أستطيع أن أؤكد أنه لا يوجد مصرى ليست لديه قناعة كاملة ونفس مطمئنة بأن مصرنا العزيزة «محروسة» من كل شر، محروسة أولاً بعناية الله سبحانه وتعالى وحفظه، ومحروسة بآل بيت النبوة الكرام الذين احتضنهم ترابها بكل حب واعتزاز
ومحروسة بشعبها الذى نال شرف تقدير رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم باعتبار المصريين خير أجناد الأرض. وكون مصر محروسة فى تقدير المصريين بل فى تقدير الكثير من الأشقاء العرب والمسلمين، يجعلها مبعث طمأنينة وثقة فى امتلاك القدرة على تجاوز كل الصعاب، لكننى فضلاً عن ذلك أدرك عن يقين وثقة أن مصر ليست فقط محروسة بل هى أيضا «محظوظة».
مصر محظوظة لأنها كنانة الله سبحانه وتعالى فى أرضه، ومصر محظوظة بموقعها الجغرافى المتفرد فى قلب العالم وبمكانتها التاريخية التى لا تنافسها مكانة، وأستطيع أن أقدم عشرات وربما مئات المبررات كى أثبت وأؤكد أن مصر محظوظة مثلما هى محروسة، لكن السبب المهم الذى يدفعنى إلى الاعتقاد وبثقة أن مصر محظوظة فى هذه الظروف الصعبة التى نعيشها، «ظروف التحدى الكبير»: تحدى الإرهاب وأعوانه فى الداخل وتحدى تضامن ودعم أطراف دولية وأطراف أخرى إقليمية لهذا الإرهاب، هو تلك الخصوصية التى تحكم التجربة الانتخابية الرئاسية الراهنة.
فقد شاءت الأقدار أن يتنافس فى هذه الانتخابات فارسان ينتميان إلى فصيل قوى الثورة دون غيرهما: المشير عبد الفتاح السيسى والأستاذ حمدين صباحي، حيث لم يجرؤ أحد من الفصائل والقوى المعادية والمضادة للثورة أن يطرح مرشحاً منافساً لهذين المرشحين، وهذا يعنى أن الثورة باتت تملك من الروادع النفسية القوية ما يمنع المعادين للثورة من التجرؤ على تحدى الإرادة الشعبية والزج بأحد رموزهم لينافس على رئاسة مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، لكن هذا لا يعنى أن هذه القوى المعادية للثورة قد هزمت هزيمة كاملة أو أنها قبلت بخيار الاستسلام، لكنها تخطط لخيارات أخرى بديلة.
فالقوى المحسوبة على نظام مبارك تعمل الآن فى اتجاهين؛ الأول، هو الانخراط فى حملة دعم المشير عبد الفتاح السيسى وطرح نفسها كحاضنة ووعاء للرئاسة الجديدة، سواء عبر الأموال التى تنفقها أو عبر الشخصيات والرموز والكفاءات التى فرضت نفسها بشكل مباشر أو غير مباشر على حملة المشير، أو من خلال مواقعها فى معظم المحافظات حيث ينشط قادة الحزب الوطنى ونوابه السابقون فى البرلمان ضمن حملة الدعاية الانتخابية باعتبارهم «حزب المشير». أما الاتجاه الثانى فهو الاستعداد القوى للفوز بأغلبية أعضاء البرلمان الجديد عبر مسارات متعددة، منها طرح أفكار تتعلق بالقانون الجديد للانتخابات البرلمانية بحيث يجئ هذا القانون بالشكل الذى يجعل مرشحى الحزب الوطني، أو أى حزب سينخرطون فيه، هم الأوفر حظاً فى هذه الانتخابات، ومنها توظيف انخراطهم فى حملة المشير لتجديد شرعيتهم المهدورة من خلال الزعم بأنهم أصحاب الفضل الأول فى إنجاح المشير باعتباره الفائز المؤكد، من وجهة نظرهم، فى هذه الانتخابات، والتعامل بمنطق تصفية الحسابات مع المرشحين الآخرين باعتبارهم من خارج دائرة حملة الرئيس أو من أنصار المرشح الرئاسى الآخر ومن ثم فإن «الإقصاء السياسى» يجب أن يكون مصيرهم كى يتفرد هؤلاء بالفوز فى تلك الانتخابات البرلمانية ليعودوا مجدداً إلى السلطة بشرعية جديدة مزيفة لشرعية الثورة وسيحرصون على إسقاطها والانتقام منها ومن أعوانها.
أما القوى المحسوبة على الإخوان وتحالف ما يسمى «دعم الشرعية» فإن خيارهم الأبرز هو إفشال الانتخابات الرئاسية بقدر استطاعتهم، من خلال ثلاثة مسارات: أولها، التشكيك فى شرعيتها داخل مصر وخارجها من منظور التعامل معها باعتبارها أحد إفرازات ما يسمونه «الانقلاب». وثانيها، شن حملة دعائية مكثفة لمنع الناخبين من الذهاب إلى مقار اللجان الانتخابية للتصويت. فالهدف عندهم هو أن تأتى المشاركة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية عند الحد الأدنى وثالثها، استخدام أقصى قدراتهم على العنف الدموى لتخويف وإرهاب المصريين ومنعهم من الخروج للتصويت.
نحن إذن أمام طرف محسوب على نظام مبارك يسعى إلى سرقة الانتخابات الرئاسية وسرقة الرئيس الجديد توطئة لسرقة الانتخابات البرلمانية من أجل هدف واحد ومحدد هو إسقاط ثورة 25 يناير، ونحن أيضاً أمام طرف آخر محسوب على الإخوان وتحالف ما يسمى «دعم الشرعية»، هدفه هو إسقاط ثورة 30 يونيو.
تحديات خطيرة تفرض على كل قوى الثورة الوعى بها والعمل على إفشالها من خلال الحرص على جعل المنافسة الانتخابية بين المشير عبد الفتاح السيسى والأستاذ حمدين صباحى منافسة بين مرشحين باسم الثورة، وهذه هى الحقيقة التى لا أجد حرصاً عليها بين معظم من يقودون الحملة الانتخابية للمشير ومن يقودون الحملة الانتخابية لحمدين صباحي. كثير من هؤلاء يدفع إلى جعل الحملة معركة «تكسير عظام» أو جعلها «معركة صراع صفري» لا تعرف إلا نتيجة واحدة هى الفوز الكامل لطرف والخسارة الكاملة للطرف الآخر.
وإذا كان ما يجمع بين المشير عبدالفتاح السيسى والأستاذ حمدين صباحى أكبر بكثير جداً مما يفرق بينهما، فمن الواجب أن يحرص الطرفان وأن نحرص نحن جميعاً على جعل هذه الانتخابات فرصة مواتية للانتصار مجدداً للثورة، وأن نجعلها فرحة كبرى لكل المصريين، ومنافسة شريفة داخل معسكر الثورة، لأنها تجرى بين متنافسين من أبرز رموزها دون مشاركة من أعدائها. فالانتخابات ستتم سريعاً وبعدها سوف نجلس جميعاً لنحصى المكاسب والخسائر. فمكاسب الفائز وخسائر المنهزم لن يدفع ثمنها غير مصر وكل المصريين والثورة وكل قواها الثورية، وإذا كنا حريصين على أن نخرج منتصرين فعلينا ألا ننسى لحظة أن المنافسة على الانتخابات الرئاسية هى منافسة ضمن فصيل الثورة، وأننا محظوظون للاختيار بين: الصالح والأصلح من فرسان هذه الثورة، وبعد الانتخابات علينا أن نتعامل مع كل من المرشحين على أنه فائز وليس هناك منهزم إلا أعداء الثورة، وأى تصور آخر قائم على منهاجية الصراع ستكون نتائجه حتماً خصماً من رصيد الثورة ولمصلحة أعدائها.
علينا بعد الانتخابات أن نعى عن يقين وثقة المقولة الخالدة للإمام زيد بن على (زين العابدين) بن الحسين فى تصويره لمعركة الخلافة بين سيدنا أبى بكر والإمام على بن أبى طالب رضى الله عنهما، حيث حسم موقفه واضحاً من ذلك الصراع الخطير الذى فرق الأمة، فقد اعتبرها معركة اختيار بين «الفاضل» و«المفضول» فإذا كان جده علىّ صحابيا فاضلا فإن اختيار الأمة لسيدنا أبى بكر جعلته «المفضول»، وعندما نتعامل هكذا مع انتخاباتنا الرئاسية بهذه الرؤية باعتبارها مفاضلة بين من هو «فاضل» ومن هو «مفضول» أياً كانت النتيجة ومن سيكون المفضول الفائز ومن سيكون الفاضل فإننا سنخرج منتصرين بإذن الله وعندها سوف نكون جميعاً على يقين بأن «مصر محظوظة» مثلما أنها «محروسة».