المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. فارس محمد العمارات
د. فارس محمد العمارات

مفهوم التنمية المُستدامة بين القواعد الدولية وحقوق الانسان

الأحد 29/ديسمبر/2024 - 02:34 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

مقدمة:

تُعتبر التنمية المُستدامة من المسائل التي تُثير بعض الجدل فـي أطـار القانون الدولي العام ويرجع السبب في ذلك لعـدم وجـود تحديد دقيق لمفهومها ونطـاق تطبيقه.(1) ومـع ذلك أصبح لفكرة التنميـة المُسـتدامة تأثير واهتمـام كبير من جانب اعضاء المجتمـع الدولي. خاصة بعـد مؤتمر الامم المتحـدة بشأن التنمية الذي عقد في ريو دي جانيرو عام (1992)، وانعكس ذلـك بشكل جلـي في العديد من المواثيق الدولية التـي استخدمت اصطلاح التنميـة المسـتدامة، وغيرها من المصطلحات التي تم استخدامها كالاستخدام المستدام والانتفاع المستدام ، وادى هذا التنوع في الاصطلاحات  إلى خلق نوع من اللبس وعدم الوضوح فيما يتعلق بمفهوم التنمية المستدامة ونطاق اثارها القانوني ، إضافة إلى طبيعتها القانونية في اطار احكام القانون الدولي.(2) وإذا كانت التنمية المستدامة تُعني بشكل أساسي باعتبارات حماية البيئة، إلا أن ذلك لا يعني أن كل الجوانب القانونية المتعلقة بالتنمية المستدامة تتعلق  بالضرورة بمسالة حماية البيئة ، كذلك لا تهتم كل  جوانب القانون الدولي للبيئة بالتنمية المستدامة  فهناك مسائل أخرى تهتم بها  التنمية المستدامة بخلاف اعتبارات حماية البيئة، ومنها حقوق الإنسان وحقوق الحيوان.

وبالنظر إلى التحديات العالمية المرتبطة بالجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية للتنمية المستدامة فإن الحاجة إلى حل مشكلة اقتصاد الظل تكتسي أهمية خاصة. إن عمليات الظل، بما في ذلك مجموعة واسعة من الأنشطة غير القانونية من التهرب الضريبي إلى تمويل الأنشطة غير القانونية تقوض أسس التنمية المستدامة، مما يجعل من الصعب تحقيق أهدافها الرئيسية. ويكمن جوهر مشكلة المعاملات الموازية في سياق التنمية المستدامة في قدرتها لا على تشويه الحالة الاقتصادية الحقيقية فحسب، بل أيضا على التسبب في خسائر اجتماعية وبيئية كبيرة. وتزيد هذه العمليات من صعوبة تنفيذ سياسات اجتماعية فعالة، وتقلل من فرص الاستثمار في المشاريع البيئية والتنمية المستدامة، وتزيد من مخاطر الصحة العامة بسبب الأنشطة غير القانونية المرتبطة بإنتاج السلع وتوزيعها.(3)

وهو ما جعل المجتمع الدولي  بشكل عام والأردن بشكل خاص يقوم  باتخاذ التدابير الضرورية والكفيلة بالقضاء أو على الأقل التقليل من المخاطر التي تعاني منها البيئة من خلال إبرام المعاهدات والاتفاقيات وعقد المؤتمرات والندوات وإلزام الدول بسن قوانين وأنظمة داخلية لحمايتها، إما صراحة من خلال فرض واجب على عاتق الدولة و غيرها من أطراف المجتمع الدولي في اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز التنمية المستدامة من كل ما يهددها من أخطار وذلك بالنص صراحة في دساتيرها على تكريس هذا الحق وحمايته، وإما ضمنا من خلال استنباطها من روح النص بعد تكريس الدستور للحقوق الاجتماعية والاقتصادية أو المقومات الأساسية للمجتمع ألنه على ضوء الغاية أو الحكمة من وراء تكريس هذه الحقوق الاجتماعية يبرز حق الإنسان في العيش ضمن بيئة صحية وسليمة التي تكون دوما مرتبطة بالمقومات الأساسية التي يقوم عليها المج

أولاً- نشأة وتطور التنمية المستدامة

ظهر مصطلح التنمية المستدامة لأول مرة في تقرير لجنة "بوتلاند"(4)،حيث تم تعريفه بأنه التنمية التي تلبي الاحتياجات الحالية دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. منذ ذلك الحين، شهد هذا المفهوم تطوراً ملحوظاً، خاصة في بداية الستينات من القرن العشرين، حيث اعتمدت الأمم المتحدة (1960-1970) أول عقد للتنمية المستدامة، الذي ارتبط بالنمو الاقتصادي، معتمداً على الناتج القومي أو دخل الفرد. ولاحقاً، تطور المفهوم ليشمل أبعاداً سياسية واجتماعية وثقافية خلال العقد الثاني للتنمية (1970-1980). ثم اكتسب مزيداً من الأبعاد الحقوقية والديمقراطية من خلال تعزيز المشاركة العامة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحكم الرشيد في العقد الثالث (1980-1990).

وفي العقد الرابع (1990)، شهد مفهوم التنمية تحولاً نوعياً من خلال إعلان "ريو" لعام 1992، الذي أكد على أهمية تحقيق العدالة بين الأجيال في توزيع الموارد الطبيعية. وقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1989 عقد مؤتمر التنمية المستدامة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992، والذي أسفر عن مجموعة من الوثائق القانونية، بما في ذلك إعلان قمة الأرض (إعلان ريو)، وجدول أعمال القرن الحادي والعشرين، ومبادئ حماية الغابات، بالإضافة إلى اتفاقية التغيرات المناخية واتفاقية التنوع البيولوجي.(5)

1-ماهية التنمية المستدامة

لقد أصبح موضوع التنمية المستدامة محور اهتمام عالمي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنمية العالمية. فقد تحولت الاستدامة التنموية إلى مدرسة فكرية عالمية تتبناها العديد من الدول، سواء المتقدمة أو النامية، حيث تدعمها هيئات رسمية وشعبية ومنظمات المجتمع المدني وتطالب بتطبيقها. وقد تم تنظيم قمم ومؤتمرات وندوات عديدة لمناقشة هذا الموضوع. ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ ظهوره، إلا أنه لا يزال يحمل بعض الغموض، سواء كمفهوم أو كفلسفة علمية، ويُفسر بطرق متنوعة من قبل الكثيرين، ووو اكتسب مُصطلح التنمية المٌستدامة اهتماماً كبيراً بعد ظهور تقرير "مُستقبلنا المُشترك"، وعرفت التنمية المُستدامة في تقرير "بروندتالند" بأنها "التنمية التي تلبي احتجاجات الجيل الحاضر دون التضحية، أو الاضرار بقدرة الاجيال القادمة على تلبية احتياجاتها".(6)

   وفي مؤتمر الامم المتحدة للبيئة والتنمية المُنعقد في ريودي جانيرو بالبرازيل عـام 1992 عـرفت التنمية المُستدامة بأنها: " ضرورة إنجاز الحق في التنمية"، بحيث تتحقق على نحـو متسـاوي الحاجـات التنموية والبيئيـة لأجيال الحاضر والمُستقبل. (7)

               عرفـت الامم المُتحـدة التنمية المُسـتدامة بأنهـا: تعزيز التنمية الاقتصادية مـع الحفـاظ علـى المـوارد الطبيعية وضمان مواصلة التنمية الاجتماعية والبيئة والسياسية والاقتصادية والمؤسسـية علـى أسـاس المسـاواة، وتدعم مفهـوم الاستدامة أكثر فأكثر حول موضوع تنمية الموارد البشرية.(8)

أ-مفهوم التنمية المستدامة

عندما أدرك علماء الاقتصاد الحاجة إلى القضاء على الإقطاع، نتيجة لما شهدوه من إنفاق مفرط من قبل هذه الطبقة، لم تعد قضية التنمية تقتصر على تطوير الاقتصاد القومي. في هذا السياق، قدم آدم سميث في كتابه "بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم" عام 1776 مجموعة من العناصر الأساسية للتنمية، مثل ضرورة القضاء على الإقطاع، والدعوة إلى الادخار، والنقد للإسراف، وتشجيع تقسيم العمل، ووضع سياسة اقتصادية تدعم حرية الأعمال وتمنحها القدرة على دفع عجلة الإنتاج والنمو الاقتصادي. كانت هذه الدعوات للتغيير تتزامن مع الأحداث التي شهدتها أوروبا الغربية في فترة الثورة الفرنسية، حيث شهد القرن التاسع عشر انتشار الصناعة، مما أدى إلى انتهاء مشكلة التطوير بالنسبة للاقتصاديين وبدء ما يعرف بالنظام الطبيعي، الذي يتيح للطاقات البشرية استكشاف آفاق جديدة، مما يساعد الأفراد على إدراك مصالحهم ومعرفة ما يحقق لهم الربح، مما يدفعهم للتحول إلى قطاعات جديدة وبدء دورة اقتصادية جديدة.(9)

ظهر مفهوم التنمية متداخلًا مع مجموعة من المفاهيم الأخرى مثل النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية وذلك في النصف الثاني من القرن العشرين. يتميز النمو الاقتصادي بأنه عملية تلقائية تحدث مع مرور الوقت ضمن إطار اقتصادي واجتماعي معين، حيث يتجلى ذلك في زيادة عدد السكان والثروة والادخار، مما يؤدي إلى تغير كمي في الهيكل الاقتصادي.(10)

يُعرف النمو الاقتصادي بأنه زيادة في إجمالي الناتج المحلي أو إجمالي الدخل القومي، مما يسهم في رفع متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي. كما ارتبطت فكرة التنمية بالنمو والتوزيع، حيث غطت هذه المرحلة الفترة من نهاية الستينات إلى منتصف السبعينات من القرن العشرين. في هذه الفترة، توسع مفهوم التنمية ليشمل أبعادًا اجتماعية بعد أن كان يركز بشكل أساسي على الجوانب الاقتصادية. كانت هذه الفكرة تهدف إلى معالجة قضايا الفقر والبطالة واللامساواة من خلال تطبيق استراتيجيات تركز على تلبية الاحتياجات الأساسية وتعزيز المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات.(11)

وتم صياغة مفهوم التنمية المستدامة برؤية شاملة ومتعددة الأبعاد، حيث يركز على التنمية الاقتصادية من خلال ضمان مستوى معيشة لائق حاضراً ومستقبلاً، وتعزيز قدرات المجتمع. وقد ساهم في ذلك مجموعة من الباحثين البارزين مثل هاش وستورغن، (Hush& Sturgeon) الذين قدموا نموذجاً للتنمية يراعي البيئة ويحترمها، من خلال تسهيل الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية. جاء ذلك خلال ندوة "البيئة البشرية" التي عُقدت في ستوكهولم لمناقشة القضايا البيئية وعلاقتها بالفقر وغياب التنمية، وذلك في عام 1972.

كما يُشير تقرير "حدود النمو" الصادر عن نادي روما في عام 1972، والذي يُعتبر مؤسسة عالمية غير حكومية تضم مجموعة من العلماء والمفكرين من مختلف المجالات، إلى دور السكان واستهلاك الموارد والتلوث البيئي والتكنولوجي وتأثيره على الاقتصاد العالمي والبشرية. وقد ارتكز التقرير على فكرة محدودية الموارد وتأثيرها المستقبلي.(12)

لم يكن مفهوم "التنمية المستدامة" مصطلحًا معروفًا لدى معظم الناس قبل مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية المعروف بقمة الأرض، الذي عُقد في ريو دي جانيرو في حزيران 1996. وقد منح هذا المؤتمر مفهوم التنمية المستدامة طابع الشرعية على الصعيد الدولي، حيث ربط بين البيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية كما أسفر عن وضع جدول أعمال القرن الحادي والعشرين كخطة عمل عالمية في مجال التنمية. ومن أبرز نتائج قمة الأرض إنشاء لجنة التنمية المستدامة، التي تهدف إلى وضع الأسس والمعايير التي تساعد الدول في قياس تقدمها في جميع جوانب التنمية.(13)

تمثل التنمية المستدامة ظاهرة تمتد عبر الأجيال، حيث إنها عملية انتقالية تحدث من جيل إلى آخر. وهذا يعني أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب فترة زمنية تمتد على الأقل لجيلين، مما يشير إلى أن المدة اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة تتراوح بين 25 - 50 سنة، أما الخاصية المشتركة الثانية فتتعلق بمستوى القياس.

في عام 1981، تم إصدار تقرير الاستراتيجية الدولية للمحافظة على البيئة، الذي قدم لأول مرة تعريفًا دقيقًا للتنمية المستدامة، مع توضيح مقوماتها وشروطها. تلاه تقرير "مستقبلنا المشترك" في عام 1982، الذي أصدرته اللجنة العالمية للتنمية والبيئة، والتي تم تشكيلها في عام 1983. وقد حمل التقرير رسالة تدعو إلى ضرورة مراعاة تنمية الموارد البيئية وتلبية الاحتياجات المشروعة للناس في الحاضر، دون المساس بقدرتهم على العطاء في المستقبل. كما أكدت على أهمية التوازن بين الاقتصاد والإنسان والبيئة. وقد قام مجموعة من الباحثين والمؤسسات العلمية بتعريف التنمية المستدامة.(14)

لم يكن مفهوم "التنمية المستدامة" مصطلحًا معروفاً لدى معظم الناس قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، المعروف بقمة الأرض، في ريو دي جانيرو في يونيو 1992. وقد منح هذا المؤتمر مفهوم التنمية المستدامة طابع الشرعية على الصعيد الدولي، حيث ربط بين البيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وقد أسفر عن ذلك وضع جدول أعمال القرن الحادي والعشرين كخطة عمل عالمية في مجال التنمية. ومن أبرز نتائج قمة الأرض كان إنشاء لجنة التنمية المستدامة، التي تهدف إلى وضع الأسس والمعايير التي تساعد الدول في قياس تقدمها في مختلف جوانب التنمية. تلا ذلك مؤتمر ثالث لقمة الأرض حول التنمية المستدامة في عام 1992.(15)

فالتنمية المُستدامة تحدث على عدة مستويات تتفاوت بين العالمي والإقليمي والمحلي. ومع ذلك، فإن ما يُعتبر مستدامًا على المستوى الوطني قد لا يكون كذلك على المستوى العالمي. ويعود هذا التباين الجغرافي إلى آليات التحويل التي من خلالها تنتقل الآثار السلبية من بلد أو منطقة معينة إلى بلدان أو مناطق أخرى تتمثل الخاصية المشتركة الثانية في مستوى القياس، حيث إن التنمية المستدامة هي عملية تحدث على عدة مستويات تتفاوت بين العالمي والإقليمي والمحلي. ومع ذلك، فإن ما يُعتبر مستداماً على المستوى القومي قد لا يكون كذلك على المستوى العالمي. ويعود هذا التناقض الجغرافي إلى آليات التحويل، التي من خلالها تنتقل النتائج السلبية من بلد أو منطقة معينة إلى بلدان أو مناطق أخرى.(16)

التنمية المُستدامة هي التي تصيغ اليوم الجزء الاكبر من السياسة التنموية المُعاصرة، فهي نظرية َ في التنمية المُستدامة والاجتماعية، تجعل الانسان منطلقها وغايتها، وهي تنمية لا توّلد فقط نموا ً اقتصاديا فحسب لكنها توزع منافعها بالتساوي، وتعيد بناء بيئة التنمية المُستدامة بدلا من تدميرها، وهدفها ليس فقط الزيادة في الانتاج؛ وإنما تمكين الانسان من العيش في حياة أفضل وأطول. وحاجات الانسان ليس كلها مادية؛ بل كذلك معنوية واجتماعية، منها التعليم والثقافة.

يعرف البنك الدولي التنمية المستدامة بأنها العملية التي تهدف إلى تحقيق التكافؤ المستدام، مما يضمن توفير الفرص التنموية للأجيال القادمة. ويتحقق ذلك من خلال ضمان استقرار رأس المال الشامل أو زيادته بشكل مستمر على مر الزمن. ويشمل رأس المال الشامل عدة أنواع، منها: رأس المال الصناعي (مثل المعدات والطرق)، ورأس المال البشري (المعرفة والمهارات)، ورأس المال الاجتماعي (العلاقات والمؤسسات)، ورأس المال البيئي (مثل الغابات والشعاب المرجانية).(17)

يعتبر تعريف اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) الأكثر شمولاً لمفهوم التنمية المستدامة، حيث عرفت التنمية المستدامة بأنها: "تعزيز التنمية الاقتصادية مع الحفاظ على الموارد الطبيعية، وضمان استمرار التنمية الاجتماعية، والبيئية، والسياسية، والاقتصادية، والمؤسسية، على أساس المساواة".(18)

 وتقوم التنمية على أربعة عناصر أساسية هي(19):

1)    الانتاجية، وهي: قدرة الانسان على الانتاج.

2)    المساواة، وهي: تكافؤ الفرص دون تميز.

3)   الاستدامة، وهي: عدم إلحاق الضرر بالأجيال اللاحقة، سواء بسبب استنزاف الموارد الطبيعية أو تلويث البيئة، أو بسبب الديون العامة التي تتحمل عبئها الاجيال، بسبب عدم الاكتراث بتنمية الموارد البشرية مما يخلق ظروفا صعبة في المُستقبل نتيجة خيارات الحاضر.

4)   التمكين، وهو أن التنمية تتم بالناس وليس من أجلهم فقط أي إن الناس هم الفاعلون، وبهذا تعزز التنمية قدرة الانسان على تحقيق ذاته، فيصبح هدفا ووسيلة في آن واحد.

ب- أهداف التنمية المُستدامة

 للتنميــة المســتدامة مجموعــة مــن الاهداف التــي تسـعى لتحقيقهــا مــن خلال آلياتهــا ومــا تحتويــه والتــي تتلخص فيما يلي(20) :

§   تحقيـق حيـاة أفضـل للسـكان، وذلـك مـن خلال عمليـات التخطـيط وتنفيـذ السياسـات التنمويـة، وعـن طريـق التركيـز علــى مجالات وجوانــب النمــو، وكيفيــة تحقيـق نمــو جيــد للمُجتمــع ســواء الاقتصادي أو الاجتماعي والنفسي والروحي، يكون بشكل مقبول وديمقراطي.

§   احتـرام البيئـة الطبيعيـة: فالارتباط الوثيـق بـين التنميـة المُسـتدامة والبيئـة هـو الـذي أدى إلـى أن يكـون الهـدف الرئيسـي وراء التنميـة المُسـتدامة هـو الحفـاظ علـى البيئـة واحترامهــا، لتصــبح علاقة تكامـل وانســجام، فنظافــة البيئــة أســاس حيــاة الانسان، وحمايــة البيئــة تــؤدي إلــى ترقيــة تنميــة وطنيــة مســتدامة بتحسين شروط المعيشة والعمل على ضمان إطار معيشي سليم يحقق تنمية مُستدامًة للمُجتمع ككل.

§    توعيـة السـكان بالمشكلات والمخـاطر البيئيـة التـي تحـدث، فالتوعيـة تحدث تنمية بالمسؤولية تجاه أهمية الحفاظ على البيئة، وفي حـث الافراد علـى إيجـاد حلـول لأعداد وتنفيـذ ومتابعة البرامج والمشاريع والسياسات التنموية المُستدامة.

ومن خلال التعريفات المتنوعة والمتعددة للتنمية المستدامة، تؤكد الدراسة أن هذه التعريفات تعكس سمة الاستدامة، حيث تهدف إلى تعزيز الأرض ومواردها الطبيعية والبشرية. يتطلب ذلك تلبية احتياجات السكان وتحسين مستوى معيشتهم، مع التركيز على القضاء على الفقر، إذ إن المجتمعات تدرك أن الفقر يعد أحد أسباب الأزمات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. من الضروري أيضًا إدارة البيئة بشكل سليم لضمان الاستفادة المستدامة من الموارد الطبيعية دون إهدار، وذلك من خلال وضع وتفعيل التشريعات والقوانين البيئية. كما أن التنمية البشرية من خلال التعليم والمعرفة واستثمار القدرات باستخدام التكنولوجيا النظيفة تعد ضرورية، خاصة في ظل المشاريع التي تؤثر سلبًا على البيئة. يتطلب هذا الأمر توفير البيانات المعرفية البيئية والتنموية، بالإضافة إلى تقييم أداء الحكومات والمنظمات الدولية في هذا المجال.

2- نشأة وتطور التنمية المستدامة

يعود أصل مصطلح "مستدام" إلى فترات تاريخية بعيدة، حيث تم استخدامه منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. على سبيل المثال، استخدم مدراء مصائد الأسماك هذا المصطلح منذ زمن طويل، مثل مفهوم "أقصى غلة مستدامة"، للإشارة إلى الحد الأقصى الممكن لصيد الأسماك سنويًا، مما يضمن استمرارية نفس كمية الصيد سنويًا واستقرار الغلة. كما تم استخدام هذا المصطلح في إدارة الغابات في ألمانيا كجزء من رؤية طويلة الأجل لإدارة الموارد الغابية.(21)

لم يبدأ الاهتمام المتزايد بالتنمية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أصبح مفهوم التنمية محورًا رئيسيًا في سياق الدول النامية. كان التركيز حينها على كيفية تحقيق التنمية في هذه الدول للوصول إلى مستوى الدول الصناعية. ومع تطور الفكر الاقتصادي، أصبح الاهتمام منصبًا بشكل أساسي على مفهوم النمو الاقتصادي. في الفترة ما بين 1950 و1960، كانت عملية التنمية تُعتبر سلسلة من مراحل النمو الاقتصادي المتتابعة التي يتعين على جميع الدول المرور بها. وبالتالي، كانت النظرية الاقتصادية في التنمية ترى أن الأساس يكمن في مزيج من الادخار والاستثمار والمساعدات الأجنبية، مما يمكّن دول العالم الثالث من السير في طريق النمو. وفقًا للأحداث التاريخية، أصبحت التنمية الاقتصادية التي اتبعتها الدول المتقدمة تُعتبر نموذجًا يُحتذى به.(22)

 أصبح مصطلح التنمية والتخلف ذا أهمية كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية، حينما حصلت معظم الدول النامية على استقلالها السياسي ومن ثم الاقتصادي. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في تلك الدول، ظهرت الحاجة الملحة لإجراء تغييرات سريعة في الجانب الاقتصادي. لذا، كان العقد الأول من التنمية في الستينات متركزاً على الجانب الاقتصادي، مما أدى إلى تسميته بالتنمية الاقتصادية، التي تركزت على الجوانب الاقتصادية الكمية فقط.

ظهر مفهوم التنمية بشكل أساسي في ستينيات القرن الماضي، حيث تُعتبر عملية مستمرة ومتزايدة. إنها عملية واعية ذات أهداف محددة، تتضمن استراتيجيات طويلة الأمد، وتشتمل على أهداف وخطط وبرامج تشارك فيها جميع فئات المجتمع. تُدار هذه العملية من خلال إدارة تنموية تدرك احتياجات الإنسان وتستطيع استخدام الموارد بكفاءة. وبالتالي، يمكن تعريف التنمية الاقتصادية بأنها العملية التي يتم من خلالها الانتقال من حالة التخلف إلى حالة التقدم، مما يؤدي إلى إحداث تغييرات جذرية وجوهرية في الهيكل والبنية الاقتصادية.(23)

مع بداية السبعينيات، شهد مفهوم التنمية تحولًا كبيرًا. فقد تجاوز المعنى التقليدي الذي كان يركز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ليتم إضافة مصطلحات جديدة، من أبرزها "التنمية المستدامة"، التي أصبحت واحدة من أهم المصطلحات المتداولة في أدبيات التنمية. في عام 1972، تم طرح هذا المصطلح لأول مرة على الساحة الدولية خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية في ستوكهولم. حيث تم تناول التحديات المتعلقة بالحفاظ على الاستدامة في سياق النمو والتنمية الاقتصادية.

بعد أن تم طرح تحديات التنمية المستدامة على الساحة العالمية في عام 1972، تم إعادة تناولها بعد ثماني سنوات في تقرير مؤثر بعنوان "استراتيجية الحفاظ على العالم: الحفاظ على الموارد الحية من أجل التنمية المستدامة" في عام 1980. وقد أشار التقرير في مقدمته إلى أن البشر، في سعيهم نحو التنمية الاقتصادية والاستفادة من ثروات الطبيعة، يجب عليهم أن يدركوا أهمية تقليل استهلاك الموارد والاعتراف بالقدرة الاستيعابية للأنظمة البيئية، بالإضافة إلى ضرورة مراعاة احتياجات الأجيال القادمة. كان الهدف من هذا المنشور هو تعزيز جهود تحقيق التنمية المستدامة من خلال الحفاظ على الموارد الحية، وقد تم اعتماد هذه الفكرة ونشرها في تقرير لجنة الأمم المتحدة المعنية بالبيئة والتنمية.(24)

تم ذكر مصطلح التنمية المستدامة لأول مرة في عام 1980 في تقرير "الاستراتيجية الدولية للمحافظة على البيئة" الصادر عن الاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة، لكنه لم يُعتمد رسمياً إلا في تقرير "مستقبلنا المشترك" الذي أصدرته اللجنة العالمية للتنمية والبيئة عام 1987 برئاسة "برونتلاند"، رئيسة وزراء النرويج آنذاك. بعد ذلك، تم تبني مفهوم التنمية المُستدامة على نطاق عالمي خلال مؤتمر "قمة الأرض" الذي عُقد في ريو دي جانيرو عام 1992، بمشاركة 178 دولة، والذي أسفر عن إعلان "ريو" الذي كان محور تركيزه الرئيسي هو التنمية المستدامة. ومنذ ذلك الحين، أصبح الاهتمام بالعلاقة بين التنمية والاعتبارات البيئية يشغل حيزًا كبيرًا من اهتمام دول العالم ومنظماته.(25)

وفي عام 1992، تم عقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، المعروف بقمة الأرض، في ريو دي جانيرو، البرازيل، والذي أصبح يُعرف لاحقًا بمؤتمر ريو. اعتُبر هذا المؤتمر في ذلك الوقت أكبر مؤتمر دولي على الإطلاق، حيث شاركت فيه أكثر من 170 دولة و2500 منظمة غير حكومية و8000 صحفي معتمد. كان الهدف الرئيسي من المؤتمر هو وضع مبادئ برنامج العمل من أجل التنمية المستدامة في المستقبل. وقد اعتُبر هذا التحدي على أعلى مستوى، مما استدعى اجتماع رؤساء الدول لأول مرة لمناقشة قضايا البيئة. من بين المبادئ الأساسية التي تم الإعلان عنها في ريو، كان هناك تأكيد على أن "التنمية اليوم يجب ألا تهدد احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة"، مما أدى إلى تبني مفهوم التنمية المستدامة "بين الأجيال" بشكل واسع. بالإضافة إلى ذلك، انتشر مصطلح "التنمية المستدامة" وتجاوز حدود المنظمات البيئية العالمية.(26)

وأدى الاهتمام الإعلامي الكبير بالاضطرابات البيئية الخطيرة المرتبطة بحرائق الغابات في إندونيسيا والفيضانات في الأميركتين والصين وبنغلاديش، والأعاصير في جنوب شرق آسيا، إلى طرح تساؤلات حول قضايا الحفاظ والصيانة وأفكار الاستدامة، خاصة في الدول المتقدمة. وفي مجالي التنمية والبيئة، ظهر توافق واضح على أن التنمية المستدامة تمثل نقطة التقاء مهمة للبحث والعمل، وهدفاً سياسياً مرغوباً ينبغي السعي لتحقيقه. ومع ذلك، كان من الواضح خلال عقد التسعينات أن هناك جدلًا كبيرًا واختلافات حول معنى وممارسة التنمية المستدامة.

وحمل مؤتمر ريو، وثيقة جدول أعمال ضخمة، منح الكثير من السلطة السياسية والقوة الأخلاقية للقرن الحادي والعشرين. ومن الضروري الإشارة إلى ظهور اختلافات مهمة؛ فعلى سبيل المثال، برزت خلافات بين المخاوف البيئية في البلدان الغنية والفقيرة، وبين أولئك الذين يسعون لاستغلال الموارد وأولئك الذين يفضلون الحفاظ عليها، بالإضافة إلى التوتر بين احتياجات التنمية للأجيال الحالية واحتياجات الأجيال القادمة.

والتنمية هي العملية التي تؤدي إلى ارتفاع الدخل القومي الحقيقي على مدى فترة زمنية ممتدة.(27)

ومن المهم التمييز بين مفهومين متقاربين، وهما النمو والتنمية. فالنمو يشير أساسًا إلى زيادة الناتج القومي دون حدوث تغييرات ملحوظة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بينما تعني التنمية، بالإضافة إلى نمو الناتج القومي، حدوث تغييرات جوهرية وواسعة في هذه المجالات.(28)

في بداية الألفية الثانية، وتحديدًا في 8 ايلول 2000، اجتمع قادة 192 دولة من أعضاء الأمم المتحدة بالإضافة إلى أكثر من 23 منظمة دولية. وقد اتفقوا على ما يُعرف بالأهداف الإنمائية للألفية (MDGs) حيث تم اعتماد القرار الخاص بهذه الأهداف وتوقيعه. وبموجب هذا الاتفاق، تعهدت دول العالم بمكافحة الفقر والجوع والأمراض والأمية، بالإضافة إلى محاربة التمييز ضد المرأة وتعزيز الاستدامة البيئية، وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية. وقد تقرر أن يتم تحقيق هذه الأهداف خلال الخمس عشرة سنة التالية، بهدف تحفيز التنمية بشكل عام من خلال تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، خاصة في الدول الأكثر فقراً.(29)

ترتبط جذور مفهوم التنمية المستدامة بالآثار السلبية التي أحدثها نموذج الاقتصاد التقليدي في القرنين الماضيين، والذي يعتبر عملية الإنتاج "نظاماً مغلقاً" حيث تقوم الشركات ببيع السلع والخدمات وتوزيع العائد على عناصر الإنتاج، دون أن تأخذ في الاعتبار استنزاف الموارد. هذا النموذج يسعى لتحقيق نمو سريع في الإنتاج، لكنه يغفل التكاليف المرتبطة بذلك، مثل التلوث البيئي. وحتى بداية الستينات من القرن الماضي، لم تحظَ القضايا البيئية بالاهتمام الكافي من قبل صانعي القرار ومخططي التنمية في العديد من دول العالم.(30)

وفي عام 2002، اجتمع 104 من رؤساء الدول مجددًا في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، لحضور القمة العالمية للتنمية المستدامة (WSSD). وقد تم خلال هذه القمة مناقشة خطة تنفيذية تركز على "تكامل العناصر الثلاثة للتنمية المستدامة: التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، وحماية البيئة"، باعتبارها ركائز مترابطة وقد ظهر فهم جديد يربط بين الموارد البيئية والنزاعات، بالإضافة إلى التهديدات البيئية الناتجة عن العولمة والفرص المتاحة. كما تم إشراك عدد أكبر من مجموعات المصالح في الأنشطة التي جرت في جوهانسبرغ مقارنة بمؤتمر ريو.وتضمن هذا التنوع مشاركة العديد من المنظمات غير الحكومية من الدول النامية، التي تمثل قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساءلة التجارية. وقد اقترحت هذه الأنشطة طرقًا جديدة لمعالجة التنمية المستدامة على المستوى العالمي، مع التركيز على فهم أكثر لامركزية مصادر التغيير.(31)

وفي مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2012 (ريو + 20) تم التأكيد مجددًا على الرؤية المكونة من ثلاثة أجزاء للتنمية المستدامة خلال الذكرى العشرين لقمة ريو، حيث عُقدت قمة في عام 2012 تحت اسم ريو + 20، تحت شعار "المستقبل الذي نريده". وقد تم تحديد أهداف التنمية المستدامة من خلال تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والشامل والعادل، وخلق فرص أكبر للجميع، والحد من الفجوات الاجتماعية، وتحسين مستويات المعيشة الأساسية. كما تم التركيز على تعزيز التنمية الاجتماعية العادلة والاندماج، وتعزيز الإدارة المتكاملة والمستدامة للموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية، التي تدعم بدورها التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، مع العمل على الحفاظ على النظم الإيكولوجية وتجديدها واستعادتها، وزيادة مرونتها في مواجهة التحديات الجديدة والناشئ.(32)

تؤكد الوثيقة الختامية لمؤتمر "المستقبل الذي نريده" (الجمعية العامة، الدورة 66، 2012، الفقرة 4) على ضرورة أن تستند أهداف التنمية المستدامة إلى معالجة متوازنة للأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة وروابطها المشتركة. كما تشدد على أن هذه الأهداف يجب أن تكون عملية، وموجزة، وسهلة الفهم، ومحدودة العدد، وطموحة، وعالمية بطبيعتها، وقابلة للتطبيق في جميع البلدان. ينبغي أن تأخذ في الاعتبار الحقائق والقدرات ومستويات التنمية الوطنية المختلفة، مع احترام السياسات والأولويات الوطنية. ويتعين على الحكومات قيادة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة بمشاركة فعالة من جميع أصحاب المصلحة المعنيين.(33)

3- الأرضية القانونية للتنمية المستدامة

كان للتنمية المستدامة تعريف واضح في الأحكام الصادرة عن القضاء الدولي، وخاصة في الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية. فقد أكدت هذه الآراء على أهمية التوازن بين مبررات التسلح النووي وضرورة حماية البيئة والمجال الحيوي للإنسان. كما أبرزت أهمية المجالات المستقبلية، حيث أن البيئة لا تُعتبر فترة زمنية مجردة، بل تمثل المجال الحيوي ونوعية الحياة، بما في ذلك الأبعاد التي قد تظهر في المستقبل. وعندما تناولت محكمة العدل الدولية هذه القضايا، كان لها تأثير كبير على مفهوم التنمية المستدامة، مما يعكس أهمية التوجه نحو تحقيق التوازن بين التنمية وحماية البيئة.(34)

تتناول مرجعية الإمام الصادرة عن المحكمة الدولية لقانون البحار موضوع التنمية المستدامة، حيث تبرز أهمية هذه القضية في سياق الحفاظ على الموارد الطبيعية. يتضح أن هناك اهتمامًا خاصًا بالقضايا المتعلقة بالاستدامة، خاصة في المناطق البحرية، حيث تم تناولها في إطار القرارات الصادرة عن الجماعة المعنية في عام 2000.

تتعلق هذه القرارات بمسائل استدامة الموارد المائية الحية، وتؤكد على ضرورة الحفاظ عليها وفقًا للمعايير الدولية. كما تشير إلى أهمية التعاون بين الدول الأعضاء في إطار قانون البحار لعام 1982، والذي يهدف إلى حماية البيئة البحرية وتنظيم أنشطة الصيد.  ومع ذلك، فإن هناك تحديات تواجه تنفيذ هذه السياسات خاصة فيما يتعلق بتسوية القضايا العالقة منذ عام 2000، مما يستدعي ضرورة تعزيز الجهود لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.(35)

أ-  الأرضية القانونية الدولية لتطبيق التنمية المستدامة

ويثور الجـدل فـي إطار القـانون الدولي العام حول الطبيعة القانونية للتنمية المستدامة، حيث تُعتبر هذه الأخيرة مبدأً قانونياً وقاعدةً قانونية. وقد تم تضمين مفهوم التنمية المستدامة في عدد من المعاهدات الدولية، ولكن لا توجد معاهدات واضحة تحدد طبيعة هذه المعاهدات. وقد أدى ذلك إلى ظهور تساؤلات حول الإطار القانوني العام للتنمية المستدامة، خاصة في سياق القضايا التي تصدر عن المحاكم الدولية.(36)

وأن القواعد القانونية تتمتع بقيمة قانونية، وتعتبر أداة فعالة في توجيه سلوك الأفراد داخل الدول. ومع ذلك فإن القواعد القانونية تعكس الأهداف القانونية. من ناحية أخرى، تُعتبر القواعد القانونية بمثابة معايير تُستخدم لتوجيه الأفراد نحو سلوكيات معينة، حيث تمثل هذه السلوكيات في النهاية نتائج محددة. كما أن الأهداف القانونية تُعتبر بمثابة معايير تُساعد في توجيه الأفراد نحو تحقيق الأهداف المرجوة، وتساهم في تسهيل وتطبيق القواعد القانونية القائمة.(37) وتتضمن اتفاقية باريس، وفقاً للمادة 4، التزام الأطراف بتعزيز الممارسات والتكنولوجيا المتعلقة بالنقل والنشر بما في ذلك تطوير وتطبيق أساليب تهدف إلى حماية البيئة والموارد الطبيعية. حيث تركز الفقرة (د) على أهمية الحفاظ على الأراضي الزراعية والغابات، وتعتبر هذه الجهود جزءً من الجهود الدولية لحماية البيئة. ووفقاً للمادة ايضاً، يتعين على الأطراف تعزيز الممارسات والتقنيات المرتبطة بالنقل والنشر من أجل تحقيق أهداف الاتفاقية تركز هذه المادة على تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعرفة والتكنولوجيا لدعم الجهود الوطنية في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع تغير المناخ.(38)

وتنقسم القواعد القانونية المتعلقة بالاتفاقيات الدولية إلى نوعين: النوع الأول هو القواعد القانونية العامة التي تلزم الدول بالعمل على تحقيق أهداف محددة. أما النوع الثاني، فهو القواعد القانونية الخاصة التي تفرض على الدول تحقيق نتائج معينة وفقاً لما تم الاتفاق عليه. وعلى الرغم من أن النوعين السابقين من القواعد القانونية يتشابهان في كونهما ملزمين للدول، إلا أن النوع الثاني يركز بشكل أكبر على تحقيق نتائج محددة وبالتالي، فإن كلا النوعين يتطلبان التزاماً قانونياً يترتب عليه آثار قانونية بمجرد الوفاء بالالتزامات الواردة فيهما.

وبشكل عام، فإن القواعد القانونية لا تهدف فقط إلى توجيه الدول نحو أهداف معينة، بل تهدف أيضًا إلى التأثير على عملية اتخاذ القرار داخل الدول. ومع ذلك، تتمتع هذه القواعد بخصائص معيارية تجعلها قادرة على ترتيب آثار قانونية ملزمة. إذا نظرنا إلى المبدأ كقاعدة قانونية في سياق الاتفاقيات الدولية، نجد أنه يتسم بالمرونة. ولا يمكن اعتبار المبدأ كقاعدة قانونية قوة ملزمة إلا إذا كان مدعومًا بمبادئ أخرى من القانون الدولي العرفي. وتعتبر القاعدة القانونية في النظام الدولي العرفي نتيجة لتطورات معينة، حيث نشأت من مبادئ قانونية تتعلق بتصرفات الدول. وهذه المبادئ تعكس التزام الدول بالقوانين المعترف بها دولياً، والتي تتطلب توافر الإرادة المعنوية لدى الدول في حالات محددة. لذلك، نجد أن هناك عددًا محدودًا من المبادئ القانونية التي يمكن أن تُعتبر أساسًا للقانون الدولي العرفي.(39)

وتتعلق طبيعة القانون الدولي بمفهوم التنمية المستدامة، حيث تتمتع هذه الأخيرة بقيمة قانونية واضحة، فإن التنمية المستدامة لا تُعتبر مجرد قانون صارم، بل هي إطار مرن يمكن أن يتكيف مع مختلف الظروف. وقد أشار العديد من الباحثين إلى أن النقاش حول التنمية المستدامة قد أغفل تحديد طبيعتها القانونية، مما أدى إلى عدم فهم شامل لهذا المفهوم.(40)

يمكن القول بشكل عام إن الطبيعة القانونية للتنمية المستدامة تتحدد على أساس عنصرين رئيسيين: الأول هو نطاق القانون، والثاني هو دور الدول كمصادر للقانون الدولي المعترف به. وإن الطبيعة القانونية للتنمية المستدامة قد تتجلى بوضوح من خلال الإطار القانوني المحدد الذي ينظمها. ومن المهم أن نلاحظ أن هذا الإطار القانوني قد يتضمن نية واضحة لتعديل القوانين المتعلقة بالتنمية المستدامة، مما يعكس أهمية تطبيقها بشكل فعّال. وبذلك، يمكن اعتبار التنمية المستدامة كإطار قانوني قائم بحد ذاته. وقد تم تعزيز هذا الإطار من خلال مجموعة من المعايير التي تم وضعها خلال فترات مختلفة من التطور القانوني والاجتماعي.

في هذا السياق، يتم تطبيق المبادئ المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة في الوثائق القانونية التي تتناول هذه القضايا، المتعلقة بالتنمية المستدامة مما يساهم في تعزيز الفهم والتطبيق الفعلي لمفاهيم التنمية المستدامة ويعتبر المقتضى المتعلق بالتنمية المستدامة من المواضيع المهمة في مصادر القانون الدولي، حيث يتداخل مع المعاهدات الدولية والاتفاقيات العامة للقانون. إذ أن المقتضيات المتعلقة بالتنمية المستدامة قد تم تضمينها في مصادر القانون الدولي، مما يساهم في تشكيل قواعد قانونية دولية فعالة.(41)

أما التنمية المُستدامة في الاتفاقيات الدولية فتعتبر فترة التنمية المستدامة موضوعاً مهماً في العديد من الوثائق الدولية، بما في ذلك الإعلانات الصادرة عن الدول والقرارات الصادرة عن المنظمات الدولية. ومع ذلك، فإن هذه الوثائق لا تُعتبر مصادر رسمية للقانون الدولي العام، على الرغم من أنها قد تؤدي إلى إنشاء قواعد قانونية تتعلق بالتنمية المستدامة. وتجد التنمية المستدامة أيضاً تعبيراً عنها في عدد من المعاهدات الدولية، حيث تمثل إطارًا للتنمية المستدامة في العديد من الاتفاقيات المتعددة الأطراف. وقد تم التأكيد على أهمية التنمية المستدامة في العديد من تلك المعاهدات. وبالتالي، يمكن القول إن هناك توافقاً بين أعضاء المجتمع الدولي على أن التنمية المستدامة تُعتبر جزءاً من القانون الدولي.(42)

إن مرونة البنود المتعلقة بالتنمية المستدامة الواردة في الاتفاقيات الدولية تشكل عائقًا كبيراً. حيث إن السلطة التقديرية عند تنفيذ الالتزامات الواردة في هذه الاتفاقيات تؤثر بشكل مباشر على مدى تحقيق التنمية المستدامة. فإذا كانت هذه البنود مرنة، فإن الدول قد تجد نفسها في موقف يسمح لها بالتقاعس عن تحقيق الأهداف المنشودة. وبالتالي، تعتبر هذه الاتفاقيات بمثابة إطار عمل وليس ضماناً لتحقيق النتائج. لذلك فإن البنود المتعلقة بالتنمية المستدامة تحتاج إلى صياغة قانونية دقيقة تضمن التزام الدول بتحقيق الأهداف المحددة.(43)

               وتعتبر التنمية المستدامة في العرف الدولي جانب مهمًا من جوانب القانون الدولي، حيث لا يمكن تجاهلها يستند هذا الرأي إلى تبرير وجودها، إذ لا يوجد ما يمنع من تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إطار المعاهدات الدولية والاتفاقيات، ويعتمد ذلك على المبادئ الدولية التي تدعم التنمية المستدامة، والتي اكتسبت قوة من قواعد القانون الدولي العرفي.

 

ويرجع السبب في ذلك إلى أن فترة التنمية المستدامة تتطلب وجود قاعدة قانونية توجه الدول وتلزمها بالتعاون في هذا المجال. وفقًا لهذا الرأي، فإن التنمية المستدامة ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي أيضًا تحقيق للاستدامة والحفاظ على الموارد، مما يتطلب من الدول الالتزام بتحقيق هذه الأهداف.(44)

تطبيقاً لذلك، نجد أن محكمة العدل الدولية في قضية مشروع (GabčíkovoNagymaros) قد اعترفت بأهمية التنمية المستدامة كأمر أساسي، حتى لو تم تناولها بشكل غير مباشر في الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين. كما أكدت المحكمة على ضرورة تحقيق التنمية المستدامة مع مراعاة البيئة، وذلك في ظل التطور العلمي وزيادة الوعي بأهمية هذه القضية. وقد تطورت العديد من القواعد والمعايير التي تعزز هذا المفهوم ليس فقط في السياقات الجديدة، بل أيضًا في إطار الاستدامة المستمرة التي تتطلبها الظروف المالية. لذا فإن هناك حاجة ملحة للتوفيق بين الاعتبارات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاعتبارات البيئية تعتبر البيئة جزءاً أساسياً من إطار مبادئ التنمية المستدامة. وفي هذا السياق، فإن المحكمة الدولية للعدل قد أكدت في قضايا معينة على أهمية هذه المبادئ. يُعتبر مفهوم التنمية المستدامة ذا قيمة قانونية.(45)

ب- الأرضية القانونية الأردنية لتطبيق التنمية المستدامة

تتضمن التشريعات الوطنية في الأردن مجموعة من القوانين التي تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية، ومن بينها قانون الزراعة رقم 13 لسنة 2015، الذي ينظم إدارة الغابات. حيث ينص على أن الوزير المعني يجب أن يحدد الشروط والوسائل اللازمة للحفاظ على الغابات وحمايتها. كما يتطلب القانون تنسيق الجهود بين الوزارات المعنية، ويشمل ذلك تنظيم مشاريع البنية التحتية مثل فتح الطرق وتوسيع الشبكات الكهربائية والمائية، مع مراعاة زراعة الأشجار على جوانب الطرق. وتعتبر الأشجار جزءاً أساسياً من المساحات الخضراء، حيث تلعب دوراً مهمًا في تقليل انبعاثات الملوثات وامتصاص الحرارة من الهواء، مما يسهم في تحسين جودة الهواء. لذا، يجب أن يكون هناك تخطيط مستدام لزراعة الأشجار في المدن، لتعزيز البيئة الصحية للسكان.(46)

وتتطلب اتفاقية باريس تعزيز الجهود لزيادة المساحات الخضراء، حيث تنص المادة (29) من قانون الزراعة على أهمية زراعة الأشجار وتوزيعها مجاناً من قبل الجهات المعنية، بهدف توسيع المساحات الخضراء التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتحقيق عناصرها وابعادها. كما تحظر المادة (31) من قانون الزراعة أي اعتداء على الأراضي الحرجية دون ترخيص، بما في ذلك الرعي أو فتح خطوط الكهرباء والمياه. وتتطلب القوانين الأردنية تقديم طلب رسمي لإزالة الأشجار، ويجب أن يتم ذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية. كما يجب أن يتم الحفاظ على المساحات الخضراء، نظراً لأهميتها في حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة من خلال مساهمة الأشجار في زيادة الثروة الحرجية والامن الغذائي وتقليل الفقر.

وفي عام 2006 اقر قانون حماية البيئة الأردني رقم (52) لكن إصدار قوانين وطنية لحماية البيئة أو التصديق على الاتفاقيات البيئية الدولية والإقليمية لا يكفي. فالمهم تطبيق هذه القوانين والالتزام ببنود الاتفاقيات. وتضمن قانون حماية البيئة الأردنية بنداً ينص على نشر التوعية البيئية في المجتمع، باعتبارها الخطوة الأولى في تفعيل القوانين البيئية على المستوى الوطني. حيث لم يتضمن هذا القانون الأحكام التي تجعل من المهمات الأساسية للإدارات البيئية في الدولة وضع البرامج والخطط للتثقيف والتعليم البيئي مما يجعلها التزاماً قانونياً على الدولة يتطلب اتخاذ التدابير المناسبة للوفاء به. وهذا الاتجاه نجده بصورة خاصة في قانون حماية البيئة في الأردن رقم (52) لعام 2006، عندما نصت الفقرة (ح) من المادة الرابعة على "تنسيق الجهود الوطنية الهادفة لحماية البيئة بما في ذلك وضع إستراتيجية وطنية للوعي والتعليم والاتصال البيئي ونقل واستخدام وتوفير المعلومات البيئية واتخاذ الإجراءات اللازمة لهذه الغاية".

إن الهدف الأساسي من إصدار التشريعات البيئية والتصديق على الاتفاقيات البيئية الدولية والإقليمية ووضع الخطط الخاصة بالتنمية المستدامة هو تطوير التجانس بين الاقتصاد والبيئة والعوامل الاجتماعية. هذا المفهوم الحديث للتشريعات البيئية نجده في التشريعات الوطنية. مثال ذلك الفقرة (أ) من المادة الرابعة من قانون حماية البيئة الأردنية رقم (52) لعام 2006 عندما نصت على ما يلي: "وضع السياسة العامة لحماية البيئة وأعداد الخطط والبرامج والمشاريع اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة"، بهدف الوصول الى مجتمع امن غذائيا، وتقليل نسب الفقر.

وتناول قانون حماية البيئة المكونات الضرورية للحياة، والتي تعتبر عاملا مهما في سيرورة التنمية المستدامة حيث قصر عناصر البيئة في المادة (2) من قانون حماية البيئة رقم (6) لسنة (2017) على التربة والهواء والماء. لان الماء ضروري لبقاء الكائنات الحية، ولا يمكن توفيره لأنه المصدر الطبيعي والأساسي يحتاج أي كائن حي إلى الماء، ومصادر المياه معرضة للاستنزاف والتلوث. ومن هنا، وضع المشرع الاردني، في قانون العقوبات، مواد قانونية لحماية عنصر الماء والهواء والتربة، وينطبق قانون حماية البيئة على قوانين حماية البيئة.

وقد حدد المشرع الأردني على وجه التحديد أحكام البيئة المائية، والتي تشمل: بما في ذلك التخلص من المواد الملوثة في البيئة البحرية ومنطقة الشاطئ، وكذلك رمي أو سكب أي مواد ملوثة من السفن أو السفن المنتقاة من مصدر مناسب المرجان والأصداف وبقايا الطعام المقشورة. فأخرجها من البحر وترك المواد الملوثة للمسطحات المائية، ثم سمح بإيجاد أحكام شاملة في إطار الأنظمة المحمية التي تكون عملا مهما في التنمية المستدامة التي تساعد على تخفيف حدة الفقر والتلوث.(47)

ولم يحدث تطوير لأنظمة بيئية في الأردن، حيث لم تقم الدولة بسن أنظمة تغطي جميع جوانب البيئة، بل تطلبت فقط وضع أنظمة بشأن إدارة المواد والنفايات الخطرة التي لها دور في المساس بالتنمية المستدامة مما يدلل على ان التشريع الأردني لم يضع في الفقرات القانونية التي تخص البيئة ما يركز على التنمية المستدامة وحماية كافة العناصر التي تساعد على الاستمرارية، وتساهم في الحد من التلوث، والمساس بكافة الموارد التي تساهم في الحد من الفقر وتحقق الرفاهية للأفراد.(48)

ونصت المادة (2) من قانون حماية البيئة رقم ()6 لسنة 2017 على تعريف "تغير المناخ" بأنه التغير الذي يحدث في التركيب الجوي للأرض نتيجة لممارسات بشرية تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على البيئة يشمل هذا التغير التأثيرات السلبية التي تحدث على مدى زمني معين، حيث تؤدي الأنشطة البشرية إلى انبعاث غازات دفيئة تمتص الأشعة تحت الحمراء وتعيد بثها، مما يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.كما نصت المادة (18) على أنه يُسمح بالحدود المقررة لانبعاثات المنشآت التي تمارس أنشطة معينة، ويجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من التلوث. يتطلب ذلك الالتزام بشروط الرخصة البيئية والقواعد الفنية المعتمدة، بهدف التحكم في الانبعاثات ومنع تدهور البيئة.

ومن خلال ذلك تعمل وزارة البيئة والوزارات الأخرى ذات العلاقة على تنظيم انبعاثات المصانع من خلال فرض رقابة على الأنشطة البيئية. وقد وضعت الوزارة حدودًا معينة للانبعاثات المسموح بها، مع التأكيد على ضرورة تركيب أجهزة خاصة لرصد وتحديد مستويات هذه الانبعاثات. كما أن هناك أهمية كبيرة لمساهمة هذه الإجراءات في تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس، مما يتماشى مع جوهر الالتزامات البيئية بهدف تحقيق التنمية المستدامة من خلال منع الانبعاثات التي تخرجها المصانع التي تستخدم مصادر غير نظيفة، الامر الذي يؤثر على المناخ، ويلوث البيئة مما يجعل ذلك سبباً في المساس بحياة المواطن.

ثانياً- الطبيعية القانونية للتنمية المُستدامة

عند البحث في طبيعة الحق في التنمية المستدامة، يتبين أنه من الحقوق الحديثة في القانون الدولي، وهدفه تحقيق رفاهية جميع السكان والأفراد. من خلال هذا الحق، تتحقق حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، حيث يسعى إلى القضاء على الفقر وتعزيز كرامة الإنسان من خلال ضمان حقوقه. كما يتطلب الأمر وجود حكم جيد، الذي يُعتبر وسيلة لتحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. ومن الضروري أن تتعاون الحكومات مع المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني، حيث يتوجب عليهم تقديم الدعم من أجل تحقيق التنمية، مع وضع اهتمامات الأفراد والشعوب في مقدمة اهتمامات صانعي القرار ورجال الأعمال.(49)

ونظراً لأن التنمية المستدامة تُعتبر حقاً من حقوق الإنسان، يُلاحظ أن هناك تراكماً كبيراً من الأجيال المتكاملة من حقوق الإنسان، والتي يمكن تصنيفها إلى ثلاث فئات رئيسية: الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأخيراً ما يُعرف بحقوق التضامن، والتي تمثل الأجيال الجديدة من حقوق الإنسان، مثل الحق في التنمية، والحق في بيئة نظيفة، والحق في المساعدة الإنسانية، والحق في السلام.(50)

"إن حق التنمية يُعتبر من الأسس الجوهرية لحقوق الإنسان، حيث يسعى إلى تحسين الأوضاع الغذائية والصحية والسكانية. فالرفاه الاقتصادي يُعد ركيزة أساسية للديمقراطية الحقيقية، ولهذا نجد أن الدول المتقدمة اقتصاديًا قد شهدت الديمقراطية قبل غيرها. إن التنمية تُعتبر مقدمة للديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ لا يمكن وجود ديمقراطية حقيقية في ظل ظروف معيشية غير ملائمة. لذلك، فإن العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان هي علاقة قوية، حيث لا يمكن ممارسة حقوق الإنسان دون وجود تنمية علمية تُعزز من مستوى معيشة الشعب بشكل عام.(51)

1-  تحديد الطبيعة القانونية للتنمية المستدامة

على الرغم من أن القانون الدولي للتنمية يعد حديث العهد، إلا أنه يتمتع بطابع إلزامي. فهو يتميز بالوضوح والدقة والانضباط، حيث يشكل أساسًا للتعاون الدولي من خلال الاتفاقيات الدولية، وقرارات المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة التي ترتبط بشكل مباشر بعملية التنمية الدولية. وبناءاً على العلاقة الوثيقة بين التنمية المستدامة والبيئة، وبعد انعقاد مؤتمر ستوكهولم عام 1926، الذي يُعتبر البداية الأولى التي استمد منها القانون الدولي قواعده المتعلقة بالبيئة، تلت ذلك جهود المجتمع الدولي لوضع القواعد القانونية الدولية. لذا، نجد أن البيئة والتنمية تستندان إلى مجموعة من القواعد القانونية التي تستمد مصادرها من الاتفاقيات الدولية، والمبادئ العامة للقانون، وقرارات المؤتمرات الدولية، والمنظمات العالمية. كما لا يمكن إغفال دور العرف والقضاء الدوليين في تأسيس هذه القواعد.

ويستند الحق في التنمية كحق من حقوق الإنسان إلى نصوص وقرارات الأمم المتحدة ومؤتمراتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ومن بين هذه النصوص، يأتي إعلان الحق في التنمية الذي ينص في مقدمته على أن التنمية المستدامة هي عملية شاملة تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتهدف إلى تحسين مستمر لرفاهية جميع السكان والأفراد من خلال مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة في عملية التنمية وتوزيع الفوائد الناتجة عنها بشكل عادل. كما تم التأكيد على حق الشعوب في السعي لتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية، وحقها في السيادة الكاملة على جميع الثروات والموارد الطبيعية ويبرز الإعلان أيضاً أن السلم والأمن الدوليين هما عنصران أساسيان في تحقيق الحق في التنمية، وأن هذا الحق هو حق غير قابل للتصرف من حقوق الإنسان، وأن تكافؤ الفرص في التنمية هو حق للأمم والأفراد على حد سواء.(52)

أ- القيمة القانونية الدولية للتنمية المستدامة

تتعلق طبيعة القانون الدولي بمفهوم التنمية المستدامة، حيث تُعتبر التنمية المستدامة ذات قيمة قانونية مهمة وقد تم توضيح ذلك من خلال العديد من المعاهدات الدولية. بينما يُنظر إلى التنمية المستدامة كنموذج يُعبر عن التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فإنها لا تُعتبر مجرد قانون مرن، بل تتطلب إطاراً قانونيًا ومعايير محددة. ومع ذلك، قد يتم تجاهل الطبيعة القانونية للتنمية المستدامة في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى عدم تطبيقها بشكل فعّال.(53)

إن الطبيعة القانونية للتنمية المستدامة تتحدد من خلال إطارين رئيسيين: مصادر القانون الدولي المعترف بها. إن الطابع القانوني للتنمية المستدامة قد يتجلى في نطاق قانوني محدد، مما يعني أن له إطار قانوني واضح. وبالنظر إلى الأساليب المتبعة في هذا المجال، نجد أن هناك نية واضحة لتعديل الإطار القانوني القائم، مما يتيح تطبيقه بشكل أكثر فعالية. وبالتالي، يمكن اعتبار التنمية المستدامة كموضوع قانوني بحد ذاته. وهذا يتضح من خلال الإطار الزمني الذي تم تحديده للتنمية المستدامة في سياق حقوق الإنسان والبيئة. هنا، يمكن تطبيق القوانين المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة، والتي تتضمن نصوصًا تتعلق بهذا المجال.(54)

إذا كانت الأدوات القانونية المتعلقة بالتنمية المستدامة تتمتع بالصفة القاعدية، أي أنها تشكل جزءًا من القانون بالمعنى التقليدي كقواعد ملزمة، فإنه يتوجب التمييز بين هذه الأدوات. فبعض هذه الأدوات يتبع ما يُعرف بالقانون الناعم، وهو القانون غير الملزم الذي لا يحمل صفة القاعدة، حيث يقتصر دوره على مجرد التقرير أو الإعلان. وينطبق هذا الوصف على النصوص المتعلقة بالتنمية المستدامة التي وردت في إعلانات المؤتمرات الدولية، مثل إعلان مؤتمر ريو في عام 1992 (المبدأ الثالث)، حيث لا يمثل هذا الإعلان أي قيمة ملزمة، وبالتالي يفتقر إلى أي قيمة قاعدية. علاوة على ذلك، قد تفقد نصوص الاتفاقيات الدولية أيضاً قيمتها القاعدية في الحالات التي تفتقر فيها إلى الالتزام الفعلي.(55)

بالإضافة إلى نصوص إعلانات المؤتمرات الدولية، قد تفقد نصوص الاتفاقيات الدولية قيمتها الأساسية في حال فقدت صفة الإلزام، حيث يتم صياغتها بأسلوب تحفيزي. ومن الأمثلة على ذلك، الاتفاقية المتعلقة بالتغيرات المناخية التي تم التوصل إليها خلال قمة الأرض في ريو عام 1992، والتي تُعتبر من الاتفاقيات التحفيزية غير الملزمة. وعلى الجانب الآخر، يظهر مصطلح التنمية المستدامة في نصوص اتفاقيات ذات قيمة ملزمة، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر التي تم توقيعها في باريس عام 1994.(56)

على الرغم من حداثة القانون الدولي للتنمية، إلا أنه يتمتع بطبيعة ملزمة. فهو يتميز بالوضوح والدقة والانضباط، حيث يضع أسس التعاون الدولي من خلال الاتفاقيات الدولية، وقرارات المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة المرتبطة مباشرة بعملية التنمية الدولية.

تتمتع محكمة العدل الدولية بنوعين من الاختصاص. الأول هو الاختصاص القضائي، الذي تحدده المواد من 44 إلى 47 من النظام الأساسي للمحكمة، حيث يوضح نطاق هذا الاختصاص والشروط اللازمة لتوافره. أما النوع الثاني فهو الاختصاص الاستشاري، الذي يتناوله المواد من (11) -( 17) في النظام الأساسي والتي تحدد نطاق هذا الاختصاص.(57)

الاختصاص القضائي يختص بالفصل في القضايا المعروضة، ويصدر أحكامًا ملزمة للأطراف المعنية. من المهم التمييز بين الاختصاص الاختياري، الذي يشمل جميع القضايا دون تمييز بين المنازعات القانونية والسياسية والاقتصادية، والاختصاص القائم على قبول الأطراف للاختصاص الإلزامي للمحكمة. كما يتضمن هذا الاختصاص مسائل تتعلق بنصوص ميثاق الأمم المتحدة أو المعاهدات أو الاتفاقيات.

تعتبر أحكام محكمة العدل الدولية توضيح لقواعد القانون الدولي، نظراً لأنها صادرة عن هيئة قضائية دولية رفيعة المستوى، حيث تحدد مدى تطبيق تلك القواعد وتوضح معانيها في مسائل معينة. تسهم هذه الأحكام في تحديد قواعد القانون الدولي، مما يساعد في تطويره، خاصة من خلال آرائها الإفتائية.(58)

كما ساهمت بعض المحاكم الدولية في تطوير بعض قواعد القانون الدولي، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته المحاكم الوطنية في هذا السياق من خلال استنباط بعض القواعد، مثل تلك المتعلقة بمبدأ الحصانة للدول والحكومات، والنظر في قضايا تتعلق بتطبيق المعاهدات الدولية، مثل مدى تمتع الأفراد بالحصانة القضائية في الواقع، تنظر المحاكم الوطنية في القضايا ذات الطابع الدولي أكثر مما تفعله المحاكم الدولية.

ومع ذلك، لا يزال دور القضاء الدولي في وضع قواعد القانون الدولي لحماية البيئة وتطويره محدوداً. إلا أن محكمة العدل الدولية تناولت مبادئ مهمة في تسعينيات القرن الماضي تتعلق بالقانون البيئي وحماية البيئة مثل مبدأ التنمية المستدامة.(59)

أما موقف القضاء المحلي تجاه تطبيق الإعلانات والمواثيق الدولية، فقد اتخذ القضاء في بعض التشريعات المحلية موقفًا نشطًا في تطبيق الإعلانات والمواثيق الدولية، مثل القضاء الفرنسي، والقضاء اليوناني والقضاء البلجيكي. واستناداً إلى تعريف التنمية المستدامة الذي تم الإشارة إليه سابقاً يتفق الجميع على أهمية تنظيم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بشكل متكامل. وهذا يعني أن على السلطات العامة، في كل حالة، السعي لتحقيق توازن فعّال بين هذه العناصر الثلاثة، كما يتعين على القاضي التأكد من أن هذا التوازن مضمون. ويعتبر الفقه أن التنمية المستدامة، كهدف دستوري، تتطلب تحقيق توازن في تلبية مصالح متعددة. وفي نفس السياق، يرى البعض أن الأهداف المنصوص عليها في الميثاق تشمل حماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، وهي الأهداف التي تشير إليها المادة (1) من الميثاق الدستوري للبيئة. كما يُعتبر الحق في العيش في بيئة متوازنة تراعي الصحة، والحق في الحصول على المعلومات، والحق في المشاركة، ومبدأ الحيطة من المبادئ الدستورية الواردة فيه. ومن المحتمل أن تشكل فكرة الأهداف الدستورية قواعد ملزمة بحد ذاتها، إلا أنها أقرب إلى التوجيهات، مع إمكانية خضوع المشرع للرقابة في حالة وجود خطأ واضح في التقدير، وقدْ اعتبرَ المجلسُ الدستوريُ منْ جانبهِ أيضا التنميةَ المستدامةَ هدفا دستوريا، ومارسَ رقابتهُ للتحققِ منْ أنَ القانونَ الخاصَ بالسجلِ الدوليِ للسفنِ قدْ اتخذَ تدابيرَ منْ شأنها تدعيمَ الأمنِ البحريِ، وحمايةُ البيئةِ، وأجرى منْ ثمَ التوفيقُ بينَ البيئةِ، والتنميةُ الاقتصادية، والاجتماعية وفقاً لمقتضياتِ المادةِ (1) منْ الميثاقِ. لذا، يتمتع القضاء الفرنسي بموقف خاص تجاه تطبيق الإعلانات والمواثيق الدولية. حيث يقوم القضاء بتمييز بين الأدوات الملزمة وغير الملزمة لتحديد ما إذا كان يجوز للأفراد التمسك بها أو المطالبة بتطبيقها. بالنسبة للأدوات غير الملزمة، القاعدة العامة هي عدم جواز التمسك بها من قبل الأفراد للمطالبة بتطبيقها أمام القضاء. هذه القاعدة تنطبق على الإعلانات والمواثيق المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة. في حكم صادر عن مجلس الدولة الفرنسي في عام 1992، تم الإشارة إلى إعلان مؤتمر ريو حول البيئة والتنمية في عام 1992، والميثاق العالمي للبيئة، والميثاق الأوروبي للبيئة والصحة، حيث تنتج هذه الوثائق آثارًا في القانون الداخلي.(60)

أما القضاء البلجيكي فقد تم إدراج مفهوم التنمية المستدامة لأول مرة في بلجيكا من خلال القانون الصادر في 1 مايو 1992، والذي يُعتبر أداة قانونية تهدف إلى تحقيق التنسيق الداخلي بين الدولة وأقسامها المختلفة في مجال السياسة الفيدرالية للتنمية المستدامة. تُعرف التنمية المستدامة في هذا السياق بأنها تلك التي تلبي الاحتياجات الحالية دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها، ويتطلب تحقيق ذلك إجراء تغييرات تضمن الاستخدام الملائم للموارد وتخصيص الاستثمارات لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية.كما تم تضمين التنمية المستدامة في التعديل الدستوري في بلجيكا بتاريخ 11 نيسان 2002، حيث أُعطيت صفة دستورية كهدف، إذ نصت المادة على أن "تتابع الدولة الفيدرالية، والمقاطعات، والأقاليم، في ممارسة اختصاصاتها المتبادلة، أهداف التنمية المستدامة في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مع مراعاة التضامن بين الأجيال.(61)

ب- طبيعة الحق في التنمية باعتباره من الحقوق الأساسية للإنسان

لم تتناول الوثائق الدولية قبل الرابع من كانون الثاني 1986 بشكل مباشر حق الإنسان في التنمية، باستثناء ما ورد في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان عام 1985، الذي نص على أن لكل الشعوب الحق في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع احترام حريتها وخصوصيتها والتمتع المتساوي بالتراث المشترك للبشرية. ومن هنا، لم يُعتبر الحق في التنمية حقًا فرديًا، بل تم تناوله كحق جماعي للشعوب.(62)

تم الإشارة إلى هذا الحق في سياق الحقوق الاقتصادية والثقافية، كما هو مذكور في ديباجة الأمم المتحدة بالإضافة إلى المادة الأولى التي تتعلق بأهداف الأمم المتحدة في تعزيز التعاون الدولي لحل القضايا الدولية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني. كما ورد في المادة (55) أهمية العمل على تحقيق مستوى معيشة أعلى وتوفير فرص العمل لكل فرد، وتعزيز عوامل التطوير والتقدم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك، يتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في ديباجته، والمادة (22) التي تنص على أن لكل شخص يعتبر جزءاً من المجتمع، ومن حقه أن يحصل على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وذلك من خلال الجهود الوطنية والتعاون الدولي، بما يتماشى مع هيكل كل دولة ومواردها. كما يشير العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 في مقدمته إلى أن الدول تدرك أهمية توفير الظروف اللازمة لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى حقوقه المدنية والسياسية، كوسيلة لتحرير البشر من الخوف والفقر. ويشير العهد أيضًا في المادة (6) إلى التدابير التي يجب على الدول اتخاذها لضمان الحق في العمل، وكذلك التقنيات التي تساهم في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية مستدامة، وتوفير فرص عمل كاملة ومنتجة، في إطار يضمن للفرد الحريات السياسية والاقتصادية الأساسية. كما تتناول وثائق أخرى الحق بشكل غير مباشر.(63)

وتُعبر التنمية المستدامة عن مفهوم الاستقرار، حيث تتمتع بقدرتها على التواصل والاستمرار. فهي تمثل تقدماً يهدف إلى تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال القادمة، وتعتمد على أعمدة أساسية تتمثل في الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مما يساهم في تعزيز الرفاهية بين الأجيال.(64)

يُعتبر التعاون الدولي أساساً قانونياً لقانون التنمية الدولي، وهو ما نستخلصه من النصوص الموجودة فيه التي تشكل نقطة انطلاق لجميع المنظمات الدولية المعنية بقضايا التنمية. ورغم أن هذه النصوص جاءت بشكل عام وليست كأزمات قانونية محددة، إلا أنها تُعد الركيزة الأساسية للأمم المتحدة في صياغة استراتيجياتها التنموية. عند مراجعة نص المادة (31) من ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية الصادر في 16 كانون الثاني 1924، يتضح أهمية مشاركة جميع الدول في تحقيق التقدم الاقتصادي العالمي، وأن الرخاء لن يتحقق للدول الأعضاء إلا من خلال التعاون فيما بينها. كما نصت المادة (56) في الفصل التاسع من ميثاق الأمم المتحدة على أن "يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا منفردين أو مشتركين بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لتحقيق الأهداف المنصوص عليها، وتساهم الأمم المتحدة في تكرار تطبيق تلك النصوص في تعزيز فعاليتها، وتخلق شعوراً لدى الدول بأهمية احترامها وتنفيذها " .(65)

وتم الإشارة إلى الحق في التنمية المستدامة بشكل غير مباشر في إعلان فيلادلفيا الذي يتعلق بأهداف منظمة العمل الدولية، والذي أقره المؤتمر العام للمنظمة في 5 نوفمبر 1944. حيث أكد الإعلان على حق جميع البشر، بغض النظر عن الجنس أو العقيدة أو النوع، في السعي نحو رفاهيتهم المادية وتقدمهم الروحي، في بيئة تتسم بالحرية والكرامة والاستقلال الاقتصادي وتكافؤ الفرص. وفي الوقت نفسه، اعترفت لجنة حقوق الإنسان بشكل صريح بالحق في التنمية كحق من حقوق الإنسان وأوصت المجلس الاقتصادي والاجتماعي بدعوة الأمين العام لدراسة الأبعاد الدولية لهذا الحق وعلاقته بحقوق الإنسان. وقد أسفرت هذه الدراسة عن تأكيد وجود الحق في التنمية، مع التأكيد على واجب الدول الأعضاء في توفير الظروف اللازمة لتحقيق هذا الحق.

وفي عام 1981، أصدرت لجنة حقوق الإنسان قرارًا بإنشاء فريق عمل حكومي لدراسة نطاق ومضمون الحق في التنمية، بالإضافة إلى أنجع الوسائل لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد كررت الجمعية العامة هذا المبدأ عدة مرات، مؤكدة أن الحق في التنمية هو حق غير قابل للتصرف من حقوق الإنسان، حيث اعتمدت إعلان الحق في التنمية في 16 نيسان1986.(66)

وأكد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عُقد في فيينا عام 1993 على أهمية الحق في التنمية، حيث نص في الفقرة العاشرة على أن هذا الحق هو حق أصيل ولا يمكن فصله عن حقوق الإنسان الأساسية. كما تناول المؤتمر قضايا مهمة تهدف إلى إزالة العقبات التي تعترض الاعتراف بهذا الحق، بما في ذلك تعزيز التنمية الاقتصادية للدول النامية، والتخلص من المواد السامة والخطرة، وإلغاء ديون الدول النامية. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت لجنة حقوق الإنسان بموجب القرار 26/1998 فريق عمل ثالث مخصص للحق في التنمية والذي تم تكليفه بعدة مهام، منها تنفيذ الحق في التنمية وتقديم الاستشارات والإرشادات لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن تطبيق هذا الحق.(67)

               وإن حق التنمية يُعتبر من الأسس الجوهرية لحقوق الإنسان، حيث يسعى إلى تحسين الظروف الغذائية والصحية والسكانية. فالرفاه الاقتصادي يُعد ركيزة أساسية للديمقراطية الحقيقية، ولهذا نجد أن الدول المتقدمة اقتصاديًا قد شهدت الديمقراطية قبل غيرها. إن التنمية تُعتبر مقدمة للديمقراطية وحقوق الإنسان، فلا يمكن أن توجد ديمقراطية حقيقية في غياب مستوى معيشي جيد للإنسان. لذا، فإن العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان هي علاقة قوية، إذ أنه بدون تنمية علمية تُعزز من قدرات الشعب بشكل عام، لا يمكن ممارسة حقوق الإنسان بشكل فعّال.(68)

عند مراجعة إعلان الأمم المتحدة حول الألفية (2000) الذي عُقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك من 6 - 8 ايلول 2000، فان أن المواد من 11 إلى 61 قد خصصت للتنمية ومكافحة الفقر. وقد أكدت هذه المواد على الالتزام بتحقيق الحق في التنمية لكل فرد، والعمل على تخليص البشرية من الفقر. كما شددت على أهمية توفير بيئة ملائمة تعزز التنمية وتساعد في القضاء على الفقر، مع الإشارة إلى القلق بشأن التحديات التي تواجهها البلدان النامية في جمع الموارد اللازمة لتمويل تنميتها المستدامة، والتعهد ببذل الجهود اللازمة لتحسين مستوى تمويل التنمية.(69)

(1) تنمية المستدامة والحقوق المدنية والسياسية

أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق الشعوب في تقرير مصيرها ومكانتها السياسية حيث يحق لها السعي لتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى التصرف بحرية في ثرواتها ومواردها الطبيعية. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول من العهد على أن "لكل الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بموجب هذا الحق حرة في تحديد مركزها السياسي، وحرة في السعي لتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". كما أوضحت الفقرة الثانية من نفس المادة أن "لكل الشعوب، في سعيها نحو تحقيق أهدافها الخاصة، الحق في التصرف بحرية في ثرواتها ومواردها الطبيعية دون الإخلال بأي التزامات ناتجة عن التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة، ولا يجوز بأي حال حرمان أي شعب من مقومات عيشه الأساسي.(70)

(2) تنمية المستدامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية

في سياق الحديث عن التنمية المستدامة، نجد أنفسنا أمام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. حيث تنص الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول من العهد على أن "لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها، وهي بموجب هذا الحق حرة في تحديد مركزها السياسي، وكذلك حرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي".

كما تشير الفقرة الثانية من نفس المادة إلى أن "لكل الشعوب الحق في التصرف بحرية بثرواتها ومواردها الطبيعية، سعياً وراء تحقيق أهدافها الخاصة، دون الإخلال بأي التزامات ناتجة عن التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة، ووفقاً للقانون الدولي، فلا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان أي شعب من مقومات عيشه الأساسي.(71)

(3) التنمية المُستدامة وحق تقرير المصير

من المهم الإشارة إلى قرار الجمعية العامة رقم 1813 (د-12) الصادر في 14 كانون اول 1966، والذي يحمل عنوان "السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية". في هذا القرار، تم الإشارة إلى القرار 1314 (د-13) الصادر في 16 كانون اول 1958، حيث تقرر إنشاء لجنة السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية كجزء من حق تقرير المصير. كما تم التأكيد على ضرورة الالتزام بحقوق الدول وواجباتها وفقًا للقانون الدولي، مع التأكيد على أهمية تعزيز التعاون الدولي في مجال التنمية الاقتصادية للدول النامية. كما تضمن القرار 1515 (د-15) الصادر في 15 كانون اول 1961 توصية باحترام الحق المطلق للدول في التصرف بثرواتها ومواردها الطبيعية. وقد تم التأكيد على أهمية تشجيع التعاون الدولي من أجل التنمية الاقتصادية للدول النامية، حيث نصت المادة الخامسة على ضرورة تشجيع الممارسة الحرة التي تعزز سيادة الشعوب والأمم على ثرواتها ومواردها الطبيعية، مع الالتزام بالاحترام المتبادل بين الدول على أساس المساواة المطلقة.

2- دور التشريعات والاتفاقيات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة

توجد العديد من الوثائق الدولية التي أشارت إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تتعلق بالتنمية المستدامة. من بين هذه الوثائق: نتائج خطة جوهانسبرغ التنفيذية، وتوافق آراء مونتيري الذي تم التوصل إليه خلال المؤتمر الدولي الثاني لتمويل التنمية(72)، وإعلان الدوحة بشأن تمويل التنمية، الذي يمثل الوثيقة الختامية لمؤتمر المتابعة الدولي لتمويل التنمية المعني باستعراض تنفيذ توافق آراء مونتيري. كما تشمل هذه الوثائق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي توفر الإطار القانوني للأنشطة في المحيطات، وتؤكد على الطابع الجوهري لهذه الأنشطة والارتباط الوثيق بين قضايا المحيطات وضرورة معالجتها بشكل شامل من خلال نهج متكامل ومتعدد التخصصات والقطاعات. بالإضافة إلى ذلك، هناك اتفاقية التنوع البيولوجي ومؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، وخاصة اتفاق باريس.

بالإضافة إلى الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المعنونة "المستقبل الذي نصبو إليه"، والتي تتضمن التزامات هامة تتعلق بالبيئة الساحلية والبحرية، هناك أيضًا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1/70 الصادر في 25 ايلول 2015، والذي يحمل عنوان "تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030". هذا القرار يتضمن مجموعة من الأهداف والغايات العالمية الشاملة والطويلة الأمد المتعلقة بالتنمية المستدامة. كما يشمل القرار 313/69 المؤرخ 27 تموز 2015 بشأن خطة عمل أديس أبابا التي صدرت عن المؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية، والتي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من خطة التنمية المستدامة لعام 2030. بالإضافة إلى ذلك، هناك برنامج العمل من أجل التنمية المستدامة للدول الجزرية الصغيرة النامية (برنامج عمل بربادوس)، واستراتيجية موريشيوس لمواصلة تنفيذ برنامج العمل من أجل التنمية المستدامة للدول الجزرية الصغيرة، وكذلك برنامج عمل أقل البلدان نموا (برنامج عمل اسطنبول)، وبرنامج عمل العقد 2020-2010.(73)

أ- التشريعات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة

تسعى التنمية المستدامة إلى تحقيق نوعية حياة أفضل للسكان يتطلب التركيز على أنشطة المجتمع والبيئة والعمل على تحسين جودة حياة الأفراد من خلال معايير الحفاظ على البيئة وإصلاحها. يتضمن ذلك إعداد وتنفيذ مشاريع وبرامج اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها، بما يضمن العدالة في استغلال الموارد البيئية كما يسعى لتحقيق النمو الاقتصادي التكنولوجي الذي يحافظ على رأس المال الطبيعي من الموارد البيئية ويتطلب ذلك وجود مؤسسات وبنية تحتية تضمن المساواة في توزيع الثروات بين الأجيال الحالية والمستقبلية وحماية البيئة تتطلب شراكة عالمية تشمل المجتمع المدني والحكومة والقطاع الخاص، بالإضافة إلى تفعيل التعليم والتدريب والتوعية والتقييم في القضايا البيئية. يجب إطلاق الطاقات البشرية وتنميتها وتعزيز مفهوم المواطنة البيئية للحفاظ على البيئة من المخاطر التي تهددها. ويتطلب الأمر أيضاً تحليل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية والبيئية، وذلك من منظور شامل وتكاملي يأخذ بعين الاعتبار وحدة البيئة الكلية وعلاقتها بالموارد والطاقات المتاحة، مع العمل على الحد من الإسراف والتبذير.(74)

(1) إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية 1992م

يعتبر هذا الإعلان من الوثائق الأساسية التي تعزز الحق في التنمية المستدامة. وهو بيان رسمي غير ملزم قانونياً، يتضمن مجموعة من المبادئ التي تعكس التوافق العالمي حول أهمية الحفاظ على البيئة في سياق التنمية المستدامة. ويرى البعض أن أهمية هذا الإعلان تعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية(75):

§     اللغة التي صيغ بها الإعلان، حيث جاءت بصيغة الأمر، على عكس إعلان استوكهولم، مما يتطلب من الدول الالتزام. وقد أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الإعلان، معتبرةً أنه يتضمن مبادئ أساسية للتنمية المستدامة.

§      دعت إلى إنشاء لجنة مختصة بهذا المجال، وحثت الحكومات وأجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى على اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان متابعة فعالة للإعلان. وإن صدور الإعلان في شكل سبعة وعشرين مبدأً يعد بمثابة اتفاق شامل تم التفاوض عليه بالإجماع من قبل المشاركين في مؤتمر قمة الأرض.

§     ينبغي على جميع الدول، سواء المتقدمة أو النامية، قبول هذه المبادئ كما هي. وقد شكل ذلك تحدياً كبيراً للمشاركين في المؤتمر، حيث كان من الصعب دمج متطلبات التنمية الاقتصادية مع حماية البيئة في وثيقة واحدة متكاملة.

(2) أعمال القرن الحادي والعشرين وبرنامج متابعة تنفيذ جدول أعمال القرن.

(أ)- جدول أعمال القرن الحادي والعشرين، الذي انبثق عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية الذي عُقد في ريو دي جانيرو في الفترة من 14 - 3 حزيران 1992م، يتضمن في مرفقه الثاني ديباجة وأربعة أبواب.  تناول الباب الأول الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، حيث شمل مواضيع مثل: التعاون الدولي لتعزيز التنمية المستدامة في البلدان النامية، والسياسات المحلية ذات الصلة، ومكافحة الفقر، وتغير أنماط الاستهلاك، والديناميات الديمغرافية والاستدامة، وحماية وتعزيز صحة الإنسان، وتعزيز التنمية المستدامة للمستوطنات البشرية، بالإضافة إلى إدماج البيئة والتنمية في صنع القرار.

أما الباب الثاني، فقد جاء بعنوان "صون وإدارة الموارد من أجل التنمية"، واحتوى على عدة مواضيع رئيسية  منها: حماية الغلاف الجوي، وتبني نهج متكامل لتخطيط وإدارة الموارد الأرضية، ومكافحة إزالة الغابات  وإدارة النظم الإيكولوجية الهشة، بما في ذلك مكافحة التصحر والجفاف، والتنمية المستدامة للجبال، وتعزيز الزراعة والتنمية الريفية المستدامة، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وحماية التكنولوجيا الحيوي للسكان الأصليون ومجتمعاتهم يلعبون دورًا مهمًا في تعزيز هذا الدور، بالإضافة إلى تعزيز دور المنظمات غير الحكومية ومبادرات السلطات المحلية في دعم جدول أعمال القرن الحادي والعشرين. وفي الباب الأخير الذي جاء بعنوان وسائل التنفيذ، تم تناول مواضيع تتعلق بالموارد والآليات المالية، ونقل التكنولوجيا الصديقة للبيئة وتعزيز التعليم والوعي العام والتدريب. كما تم التركيز على الآليات الوطنية والتعاون الدولي لبناء القدرات في البلدان النامية، والترتيبات المؤسسية الدولية، والصكوك والآليات القانونية الدولية، بالإضافة إلى المعلومات الضرورية لعملية صنع القرار.(77)

(ب) برنامج مواصلة تنفيذ جدول أعمال القرن الحادي والعشرين، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها د.أ-2/19 خلال جلستها العامة الحادية عشرة في 28 يونيو 1997، يتناول التزام رؤساء الدول والحكومات ورؤساء الوفود، بالإضافة إلى شركائهم من المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية، بالتقدم الذي تم إحرازه خلال السنوات الخمس التي تلت مؤتمر قمة الأرض. يهدف القرار إلى تجديد الالتزام باتخاذ مزيد من التدابير المتعلقة بالأهداف والغايات التي حددها المؤتمر، وتنفيذ جدول الأعمال في المجالات التي تتطلب إجراءات عاجلة، بالإضافة إلى الترتيبات المؤسسية الدولية وبرنامج العمل المتعدد السنوات للجنة التنمية المستدامة للفترة من 1998 - 2002.(78)

إعلان جوهانسبرج وخطة التنفيذ بشـــأن التنمية المســــتدامة (مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة 2002)

تتمثل المهمة الرئيسية لهذا المؤتمر في تقييم مدى الالتزام بتطبيق السياسات والمعايير التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر ريو. وقد أسفر مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة الذي عُقد في عام 2002 عن إصدار وثيقتين رئيسيتين(79):

§     إعلان جوهانسبرج بشأن التنمية المستدامة، والذي يُعتبر إعلاناً سياسياً يؤكد على المسؤولية الجماعية للمجتمع الدولي في حماية البيئة وتحقيق رفاهية الشعوب في الحاضر والمستقبل. كما يتناول الإعلان التحديات التي تواجه الإنسانية، مثل الفجوة الكبيرة بين الدول الغنية والفقيرة، واستنزاف الموارد السمكية، والآثار السلبية للتغير المناخي، والتصحر، والتراجع المستمر في التنوع البيولوجي، وزيادة ضعف الدول النامية، والتلوث المستمر للمياه والهواء والبحار. كل هذه القضايا تتطلب إيجاد حلول فعالة وبذل جهود دولية من أجل تحقيق التنمية المستدامة.

§     خطة تنفيذ مؤتمر جوهانسبرج، وهي خطة عمل دولية شاملة تهدف إلى تحديد النقاط الأساسية المتعلقة بتطبيق السياسات على المستويين الدولي والوطني، بما في ذلك كيفية تقليل الفقر وتطبيق استراتيجيات الإنتاج المستدام.

مما سبق فان هناك العديد من الوثائق الدولية التي أشارت إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تتعلق بالتنمية المستدامة. من بين هذه الوثائق: نتائج خطة جوهانسبرغ التنفيذية، وتوافق آراء مونتيري للمؤتمر الدولي الثاني لتمويل التنمية، وإعلان الدوحة بشأن تمويل التنمية، الذي يمثل الوثيقة الختامية لمؤتمر المتابعة الدولي لتمويل التنمية المعني باستعراض تنفيذ توافق آراء مونتيري. كما تشمل هذه الوثائق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي توفر الإطار القانوني للأنشطة في المحيطات، وتؤكد على الطابع الجوهري والترابط الوثيق بين مشكلات المحيطات وضرورة معالجتها بشكل شامل من خلال نهج متكامل ومتعدد التخصصات والقطاعات. بالإضافة إلى ذلك، هناك اتفاقية التنوع البيولوجي ومؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وخاصة اتفاق باريس، فضلاً عن الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة.

تتعلق التنمية المستدامة، المعنونة "المستقبل الذي نصبو إليه"، بالالتزامات المتعلقة بالبيئة الساحلية والبحرية. كما تشمل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1/70 الصادر في 25 ايلول 2015، والذي يحمل عنوان "تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030"، حيث تم اعتماد مجموعة من الأهداف والغايات العالمية الشاملة والطويلة الأمد المتعلقة بالتنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن القرار 313/69 المؤرخ 27 تموز 2015 بشأن خطة عمل أديس أبابا التي صدرت عن المؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية، والتي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من خطة التنمية المستدامة لعام 2030. كما تشمل الوثائق الأخرى برنامج العمل من أجل التنمية المستدامة للدول الجزرية الصغيرة النامية (برنامج عمل بربادوس)، واستراتيجية موريشيوس لمواصلة تنفيذ برنامج العمل للدول الجزرية الصغيرة، وكذلك برنامج عمل إسطنبول لصالح أقل البلدان نمواً بالإضافة إلى برنامج عمل العقد 2020-2011.

وقد دعت عدة مؤتمرات بشأن حماية الحق في التنمية المستدامة تمثلت في الآتي:

§      مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية (مؤتمر ستوكهولم):

عُقد المؤتمر في 5-6 حزيران 1972 يُعتبر أول مؤتمر عالمي يضع البيئة في صدارة القضايا العالمية. وقد اعتمد المشاركون مجموعة من المبادئ لإدارة البيئة بشكل سليم، بما في ذلك إعلان وخطة عمل ستوكهولم من أجل البيئة البشرية بالإضافة إلى العديد من القرارات الهامة. وتضمن إعلان ستوكهولم 26 مبدأ، مما جعل القضايا البيئية في مقدمة الاهتمامات الدولية، وفتح باب الحوار بين الدول الصناعية والدول النامية حول العلاقة بين النمو الاقتصادي وتلوث الهواء والماء والمحيطات والموارد الطبيعية، وتأثير ذلك على رفاهية الناس في جميع أنحاء العالم. كما شملت خطة العمل ثلاث فئات رئيسية: برنامج التقييم البيئي العالمي (خطة المراقبة)، وأنشطة الإدارة البيئية، والتدابير الدولية لدعم أنشطة التقييم والإدارة على المستويين المحلي والدولي. وقد تم تقسيم هذه الفئات إلى 109 توصيات. ومن النتائج البارزة للمؤتمر هو إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة.(80)

ودعت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى التعاون في اتخاذ تدابير خاصة لحماية الحياة والسيطرة على التلوث الناتج. وقد صدر عن المؤتمر إعلان حول البيئة الإنسانية، وهو أول وثيقة دولية تتناول مبادئ العلاقات بين الدول فيما يتعلق بالبيئة وسبل التعامل معها، بالإضافة إلى المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بها. كما دعا الإعلان الحكومات ووكالات الأمم المتحدة إلى معالجة القضايا المتعلقة بالتلوث البيئي وتحسين المدن ومناطق السكن الأخرى للإنسان. يحتوي هذا الإعلان على مجموعة من المبادئ الأساسية، من أبرزها: حق كل إنسان في العيش في بيئة ذات جودة جيدة، وضرورة تحمل الأفراد مسؤولية حماية البيئة وتحسينها لصالح الأجيال القادمة، بالإضافة إلى مسؤولية الدولة في ضمان عدم تسبب أنشطتها في تدمير البيئة، وغيرها من المبادئ الهامة.(81)

§     مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (UNCED) المعروف بقمة الأرض، عُقد في ريو دي جانيرو، البرازيل، من 14 - 3 حزيران 1992:

عبّر الأمين العام للمؤتمر، موريس سترونج، عن هدف المؤتمر بقوله: "إننا بحاجة إلى تحقيق توازن مستدام وعادل بين البيئة والتنمية"، وذلك لوضع الأسس لمشاركة عالمية بين الدول النامية والدول المتقدمة لضمان مستقبل كوكب الأرض، نظرًا لتداخل هذه الاحتياجات والمصالح.

بمناسبة الذكرى العشرين للمؤتمر الأول المعني بالبيئة البشرية الذي عُقد في ستوكهولم، السويد، عام 1972، جمع هذا المؤتمر قادة سياسيين ودبلوماسيين وعلماء وممثلي وسائل الإعلام ومنظمات غير حكومية من 179 دولة، في جهد هائل للتركيز على تأثير الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية للبشر على البيئة. كما تم تنظيم "منتدى عالمي" للمنظمات غير الحكومية في ريو دي جانيرو، حيث شارك عدد غير مسبوق من ممثلي هذه المنظمات، الذين قدموا رؤاهم حول مستقبل العالم فيما يتعلق بالبيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.(82)

§      مؤتمر جوهانسبرغ 2002م:

يأخذ المؤتمر في اعتباره أيضاً إعلان ريو حول البيئة والتنمية والوثائق ذات الصلة التي صدرت عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام 1992م. كما يستند إلى الوثائق الختامية الناتجة عن مجموعة من المؤتمرات العالمية التي تناولت قضايا التقدم الاجتماعي من أجل التنمية (كوبنهاجن، 1993)، وحقوق الإنسان (فيينا، 1993)، والسكان والتنمية (القاهرة، 1994)، والدول الجزرية الصغيرة والتنمية المستدامة (بربادوس، 1994)، والمرأة والتنمية (بيجين، 1995)، وأقل البلدان نمواً (سل، 2001)، وتمويل التنمية مونتيري، (2002).(83)

§      قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في نيويورك، من 25 - 27 ايلول 2015:

اجتمع أكثر من 150 من قادة العالم في مقر الأمم المتحدة بنيويورك للمصادقة رسميًا على جدول أعمال جديد طموح للتنمية المستدامة. وقد تضمنت الخطة الجديدة، المعروفة باسم "تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030"، 17 هدفاً للتنمية المستدامة و169 هدفاً فرعياً. الهدف الرئيسي من هذه الخطة هو إيجاد طرق جديدة لتحسين حياة شعوب العالم، والقضاء على الفقر، وتعزيز الرخاء والرفاهية للجميع بالإضافة إلى حماية البيئة ومكافحة تغير المناخ وغيرها من القضايا المتعلقة بالتنمية المُستدامة.

يتضح من ذلك تعدد الوثائق الدولية التي تناولت أو أشارت إلى التنمية المستدامة، مما يعكس أهميتها وضرورة إعمال مبادئها من قبل المجتمع الدولي للخروج من الأزمات التي يواجهها. خاصة في الوقت الراهن حيث يتطلب الأمر تكاتف وتعاون جميع الدول، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، لمواجهة التحديات التي أعقبت جائحة كورونا، والتي أثرت سلباً على العالم وزادت من حالات الفقر والمرض، وأدت إلى تراجع الاقتصاد وأخرت التنمية في العديد من الدول.(84)

ب- الاتفاقيات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة

تعتبر فترة التنمية المستدامة من الموضوعات المهمة في العديد من الوثائق الدولية، حيث تتضمن الإعلانات الصادرة عن الدول والقرارات التي تتخذها المنظمات الدولية. تُعتبر هذه الوثائق من المصادر الأساسية للقانون الدولي العام، حيث تساهم في تشكيل القواعد القانونية المتعلقة بالتنمية المستدامة.

على الرغم من وجود العديد من التحديات، فإن التنمية المستدامة تحظى باهتمام كبير في مختلف الاتفاقيات الدولية. هناك أكثر من مئة اتفاقية دولية متعددة الأطراف تتعلق بالتنمية المستدامة، مما يعكس التزام المجتمع الدولي بهذا الهدف، وتُظهر هذه الاتفاقيات توافق الدول الأعضاء على أن التنمية المستدامة تُعتبر جزءاَ أساسيًا من القانون الدولي.

إن القانون الدولي يتعامل مع العديد من القضايا المتعلقة بالتنمية المستدامة، حيث يمكن أن يتداخل مع عدد من المعاهدات الدولية. ومع ذلك، فإن هذه المعاهدات قد لا تتمتع بقيمة قانونية قوية، حيث تقتصر فعاليتها على نطاق معين. ومع ذلك، من خلال التحليل الدقيق، نجد أن هناك ارتباطًا بين التنمية المستدامة والعديد من المعاهدات الدولية التي تتناول قضايا بيئية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تُعتبر التنمية المستدامة هدفاً تسعى الدول لتحقيقه من خلال التزاماتها في هذه المعاهدات.(85)

وإذا كانت التنمية المستدامة قد أصبحت جزءًا من القانون الدولي، فإن هناك العديد من البنود المتعلقة بها في المعاهدات الدولية. هذه البنود تهدف إلى تعزيز المرونة في تطبيق التنمية المستدامة، مع التركيز على أهمية الدقة والالتزام بالصياغات المحددة. كما أن هذه البنود تشجع على التعاون بين الدول، حيث يتم تحديد التزامات معينة لكل دولة. ومع ذلك، قد تواجه بعض الدول صعوبات في الالتزام بهذه البنود بسبب عدم مرونتها، مما قد يؤدي إلى عدم تطبيق بعض القواعد الأساسية في القانون الدولي.(86) ويُعتبر جانب من جوانب التنمية المستدامة موضوعًا مهمًا في السياق الدولي. يعتمد هذا الجانب على تبرير وجوده من خلال القوانين الدولية، حيث يتضح أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين التنمية المستدامة والالتزامات الدولية. وقد اكتسبت هذه القوانين قوة من خلال قواعد القانون الدولي العرفي. وتأتي أهمية التنمية المستدامة من قدرتها على تعزيز القواعد القانونية التي توجه الدول وتلزمها بالالتزامات القانونية. إن تحقيق الاستدامة والحفاظ عليها يتطلب من الدول الالتزام بتلك القوانين، مما يجعلها مسؤولية تقع على عاتقها.(87)

 

الهوامش

1)    James Crawford, Brownlie’s Principles of Public International Law, Oxford University Press, 2012, p. 358.

2)    Melissa Clack, Vaughn Lowe Et Al., International Law and Sustainable Development: Past Achievements and Future Challenges, edited by Alan Boyle and David Freestone, Denver Journal of International Law and Policy, Winter, 2003, p. 145

3)    Alraggad, Mishael Mohammad (2024) Legal Aspect to Ensuring Sustainable Development in Jordan: Countering Crime and Shadow Operations, International Journal of Sustainable Development and Planning Vol. 19, No. 6, June 2024, pp. 2361.

4)     كانت غرو هارلم بروندتلاند رئيسة وزراء النرويج السابقة، واختيرت بسبب خلفيتها القوية في العلوم والصحة العامة. حُلّت لجنة برونتلاند رسميًا في ديسمبر عام 1987، بعد إعلان تقرير مستقبلنا المشترك، المعروف أيضًا باسم تقرير برونتلاند في أكتوبر عام 1987.

5)     كامل، عمار حاتم (2022) تطور مفهوم واهداف التنمية المستدامة، مركز تنمية أعالي حوض الفرات، جامعة الأنبار، ص:1.

6)    WCED (World Commission on Environment and Development), Our Common). Future, Oxford: Oxford University Press, 1987.

7)     دوجلاس موسشيت، (2000) مبادئ التنمية المستدامة ترجمة: بهاء شاهين، الدار الدولية للاستمارات الثقافية، ص:17.

8)     اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، الامم المتحدة الاسكوا، (1998) مشاركة المجتمعات المحلية في التنمية الحضرية في منطقة الاسكوا نيويورك.

9)     والي، عبد الهادي محمد)1991 (التنمية. مدخل لدراسة المفهومات الأساسية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية- مصر، ص:45-49.

10)  [1] الجابري، علي عبد الكريم (2012) دور الدولة في تحقيق التنمية المستدامة في مصر والأردن، دار دجلة، عمان-الأردن، ص51-56.

11)  غنيم، عثمان محمد، أبو زنط، ماجدة (2007) التنمية المستدامة، فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان -الأردن، ص:61.

12)  الهيتي، سهير إبراهيم حاجم (2014) الآليات القانونية الدولية لحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت-لبنان، ص:113.

13)  الحامد مالك حسين(2014 )  الابعاد الاقتصادية للمشاكل البيئية واثر التنمية المستدامة، ط1، دار دجلة ، عمان-الأردن، ص:669 .

14)  الباز، إسماعيل (2014)، نهج التنمية المستدامة وموانع التمكين سياسات، مفاهيم، توجيهات، المكتب العربي الحديث، الإسكندرية-مصر، ص،202.

15)  الحامد، مالك حسين (2014) الابعاد الاقتصادية للمشاكل البيئية وأثر التنمية المستدامة، ط1، دار دجلة، عمان-الأردن، ص:229.

16)   Grosskurth, J. & J. Rotmans (2005) The Scene Model: Getting a grip on Sustainable Development in Policy Making. Environment, Development and Sustainability, 7, no.1, 135–151

17)  الهيتي، سهير إبراهيم حاجم (2014)، الآليات القانونية الدولية لحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، ص.112-113.

18)  أبو زيد، واخرون (2013) النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية (الأبعاد السياسية والاجتماعية)، ط1، الدو المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة-قطر، ص: 996-997.

19)  الصرن، رعد (2001) نظم الادارة البيئية والايزو، ط1، دار الرضا، دمشق- سوريا، ص:34.

20)  غنيم، عثمان، وأبو زنط، ماجدة، (2014) التنمية المستديمة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها، دار صفا عمان-الاردن ، ص: 30.

21)  عبد الغني، محمد فتحي (2020) تطور مفهوم التنمية المستدامة وابعاده ونتائجه، المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، المجلد (50) ، العدد(2) ، ص:412-413.

22)   Todaro, M. P., & Smith, S. (2006). Economic Development. Addison-Wesley New York.

23)  الجابري، علي عبد الكريم (2012)، دور الدولة في تحقيق التنمية المستدامة في مصر والأردن، دار دجلة، عمان—الأردن، ص.:56-51

24)  عبد الغني، محمد، مرجع سابق، ص:414.

25)  أحمد، ضرار، المرجع السابق، ص:9-10.

26)   Adams, W. (2001). Green Development: Environment and Sustainability. in the Third World, second edition, Routledge, London.

27)   Mather, A., & Chapman, K. (1995). Environmental Resources. Longman, London.

28)  السالم، أحمد، مرجع سابق، ص:8.

29)  الأمم المتحدة ،2003، وثيقة الأمم المتحدة /2003/22E

30)  أحمد، ضرار الماحي العبيد (2008)   نشأة وتطور مفهوم التنمية المستدامة، مجلة التنوير، العدد (5): 7 – 8.

31)   Bigg, T. (2004). The World Summit on Sustainable Development: was it worthwhile? in Bigg, T. (ed.) Survival for a Small Planet: The Sustainable Development Agenda, Earthscan/IIED, London, p: 3–22.

32)   United, Nations, General Assembly, 66th Session. 2012, para. 4 .

33)   United Nations General Assembly, 66th Session. 2012, pp. para. ,7-246 .

34)   International Court of Justice, Reports of Judgments, Advisory Opinions and Orders, Legality of the Threat or Use of Nuclear Weapons, 8 July 1996, para. 29, p. 241-.242.

35)   International Tribunal for the Law of the Sea, Case concerning the Conservation and Sustainable Exploitation of Swordfish Stock in the South-Eastern Pacific Ocean (Chile/European Union), Order, 20 December 2000, para.

36)   Elizabeth Fisher, Bettina Lange, and Eloise Scotford, Environmental Law: Text, Cases & Materials, Oxford University Press, 2013.p:406.

37)   Neil E. Harrison, Constructing Sustainable Development, State University of New York Press, 2000, p:112-.311

38)   Ulrich Beyerlin and Thilo Marauhn, International Environmental Law, Hart Publishing Ltd, 2011.p:37-38.

39)   Daniel Barstow Magraw and Lisa D. Hawke, Sustainable Development, in Daniel Bodansky, Jutta Brunnee and Ellen Hey, The Oxford Handbook of International Environmental Law, Oxford University Press, 2007, p: 624. 

40)   Vaughan Lowe, Sustainable Development and Unsustainable Argument, in Alan Boyle and David Freestone, International Law and sustainable development, Past Achievements and Future Challenges, Oxford University Press, 1999, p:31.

41)   Luis A. Avilés, IN THIS ISSUE: RIO+20: SUSTAINABLE DEVELOPMENT AND THE LEGAL PROTECTION OF THE ENVIRONMENT IN EUROPE, Sustainable Development Law & Policy, Spring, 2012, p: 30

42)   Virginie Barral, Sustainable Development in International Law: Nature and Operation of an Evolutive Legal Norm, European Journal of International Law, Vol. 23 no. 2, 2012.p: 383-384.

43)   Vaughan Lowe, Sustainable Development and Unsustainable Argument, in Alan Boyle and David freestone, International Law and sustainable development, Past Achievements and Future Challenges, Oxford University Press, 1999.p:23-24.

44)   Gabčíkovo-Nagymaros, International Court of Justice, Case Concerning the Project (Hungry/Slovakia) Reports of Judgments, Advisory Opinions and Orders, Judgments of 25 September 1997., op. cit, p: 88-89.

45)  حمادين، عيسى مصطفى (2017) دور التشريعات البيئية في الاردن في تعزيز التنمية المستدامة وحماية البيئة وملائمتها مع اتفاقية باريس، مؤتمر اتفاقية باريس بين التشريعات الوطنية والتنمية المستدامة “الجامعة الأردنية، عمان-الأردن.

46)  الملكاوي، ابتسام سعيد، (2009) جريمة تلويث البيئة – دراسة مقارنه، عمان، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الإصدار الثاني، ص: 57-58.

47)  يونس، ابراهيم احمد (2008) البيئة والتشريعات البيئية، ط1، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان-الأردن ، ص:93.

48)  القبلاوي، سهيل حسي (2010) القانون الدولي العام في السلم، ط1، دار الثقافة للنشر، عمان-الأردن، ص: 441 -442.

49)  العنكبي، نزار (2010) القانون الدولي الإنساني، ط1، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان -الأردن ، ص:93 -94.

50)  الخزرجي، عروبة جبار (2012) القانون الدولي لحقوق الأنسان، ط2، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، ص:145.

51)  بسيوني، محمود شريف (2006) الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، المجلد الأول، ط3، دار الشروق، القاهرة-مصر، ص:961-963.

52)   Daniel Barstow Magraw and Lisa D. Hawke, Sustainable Development, in Daniel Bodansky, Jutta Brunnee and Ellen Hey, The Oxford Handbook of International Environmental Law, Oxford University press, 2007, p: 624.

53)   Virginie Barral, Sustainable Development in International Law: Nature and Operation of an Evolutive Legal Norm, European Journal of International Law, Vol. 23 no. 2, 2012,p:383.

54)  محمد محمد عبد اللطيف (2021) قانون التنمية المستدامة، ط1، دار النهضة العربية للنشر، القاهرة -مصر، ص: 74.

55)  محمد، محمد، مرجع سابق، ص:71.

56)  السيد، رشاد عارف (2001) الوسيط في المنظمات الدولية، ط1، دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع، عمان -الأردن، ص:131.

57)  الفتلاوي، سهيل حسين، مرجع سابق، ص: 191.

58)  عبد اللطيف، محمد، محمد، مرجع سابق، ص: 38-39.

59)  عبد اللطيف، محمد، مرجع سابق، ص: 30.

60)  العناني، إبراهيم محمد (1992) الحماية الدولية لحق الإنسان في التنمية، مجلة الدبلوماسي: وزارة الخارجية، معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد (15) ، ص:.48

61)  العناني، إبراهيم، الحماية الدولية لحق الإنسان في التنمية، مرجع سابق، ص: 49.

62)  الطاهر، قادري محمد (2013) التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق، ط1، مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع، ص:73.

63)  خليفة، إبراهيم أحمد (2007) دور الأمم المتحدة في تنمية الشعوب الإفريقية في ظل التطورات الدولية المعاصرة، دراسة في الطبيعة القانونية للقاعدة الدولية للتنمية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية -مصر، ص: 58-59.

64)  علوان محمد يوسف، والموسى، محمد خليل (2014) القانون الدولي لحقوق الإنسان، الحقوق المحمية، ط4، دار الثقافة عمان-الأردن، ص412-419.

65)  علوان محمد يوسف، الموسى، محمد خليل، مرجع سابق، ص419

66)  الخزرجي، عروبة جبار، مرجع سابق، ص148-914

67)  قرار الجمعية العامة للأمم بشأن الألفية وثيقة الأمم المتحدة 55/ A RES ، المنعقد في نيويورك من 6 - 8 أيلول/2000.

68)  قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، المؤرخ في 16 كانون الأول   1966 المقرر بدء نفاذه بتاريخ 63/ اذار / 1926 طبقا للمادة 49.

69)  قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 6611 ألف د-61 المؤرخ في 16 كانون الأول/ 1966 المقرر بدء نفاذه بتاريخ 3 كانون الثاني/ 1926 طبقا للمادة 62.

70)  تقرير المؤتمر الدولي لتمويل التنمية، مونتيري، المكسيك، 22-18 آذار/مارس .2002

71)  الاقرع ، عبدالقادر محمود، مرجع سابق، ص:2020.

72)  الطويل، فتحية (2017) التنمية المستدامة عملية للتغير الاجتماعي، أعمال المؤتمر العلمي الدولي: الوقف الإسلامي والتنمية المستدامة: مركز البحث وتطوير الموارد البشرية، ص:11.

73)  المهتدي بالله، أحمد (2019)   الطبيعة القانونية للتنمية المستدامة في إطار أحكام القانون الدولي العام، مجلة القانون والاقتصاد، العدد (92)، ص: 27.

74)  الأقرع، عبدالقادر محمود (2024) الحق في التنمية المستدامة في سيناء في ضوء قواعد القانون الدولي، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، (ISSN: 2356 – 9492)  ،ص:2018 .

75)  الأقرع، عبد القادر محمود، الحق في التنمية المستدامة في سيناء في ضوء قواعد القانون الدولي، ص:2019.

76)  المهتدي بالله، أحمد، مرجع سابق، ص:148.

77)   https://www.un.org/ar/conferences/environment/stockholm1972 .

78)  العناني، إبراهيم محمد مرجع سابق، ص: 4-5.

79)  العناني، إبراهيم محمد، مرجع سابق، ص: 22

80)  الاقرع، عبد القادر محمود، مرجع سابق، ص:2022.

81)   https://www.un.org/ar/conferences/environment/newyork2015 ، اأ

82)   Virginie Barral, previous reference, p: 384.

83)   Luis A. Avilés, IN THIS ISSUE: RIO+20: SUSTAINABLE DEVELOPMENT AND THE LEGAL PROTECTION OF THE ENVIRONMENT IN EUROPE, Sustainable Development Law & Policy, Spring, 2012, p: 30.

84)   Vaughan Lowe, Sustainable Development and Unsustainable Argument, in Alan Boyle and David freestone, International Law and sustainable development, Past Achievements and Future Challenges, Oxford University Press, 1999, p: 23-25.

 


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟