لقاء عن تجربة التحول الديمقراطي في الهند
في ضوء الانفتاح على
التجارب الديمقراطية في العالم والاستفادة منها، عقد المركز مائدة مستديرة تحدث
فيها الأستاذ الدكتور مصطفى علوي عن" تجربة التحول الديموقراطي في
الهند"، كونها تجربة متميزة ومختلفة في مجتمع يعاني من الزيادة الرهيبة
للسكان وما تحمله من تعقيدات، وتنوعات ثقافية وتعددية دينية.
يأتي ذلك اللقاء في سياق
مهم وتساؤل ملح، وهو لماذا لم تنجح ثورات الربيع العربي في إقامة نظام سياسي ديمقراطي
حتى الآن؟
هنا يؤكد الدكتور مصطفى
علوي أن هناك عدداً من المؤشرات التي يمكن من خلالها مقارنة تجربة الهند بالتجربة
المصرية؛ ومنها مؤشر "الاستقرار الدستوري". إن أحد أوجه الاختلاف
الأساسية هي تلك المتعلقة بالثبات والاستقرار الدستوري، حيث شهدت مصر دساتير
مختلفة في 1923، 1930 وإعلان دستوري سنة
53، دستور 56، ودستور الوحدة 1958، ودستور 1964، ودستور 1971 الذي عرف ثلاثة تعديلات 1985، 2005، 2007،
وإعلان مارس 2011، ودستور 2012، دستور 2014، فهناك حالة من عدم الاستقرار الدستوري
في مصر خلال 90 سنة.
وبالتالي لا يمكن لدولة في ظل عدم الاستقرار الدستوري.
مقارنة مع مصر، فإن عملية كتابة الدستور في الهند مرت بمراحل مختلفة؛ فقد تم تشكيل لجنة من 60 أكاديمياً من أساتذة القانون الدستوري والإداري والعلوم السياسية واستمرت هذه العملية لأكثر من عام، وقدمت المسودة الأولى إلى الأحزاب السياسية مع مطالبتهم مراجعة ذلك التصور، والتعليق عليها كتابةً وإبداء الملاحظات وإرسالها للجنة مرة أخرى لتأخذ اللجنة منها ما يمكن وتترك ما تترك. ثم أعطت اللجنة حصيلة هذه النقاش لأقدم هؤلاء الأساتذة، عكف عليه لفترة من الزمن وأخرج مشروع الدستور الهندي والذى لم يحدث فيه تغيير حتى الآن منذ 1998. وبالتالي الهند لم تعرف سوى دستور واحد وهذا هو أساس البناء السياسي الديمقراطي، الراسخ.
إن ستور الهند، هو من أطول وأكثر الدساتير المستقلة في العالم شمولاً، والذي دخل حيز التنفيذ في 26 يناير 1950. ومقدمة الدستور تعرِّف الهند باعتبارها دولة ذات سيادة، وأنها جمهورية اشتراكية وعلمانية وديموقراطية.
وتمتلك الهند مجلسين تشريعيين برلمانيين يعملوا بنظام وستمنستر البرلماني. كان يوصف شكل الحكومة عادة بالـ "شبة الاتحادي" مع وجود مركز قوي وولايات أضعف، ولكن نما بصورة متزايدة فيدراليا منذ اواخر عام 1990 كنتيجة للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وكذلك فيما يتعلق بالبعد الحزبي: هذه الظاهرة لافتة للنظر حيث يبلغ عدد الأحزاب 94 حزب وأكثر من 250 ائتلاف ثوري، كما يصاحب هذه الظاهرة انشقاقات عديدة، وهذا مؤشر خطير؛ لأنه يدل على الانقسام والتفتت، أما التجربة الهندية بها حزبين كبيرين (حزب المؤتمر، وحزب بهاراتيا جاناتا) وخمسة أحزاب صغيرة .
أما على مستوى مؤسسة الرئاسة: في مصر على مدار 60 سنة الأخيرة لم تكن هناك مؤسسة للرئاسة بل كانت هناك رئيس، وفي الحالتين الهندية والأمريكية هناك مجالس داخل مؤسسة الرئاسة موازية للوزارات وبها مستشارين ولهم أكثر من وظيفة، مثل طرح الأفكار الرئيسية للسياسات إلى المجالات المختلفة ولذلك فإن عدد أعضائهم في الحالة الأمريكية 1500 وزير ومستشار.
كما أن هناك ازدواجية في عمل المجالس في مصر والتي لها، تقريباً، نفس الاختصاصات، مما سيترتب عليه اضطراب في صناعة السياسات (مجلس الأمن القومي والدفاع الوطني). وليس لهذين المجلسين اجتماعات دورية وآلية عمل منتظمة، وق كان من الممكن أن يكون هناك اجتماع شهري كما في الحالة الأمريكية، يغلب على المجلس الصفة العسكرية (أساتذة العلوم) السياسية في أمريكا).
والنظام في الهند نظام برلماني ويوجد بمجلس الوزراء مجالس ممتدة كل المجالات المختلفة في الحياة السياسية والاجتماعية (مجلس للصحة، وللتعليم، وللفقر ...إلخ)، وهذه المجالس تعمل يومياً وتقدم تقارير دورية أسبوعية وشهرية وبها عدد مستشارين في مختلف المجالات وظيفتهم الأساسية تقديم تقارير دائمة لمؤسسة الرئاسة وصناع القرار، وعددهم حوالي 1500 شخص. في حين أن النظام السياسي في مصر مازال نظاماً رئاسياً وهذا يتطلب وجود مثل هذه المجالس لكى تقترح السياسات وتنظر السياسات التي تبنتها السلطة التنفيذية.
وبالتالي نختار في الحالة المصرية الاستقرار ثم وجود بنيان مؤسسي قوى حتى تستطيع أن تعمل مؤسسات الدولة وتقدم بواجباتها تجاه المواطنين.
الهند اليوم أصبحت ضمن أكبر 18 دولة في العالم لديهم أقمار تجسس، لقد أدركت الهند أن التقدم العالمي، والاقتصادي هو الذى سيمكِّنها من امتلاك قوة عسكرية رادعة للتعامل مع مشكلة كشمير، بدلاً عن المواجهات المباشرة والمسلحة، وهذا المنطق جزء من الثقافة الآسيوية والسياسة طويلة النفس حيث مثلاً لم تعود هونج كونج للصين إلا عام 1998م.
إذن، إن خصوصية عدم الاستقرار الدستوري، انعكس بالتالي على النظرة للمجالس والمؤسسات الحديثة للدولة، بل انعدم الاستقرار زاد بعد 25 يناير على المستوى الدستوري مثلاً إصدار قوانين متتابعة مثل قانون الإرهاب وغيرها.
المقارنة بين الحالة المصرية وشرق أوروبا.
1- التقدم الصناعي كان الفارق بين التجربتين.
2- وجود الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي، وهذا يسر من التقليل من تكلفة التحول الديموقراطي لـ هذه البلدان. وهنا التساؤل: هل لعبت الثقافة السياسية لـ مصر دوراً في هذا الوضع لمثل حالة التشرذم الحادثة في المجتمع؟
3- الانفاق على البحث العلمي.
والسؤال: كيف استطاعت الهند أن تنجز هذا التقدم السياسي، على الرغم من عدم وجود نقلة اقتصادية مماثلة أو بنفس الدرجة، ووجود فجوة ضخمة بين الأغنياء والفقراء؟ ويرى دكتور علوي أن ذلك يرجع إلى: اتساع قاعدة الطبقة الوسطى في الهند، والتقدم العلمي والتكنولوجي الواضح، والتعددية والتنوع الموجود، بالإضافة للجهود المبذولة من الدولة في مجال محاربة الفقر والقضاء على العشوائيات ومعدومي السكن. وهذا هو الذى أعطى للهند وضعها الحالي.