مأزق البيجر ...هل تقلل الهجمات على حزب الله التوترات على الحدود الإسرائيلية؟
انفجرت أجهزة النداء(البيجر) التي
تستخدمها قوات حزب الله في لبنان وسوريا في 17 سبتمبر 2024، مما أسفر عن مقتل ما
لا يقل عن تسعة أشخاص وإصابة ما يقرب من 3 آلاف آخرين. في خطوة تهدف لتصعيد كبير
من قبل إسرائيل (المتهم الرئيسي في هذا الحادث) مع حزب الله في كل من لبنان وسوريا
وكذلك استفزاز الراعي الرئيسي لهذه الجماعة وهو إيران في ظل حالة من التوتر غير
المسبوق بين الطرفين ولاسيما بعد اغتيال تل أبيب لمدير المكتب السياسي لحركة حماس
إسماعيل هنية في طهران 31 يوليو 2024 على هامش مراسم تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان.
و"البيجر" هو عبارة عن جهاز
إلكتروني صغير يُستخدم لاستقبال الرسائل النصية أو الإشعارات دون الحاجة إلى اتصال
بالإنترنت. وكان يُستخدم بشكل كبير في التسعينيات وبداية الألفية كوسيلة أساسية
للتواصل قبل أن تصبح الهواتف المحمولة متاحة على نطاق واسع. ويستخدم عناصر حزب
الله اللبناني أجهزة "البيجر" في التواصل فيما بينهم عبر الرسائل،
معتقدين أنهم سيتمكنون من تجنب تعقب إسرائيل لمواقعهم الجغرافية، لأن هذه الأجهزة
لا تتطلب إنترنت أو شبكة لاسلكية، ولا تستخدم بيانات تحديد الموقع الجغرافي، مما
يجعها آمنة نسبياً مقارنة بالهواتف الذكية. ولكن يعكس هذا الهجوم الإسرائيلي حجم
الاختراق الأمني من قبل إسرائيل لأجهزة الاتصال (البيجر) التي تعتمد عليها جماعة
حزب الله.
وفي هذا السياق، سيتم العرض فيما يلي
لأبرز المحددات الخاصة باستمرار التصعيد على حدود تل أبيب مع سوريا ولبنان.
أولاً: تصدير انتصارات مزيفة
يمكن اعتبار هذا الهجوم من قبل إسرائيل
على حزب الله في العراق وسوريا محاولة من جانب القوات العسكرية والاستخباراتية
الإسرائيلية لإصلاح سمعتها، التي أصبحت في حالة يرثى لها في أعقاب عملية طوفان
الأقصى، ولاسيما في الداخل الإسرائيلي وقاطني المدن الشمالية في إسرائيل والتي تم
إجلاء غالبيتهم وأصبحت مدنهم مدمرة ولا تصلح للعيش مرة أخرى. ويتوازى ذلك مع إصرار
المواطنين في الشمال الإسرائيلي على تقديم الحكومة ضمانات أمنية لعودتهم إلى هذه
المدن، ولاسيما إنه من غير الواضح أن هناك حل على المدى القريب/ المتوسط بأن تهدئة
الأوضاع في قطاع غزة والتي تعتبر البؤرة الرئيسية للصراع.
وبالإضافة إلى ذلك يأتي ملف الأسرى
الإسرائيليين لدى حماس بعد مرور ما يقارب العام، كمعضلة رئيسية أخرى تواجه الحكومة
الإسرائيلية، ولاسيما في حالة الاستياء التي تنتاب المجتمع الإسرائيلي وخاصة ذوي
المختطفين من الحكومة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتهم بالعمل لصالح
وجوده بالحكومة على حساب ملف الأسرى. لذا، من المتوقع أن تواصل إسرائيل هذه
السياسات الهادفة لتصدير صورة مزيفة عن تحقيق الحكومة لإنجازات واعدة من خلال
هزيمة أعدائها.
ثانياً: تصعيد حزب الله
من غير المتوقع أن يفوت حزب الله هذه
الفرصة للرد على إسرائيل، ولاسيما في ظل هجماتها المتواصلة على أعضائه ومناطق
تمركزه في الضاحية الجنوبية. ولن تمكن هجمات البيجر الحكومة الإسرائيلية من إعادة
السكان إلى منازلهم، فعلى العكس من ذلك، تهدد الهجمات بتصعيد الصراع على الحدود
الشمالية إلى حرب إقليمية، وهو أمر تعمل الولايات المتحدة والأطراف الغربية
بالإضافة إلى إيران على تجنبه منذ فترة طويلة. ومن المتوقع أن تنشط أيضاً جبهات
الإسناد إلى حزب الله في صراعه مع إسرائيل، مثل حزب الله في سوريا والميلشيات
المسلحة التابعة لإيران في العراق وعلى رأسها الحشد الشعبي.
وعليه، ربما يتم تكثيف الهجمات على
إسرائيل خلال الفترة القادمة، بإتجاه إحداث المزيد من الدمار للمدن الحدودية لتل
أبيب مع لبنان، مما يتسبب في زيادة فجوة انعدام الثقة بين المجتمع والحكومة
ولاسيما فيما يتعلق بقدرة الجيش والاستخبارات على حماية المواطنين من الهجمات
وكذلك من حسم الحرب، وسيؤدى ذلك في مجمله زيادة المدة الزمنية التي يمكن أن يعود
بعدها سكان الشمال الإسرائيلي إلى منازلهم.
ثالثاً: استمرار الحرب في
قطاع غزة
تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إنه بعد
مرور ما يقرب من عام على هجمات السابع من أكتوبر، لم تقترب إسرائيل من حل الصراع؛
حيث أدت مطاردة حماس في غزة إلى مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني، الأمر الذي أثار
انتقادات دولية هائلة، مما أفقدها الكثير من التعاطف الدولي، وأبرز مجازرها
الوحشية بحق المدنيين من الفلسطينيين في قطاع غزة. وهنا تنهار الفرضيات
الإسرائيلية القائمة على إمكانية القضاء على حماس بشكل كامل أو تدمير أبرز أدواتها
التي تتمثل في الانفاق تحت الأرض؛ حيث أشارت بعض التقديرات إلى إنه رغم كل الجهود
التي بذلتها إسرائيل في هذا الاتجاه، إلا أنها لم تصل إلا إلى نحو 40% من هذه
الأنفاق.
ويتوازى ذلك مع فشل المفاوضات بين حركة
حماس وإسرائيل والتي تهدف لإنهاء الحرب في مقابل عودة الأسرى، بالإضافة إلى خسارة
إسرائيل لبعض أطراف الوساطة مثل مصر من خلال احتلال محور فلادليفيا ومعبر رفح على
الجانب الفلسطيني. وفي السياق ذاته، هددت القاهرة بالانسحاب من المفاوضات، ولاسيما
بعد ادعاءات قناة "سي إن إن" الأمريكية بتغيير مصر شروط صفقة وقف إطلاق
النار، ولكن أعلن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان على أن مواصلة
محاولات التشكيك والإساءة لجهود وأدوار الوساطة المصري، بادعاءات مفارقة للواقع،
لن يؤدي إلا لمزيد من تعقيد الأوضاع في غزة والمنطقة كلها.
وفي النهاية: يمكن
القول إنه من المتوقع أن تزداد وتيرة التصعيد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني خلال
المرحلة القادمة، بما يمكن أن يؤدى إلى حدوث حرب شاملة تتصاعد حدة الخسائر خلالها
على كافة النواحي. وقد تتدخل جبهات إسناد أخرى مثل جماعة الحوثي اليمنية
والميليشيات المسلحة في العراق وكذلك حزب الله اللبناني في سوريا بإيعاز من إيران
بهدف تعزيز حدة الردع ضد إسرائيل وقد يصل الأمر إلى استهداف المصالح الأمريكية
بالمنطقة، في وقت تفتقر إسرائيل إلى استراتيجية للسلام مع اقتراب الذكرى السنوية
لعملية طوفان الأقصى.