كانت شركات أو مصانع أو حتى أفراد(5).
رابعًا- صعوبة التوصل إلى صيغة مشتركة لأمن الخليج:
من الآثار المهمة بالنسبة لامتلاك إيران سلاحًا نوويًا صعوبة التوصل
إلى صيغة مشتركة لأمن الخليج، حيث تعد تلك القضيَّة من القضايا الخلافيَّة في
العلاقات الإيرانيَّة - الخليجيَّة، لمطالبة إيران المستمرة بأنْ يكون لها دور في
الترتيبات الأمنيَّة الخاصة بالمنطقة؛ الأمر الذي يتعارض مع رؤية دول مجلس الخليج
لتلك القضيَّة، وفي ظل هذا الاختلاف طرحت عدة صيغ لأمن الخليج من جانب إيران؛
فضلاً عمّا أوردته مراكز الدراسات المتخصصة في هذا الشأن، إلاَّ أنَّ إصرار إيران
على امتلاك السلاح النووي من شأنه أن يعوق إمكانيَّة التوصل إلى صيغة أمنيَّة
مستقبليَّة لأمن الخليج وذلك للاعتبارات الآتية(6):
1.
إمكانيَّة قيام سباق نووي ليس في منطقة الخليج فقط وإنما في المنطقة
العربيَّة ككل، حيث ستعمل الدول العربيَّة جاهدة من أجل دخول النادي النووي.
2.
أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي في سعيها لإقامة صيغة أمنيَّة مشتركة
في الخليج لا بد وأنْ تحصل على ضمانات دوليَّة ملزمة من المجتمع الدولي بشأن
إجراءات بناء الثقة مع الأطراف الإقليميَّة ومنها إيران، وأول هذه المتطلبات عدم
تهديد أمن تلك الدول سواء بامتلاك الأسلحة النوويَّة أو غيرها.
3.
امتلاك إيران للسلاح النووي من شأنه أنْ يقوِّض كافة الخطوات التي
بذلها الجانبان الخليجي والإيراني واستهدفت حسن الجوار وتعزيز الثقة والمنافع
المتبادلة، وصولاً إلى إيجاد منظومة أمنيَّة وإقليميَّة تقوم على عدة أسس يأتي في
مقدمتها نبذ اللجوء إلى القوة وحل كافة القضايا العالقة بالحوار والتفاوض(7).
خامسًا- مأزق الدول الخليجيَّة في حالة
نشوب حرب:
يُعد هذا الأثر أحد أهم تداعيات
امتلاك إيران للسلاح النووي، حيث تؤكد كافة المؤشرات أنَّ الولايات المتحدة لن
تتراجع عن استخدام القوة ضد أي قوة نوويَّة محتملة، وبالتالي فقد أشار تقرير معهد
واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أنَّه إذا استطاعت دولة معادية للولايات المتحدة أن
تحصل على أسلحة دمار شامل، خاصةً الأسلحة النوويَّة فإنَّ الخطر سيكون كبيرًا،
وشدد التقرير على أنَّ الولايات المتحدة لابد أنْ تكون أشد قلقًا فيما يتعلق
بإيران وامتلاكها أسلحة نوويَّة، وفي ظل إمكانية نشوب حرب ضد إيران فإنَّ دول مجلس
التعاون الخليجي سوف تواجه مأزقًا حقيقيًا، حيث إنَّه إذا كان للدول الخليجيَّة
مصلحة أكيدة في التخلص من النظام العراقي السابق سواء أعلنت بعضها ذلك أو لمْ يعلن
البعض الآخر، إلاَّ أنَّ الأمر يبدو مختلفًا بالنسبة للحالة الإيرانيَّة التي يصعب
معها المعرفة بنتائج هذا العمل سواء كان ضربة استباقية أو عمليات عسكريَّة متصلة،
حيث لن تكون الدول الخليجيَّة الست بمنأى عن تداعيات مثل هذه الأعمال(8).
فعلى الرغم من أنَّ تلك الدول تعد
حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة بموجب اتفاقيات أمنيَّة ثنائية (باستثناء
المملكة العربيَّة السعوديَّة)، فإنه من المستبعد أنْ تقدم هذه الدول تسهيلات
لوجستية للعمليات العسكريَّة ضد إيران، بل إنَّها قد تدفع في سبيل الحل الدبلوماسي
السلمي، حيث إنَّ الدول الخليجيَّة بها نسبة كبيرة من الشيعة، ومن ثم فإنَّ الدول
التي تسمح باستخدام أراضيها لضرب إيران قد تتعرض لعمليات إرهابية كما حدث خلال
الحرب العراقيَّة – الإيرانيَّة(9).
سادسًا- زعزعة
الأمن الاقتصادي لدول الخليج العربي:
إنَّ امتلاك إيران للسلاح النووي وعدم امتثالها للقرارات الدوليَّة،
قد يدفعها إلى التعرض لعقوبات تصل إلى غلق مضيق هرمز، وضرب السفن الأجنبيَّة في
الخليج العربي؛ ممَّا يعرقل تصدير نفط دول الخليج العربي الذي تعتمد عليه الدول
الخليجيَّة بصفة أساسيَّة في تعزيز اقتصادها كمصدر رئيسي للدخل؛ ممَّا يزعزع الأمن
الاقتصادي لدول الخليج العربيَّة ويعرض أهم مورد الاقتصادي من مواردها لخطر بليغ
نتيجة احتمال إصابة حقول النفط ومشآته من العمليات العسكريَّة(10).
سابعًا- الأثر على تهديد الملاحة ومضيق هرمز
والخليج العربي:
الهوامش
1) وسام الدين العلكة، "التحدي النووي الإيراني: حقيقة
أم وهم؟. دراسة علميَّة قانونيَّة لواقع برنامج إيران النووي وتداعياته
الإقليميَّة والدوليَّة"، دار سوريا الجديدة للطابعة والنشر، الطبعة الأولي،
سوريا، 2013، ص347.
2) سالي محمد فريد، "آثار البرنامج النووي الإيراني على الدول
الخليجيَّة والأفريقية (دراسة)"، مركز فاروس للاستشارات والدراسات
الاستراتيجيَّة، متاح على الرابط التالي: https://pharostudies.com/?p=6773، تاريخ الدخول 15سبتمبر 2021.
3) طارق سعد محمد، المحددات والمتغيرات المؤثرة في السياسة الخارجيَّة
الإيرانيَّة تجاه أمن دول مجلس التعاون الخليجي 2011-2015، رسالة ماجستير،
الجامعة الأردنيَّة، كلية الدراسات العليا، عمان، 2016، ص ص107، 108.
4) رأفت عايش عيسي الدغيم، أثر الاتفاق النووي الإيراني على الأمن
الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، كلية
الآداب، الأردن، 2017، ص25.
5) أشرف محمد كشك، "رؤية دول مجلس التعاون
الخليجي للبرنامج النووي الإيراني، مجلة مختارات
إيرانيَّة، العدد (62)، مركز الأهرام للدراسات السياسيَّة والاستراتيجيَّة،
القاهرة 2005، ص65.
6) فؤاد عاطف العبادي، السياسة الخارجيَّة الإيرانيَّة وأثرها على أمن
الخليج العربي (1991-2012)، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير في العلوم
السياسيَّة، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، 2012، ص105.
7) فهد مزبان خزار، موقف دول مجلس التعاون الخليجي إزاء البرنامج النووي
الإيراني: رؤية جيوبولوتيكيَّة استشرافية، مجلة الخليج العربي، جامعة
البصرة- مركز دراسات البصرة والخليج العربي، المجلد (39)، العدد (1،2)، 2011، ص
ص30، 31.
8) عصام نايل المجالي، تأثير التسلح
الإيراني على الأمن الخليجي، دار الحامد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،
الأردن، 2021، ص115.
9) وسام الدين العلكة، "التحدي النووي
الإيراني: حقيقة أم وهم؟. دراسة علميَّة قانونيَّة لواقع برنامج إيران النووي
وتداعياته الإقليميَّة والدوليَّة"، مرجع سابق، ص348.
10) عبدالله سعد العتيبي، الأزمة الأمريكيَّة الإيرانيَّة وانعكاساتها
على أمن الخليج العربي: دولة الكويت دراسة حالة (1997: 2011)، رسالة ماجستير،
جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2012، ص80.
11) المرجع السابق. ص 82.