اتجاهات التواصل: قراءة في نتائج منتدى التعاون الصيني الأفريقي
شهدت بكين انعقاد القمة التاسعة لمنتدى
التعاون الصيني الأفريقي بحضور قادة من مختلف البلدان الأفريقية، في مسعى من الصين
لتعميق العلاقات مع القارة الغنية بالموارد والتي قدّمت لها قروضا بمليارات
الدولارات لدعم البنى التحتية والتنمية؛ حيث تعد الصين ثاني اقتصاد في العالم
وأكبر شريك تجاري لأفريقيا، وقد بلغت التجارة الثنائية 167.8 مليار دولار في النصف
الأول من هذا العام، وفق الإعلام الرسمي الصيني.
ويعد منتدى الصين أفريقيا، المشتهر
اختصارًا باسم "فوكاك"، فرصة سانحة لكل الأطراف المشاركة من أجل تعميق
شراكة تعود لأكثر من عقديْن والتي تعود لعام 2000، كما يستخدم القادة الصينيون
والأفارقة على حد سواء هذا التجمع لعقد اجتماعات ثنائية مختلفة؛ حيث استمرت أعمال
القمة لثلاثة أيام، تحت عنوان "التكاتف لدفع التحديث وبناء مجتمع صيني-أفريقي
رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك"، وشارك فيها العديد من الزعماء الأفارقة، فضلا
عن موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وأنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم
المتحدة، وممثلو عدد من المنظمات الدولية والإقليمية المعنية.
كما أنه منذ تأسيس منتدى التعاون
الصيني ـ الأفريقي عام 2000، ساعدت الشركات الصينية أفريقيا على بناء وتحديث أكثر
من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، وما يقرب من 100 ألف كيلومتر من الطرق، وما
يقرب من 1000 جسر، و 100 ميناء، و66 ألف كيلومتر من خطوط نقل وتحويل الطاقة، وسعة
طاقة مركبة تبلغ 120 مليون كيلووات، و150 ألف كيلومتر من شبكة الاتصالات الأساسية،
وخدمات الشبكة تغطي حوالي 700 مليون مستخدم.
وفيما يخص الظروف المحيطة بعقد
المنتدى، فإنه في وقت يراقب فيه القادة الأفارقة عن كثب الصراع على الهيمنة
والموارد في القارة بين الولايات المتحدة والصين؛ إذ حذرت واشنطن مما تعتبره نفوذ
بكين الخبيث في القارة.
أجندة للتعاون
شملت القمة اجتماعات رفيعة المستوى حول
حوكمة الدولة، والتصنيع والتحديث الزراعي، والسلام والأمن، فضلا عن التعاون عالي
الجودة في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية والمؤتمر الثامن لرواد الأعمال
الصينيين والأفارقة. كما احتوت أجندة القمة على ملفات حيوية مثل الحوكمة، تسريع
التعاون الصناعي والزراعي وبناء شراكات مستدامة في إطار مبادرة الحزام والطريق، وسيبحث
القادة الأفارقة عن حلول تمويل أسرع لأزمة الديون المتنامية في جميع أنحاء القارة
في خطة عمل بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي بين عامي 2025 و2027، بالإضافة
إلى تعهدات الاستثمار الجديدة ومشاريع الضمانات المقترحة ومواجهة التداعيات
السلبية للعقوبات الغربية على بعض الدول الأفريقية.
ويذكر أن فرق التفاوض الأفريقية
والصينية تجتمع مرتين على الأقل سنويًا منذ المنتدى الأخير في السنغال عام 2021،
لكن هذا الاجتماع عالي المستوى يوفر للرؤساء فرصة للمشاركة شخصيًا في المفاوضات
والتي تمثل عملية اتصال تهدف إلى وضع خارطة الطريق للسنوات العشر أو الخمس عشرة
القادمة من خلال التأكيد على إمكانات أفريقيا.
وعلى مدار دورات انعقاده، استطاعت
الصين من خلال منتدى التعاون الصيني الإفريقي بناء علاقات قوية مع القادة
الأفارقة، والتي سمحت بزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمار في القارة، وضمن هذا
السياق أعلن وزير الخارجية الصيني وانج يي خلال المؤتمر، "إن نهضة الجنوب
العالمي متمثلة في الصين وأفريقيا تؤثر بعمق على تنمية المجتمع البشري، معتبرًا أن
هذه القمة ستشكل بالتأكيد معلمًا جديدًا للجنوب العالمي للمضي قدمًا نحو التحديث
بشكل مشترك؛ حيث يستخدم القادة الصينيون والأفارقة على حد سواء
هذا التجمع لعقد اجتماعات ثنائية مختلفة.
وقد تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج في
حفل افتتاح القمة بتمويل مشاريع في أفريقيا بقيمة 50 مليار دولار على مدى السنوات
الثلاث المقبلة، واعدًا أيضًا بالمساعدة في خلق مليون وظيفة في القارة. كما أنها مستعدة
لإطلاق 30 مشروعًا للطاقة النظيفة في أفريقيا وكذلك دعم أهداف الطاقة النووية في
القارة بما يساعد في معالجة عجز الكهرباء الذي يعيق منذ فترة طويلة تحقيق الأهداف
الأوسع للتصنيع في أفريقيا، بالإضافة إلى لربط البنية التحتية في أفريقيا وإنشاء
شبكة صينية أفريقية برية وبحرية.
ومن ناحية أخرى، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش
في افتتاح قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي أنه بإمكان الصين وأفريقيا إذا ما
تعاونتا معًا أن تقودا ثورة في مجال الطاقة المتجدد، وقال جوتيريش مخاطبًا الرئيس
الصيني شي جين بينج وضيوفه القادة الأفارقة إن سجل الصين المذهل في مجال التنمية،
وبخاصة في القضاء على الفقر، يعد مصدرًا عظيمًا للتجربة والخبرة. ويمكن الإشارة هنا إلى أن منتدى التعاون الصيني الأفريقي
بدأ كمنصة تركز في المقام الأول على العلاقات الاقتصادية، ثم توسع ليشمل مجموعة
أوسع من القضايا التي تعكس الأولويات الصينية والأفريقي.
محفزات ومعوقات
تحقق الصين والدول الأفريقية كثير من النجاحات من خلال التعاون
عبر منتدى التعاون الصيني الأفريقي، وبرغم ذلك هناك مجموعة من العقبات أمام
استمرار ذلك التعاون بنفس الوتيرة؛ حيث هناك صعوبات في سداد الديون الأفريقية
المستحقة صعوبة هي أحد أسباب تباطؤ العلاقات الاقتصادية بين الصين وأفريقيا وخاصة
مسار القروض؛ إذ تباطأت القروض الصينية لدول القارة الأفريقية من 28 مليارًا عام
2016 إلى 4 مليارات في عام 2023 خاصة بعدما لم تعد العديد من الدول الأفريقية تحصل
على ما يكفي من عوائد هذه المشاريع لسداد القروض، وهو ما دفع البعض إلى اتهام الصين
بإقراض أفريقيا بطريقة استغلالية، من خلال إقناع الحكومات باقتراض مبالغ ضخمة من
المال، ومن ثم مطالبتها بتقديم تنازلات عندما تبدأ في مواجهة مشاكل في السداد.
وضمن السياق ذاته، هناك اختلافات في طبيعة الأولويات الصينية
تجاه استمرار العلاقات مع أفريقيا باعتبار أن دول القارة ليست في جوار الصين وإن كانت تمتلك معها علاقات مستقرة وإيجابية
نسبيًّا، ولا تشكل لها أي تهديد، وليست قوة كبيرة موحدة، لذلك فأهميتها الرئيسية
تكمن في تشكيل الأساس لعلاقة بيجين بالعالم، وبالتالي فهي تتطلب قدرًا أقل من
الاهتمام والجهد من جانب الصين، مقارنة مع محيط الصين الإقليمي المتسم بالتوتر والنزاعات،
وبالمقارنة مع القوى العظمى (خاصة مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة)،
الذين تعتبرهم أكبر تهديد محتمل للأمن القومي الصيني؛ حيث ترى في دعمهم لتايوان وتكوين
تحالفات في هذه المنطقة تحديًا مباشرًا لسيادة جمهورية الصين الشعبية. بالإضافة
إلى العلاقات بينهما غير متكافئة بشكل كبير، وهو ما يجعل هذه الدول في حالة من
التبعية وبما يعزز من تغير التوجهات الأفريقية تجاه تقييم علاقاتها مع الصين.
من ناحية أخرى، اتجهت الصين إلى اعتماد مبادرات جماعية قد لا
تتناسب مع احتياجات كل دولة باعتبار أن منتدى التعاون إطار متعدد الأطراف دونما
مراعاة للتمايز بين هذه الدول، وهو ما دفع البعض إلى الإشارة بأن قمة FOCAC تواجه جدالات بكونها يُنظر إليها على أنها منصة تخدم في المقام
الأول المصالح الصينية مع حصول الدول الأفريقية على مميزات أقل.
في الختام: انعقد المنتدى هذا العام على خلفية اتجاهات دور
الجنوب العالمي، والنقاش حول ما إذا كان ينبغي اعتبار الصين جزءً منه وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة
والصين وانقسام الشمال والجنوب بشكل متزايد حول مجموعة من القضايا الإقليمية
والدولية؛ حيث هاجم الرئيس الصيني الغرب في خطابه وقال: "إن عملية التحديث
التي يقودها الغرب في إفريقيا تسببت في معاناة كبيرة لشعوب المنطقة. وبدءًا من
منتصف القرن العشرين، حاربت الصين والدول الإفريقية معًا ضد الإمبريالية
والاستعمار ويجب علينا أن نواصل طريق التحديث والنمو معًا، بما يحقق رغبة الصين في
أن تقود الجنوب العالمي، واستخدام هذا الموقف لبناء النفوذ في الأمم المتحدة
والمنظمات الدولية الأخرى.