رؤية إصلاحية .... كيف يمكن أن تحقق السياسة الخارجية الأهداف الوطنية في إيران؟
تعد السياسة الخارجية أحد أهم جوانب
الحياة الاجتماعية والسياسية لأي بلد، لأن الطريقة التي تتصرف بها الدولة في
البيئة الخارجية لها تأثير حيوي على جميع الجوانب الداخلية والخارجية لذلك البلد.
وفي هذا الصدد فإن كل دولة في النظام الدولي تحتاج بالضرورة إلى وضع أهداف في
سياستها الخارجية من أجل تأمين مصالحها الوطنية بأفضل السبل الممكنة وتلبية
احتياجاتها الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والثقافية على
المديات المختلفة.
فعادة ما يتم تحديد أهداف السياسة
الخارجية للدول على مستويين وطني وعبر وطني. فالأهداف الوطنية بالنسبة لإيران
تتمثل في الحفاظ على الأمن القومي الاستقلال والسيادة الوطنية، والتنمية
الاقتصادية والازدهار، فضلاً عن الائتمان الدولي. ولكن تتضح الإشكالية في تغليب النظام في إيران للمصالح عبر الوطنية على
نظيرها المهمة لتحقيق أمن المواطنين والمجتمع.
أولاً: تحديد الإطار الزماني
عند تحديد الأهداف ينبغي للمرء أن
ينتبه إلى ثلاث نقاط أساسية. أولاً، يجب أن تكون الأهداف المحددة مبنية على
الحقائق. وفي هذا السياق، ينبغي النظر في القوة الداخلية والقيود الخارجية.
ثانياً، يجب أن تكون الأهداف قابلة للتحقيق. لأن حقيقة أننا نضع الأهداف ونحددها،
ولكنها غير قابلة للتحقيق لن تؤدي إلا إلى إهدار الموارد. ثالثاً: وضع فترة زمنية
معينة لتحقيق الأهداف. لإنه ليس من
المفترض أن يكون لدينا هدف أو غايات لفترة طويلة وليس من الواضح في أي إطار زمني
ينبغي تحقيق تلك الأهداف أو الغايات.
لذا، يتطلب منطق العمل العقلاني في
النظام الدولي الفوضوي الذي يحكمه شريعة الغاب وتحاول جميع الدول الحصول على حصة
أكبر من الموارد والقوة، منح الأولوية لأهداف السياسة الخارجية الوطنية التي توفر
المصالح الوطنية بشكل مباشر. فعندما تتمكن
دولة ما من تحقيق كل أو معظم أهداف سياستها الخارجية على المستوى الوطني، يمكنها
أن تسعى بقوة إلى تحقيق أهداف سياستها الخارجية العابرة للحدود الوطنية، وهو ما لا
تسير عليه السلطات في إيران.
ثانياً: توظيف أمثل للموارد
إيران ليست فقط لا تملك قوة وقدرة
وموارد غير محدودة، بل على العكس من ذلك، في الوضع الحالي، لديها قدرة محدودة
للغاية، خاصة في المجال الاقتصادي. ولذلك، فإن الجمهورية الإسلامية مضطرة إلى
إنفاق قوتها وقدراتها ومواردها المحدودة للغاية في الاتجاهين الوطني وعبر الوطني،
لكن طريقة العمل هذه لم تجعل جمهورية إيران الإسلامية غير قادرة على تحقيق أهداف
سياستها الخارجية العابرة للحدود الوطنية فحسب، بل فشلت أيضاً في تحقيق أهداف
سياستها الخارجية الوطنية (اكتساب القوة الوطنية وزيادتها، والتنمية الاقتصادية
والازدهار، والهيبة والصورة الدولية).
لقد أثبتت التجربة أنه إذا تم توجيه القدرات
والموارد في الاتجاه الصحيح، ومنع هدرها في الاتجاه الخاطئ، فيمكن تحقيق أهداف
عظيمة. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ألمانيا. بين عامي 1919 و1939، تمكنت من جمع
مواردها وقدراتها في خدمة أهداف سياستها الخارجية الوطنية وتحقيق مثل هذه القوة
الكبيرة، لكن ألمانيا نفسها خلال الأعوام من 1939 إلى 1945، من خلال تشتيت قوتها
وإمكانياتها ومواردها في شكل أهداف سياستها الخارجية العابرة للحدود الوطنية، لم
تفقد كل إنجازاتها فحسب، بل تفككت بالفعل.
إن الظروف الحالية التي تمر بها إيران
تجعلها بحاجة إلى استثمارات كبيرة في جميع المجالات تقريباً مثل النفط والغاز
والكهرباء والنقل والإسكان والطرق والصحة والزراعة والصناعة للوصول إلى الوضع
المنشود. في مثل هذا الوضع، يتعين منح الأولوية للأهداف الوطنية للسياسة الخارجية
وحشد كل الطاقات والإمكانيات والموارد من أجل تحقيق الأهداف الوطنية للسياسة
الخارجية وتجنب تشتيت الموارد من أجل تحقيق الأهداف العابرة للحدود الوطنية.
ثالثاً: أولوية رفع العقوبات
تكشف الرؤية الإصلاحية عن أن الخلافات
بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية ترجع إلى سلوك كل منهما، وإذا قررت
الدولتان التخلي عن هذا السلوك، بصرف النظر عن تطبيع العلاقات، فيمكنهما إيجاد
سبيل للتعاون، بما يشجع إيران على الخروج من المأزق الحالي. ومع مجيء الحكومة
الجديدة بقيادة بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي من المتصور إنه لابد وأن يتم
وضع مسألة خطة العمل الشاملة المشتركة وإلغاء العقوبات وفاتف على قمة أولوياتهم.
لكن الواقع أن الإمكانيات الحالية غير
كافية للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تم وضع قيمة استقلال إيران
على هامش العلاقات الخارجية أحادية المحور في السنوات الأخيرة، ويجب استعادتها. كما
إن تصدير النفط والبتروكيماويات محدود في بعض الاحتكارات، وفقد نفوذه السياسي. كما
أن محور المقاومة يخوض معركة مجهولة النهاية، ولا يمكن الإدلاء برأي محدد حول
قدرته السياسية. وتنطوي القضية النووية أيضاً على تناقض بين نص خطة العمل الشاملة
المشتركة لعام 2015 والتطورات النووية الحالية في إيران.
كما أن الحكومة الرابعة عشرة ورغم
مصالحها المعلنة، لا تملك مسارات محددة لمتابعة سياستها الخارجية. فإذا كانوا يريدون
تنظيم الاقتصاد المحلي، فلابد وأن يتم تقديم تنازلات كبيرة سواء في القضية النووية
أو في القضايا الإقليمية، وإذا كانوا يرغبون في مواصلة العلاقات الخارجية بغض
النظر عن الصعوبات الحالية عليهم أن يعدوا أنفسهم لظروف داخلية أكثر صعوبة. وهنا
يتضح أن لدى الحكومة الجديدة مجموعة من الخيارات المحدودة تتضح في المشاركة الفنية
مع وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لحل المشاكل الفنية على أمل منع
إحالة الملف النووي إلى مجلس الأمن وفرض عقوبات أممية جديدة. أو التفاوض مع
الولايات المتحدة الأمريكية بشأن القضايا الخلافية في علاقتها مع إيران والتي تتضح
في مستقبل النظام الدولي وإسرائيل والبرنامج النووي. أو إبداء نية لإخراج محور
المقاومة من المعادلة الحالية والعمل على استقرار وضعه من خلال تسوية إقليمية يمكنها
أن تضيف ثقل السياسي لإيران في أي مفاوضات محتملة.
وفي النهاية: يمكن القول إن إيران باتت في وضع يتعين عليها فيه
الاختيار بين القرارات السيئة والقرارات الصعبة؛ حيث إن القرار السيئ يعني منح الأولوية
لأهداف السياسة الخارجية العابرة للحدود الوطنية، والقرار الصعب يعني السعي بجدية
إلى تحقيق أهداف السياسة الخارجية الوطنية.