كل ما يريده المواطن المصري البسيط الآن بعد أن استقر
الحكم للرئيس المنتخب المشير عبد الفتاح السيسي، أن يصل إليه اليقين بأن مصر «بدأت
تسير في الطريق السليم».
والطريق السليم الذي يعنيه هذا المواطن هو طريق الاستقامة
في الحكم أي تحقيق «الحكم الصالح» أو «الحكم الرشيد» لكن لكي نحقق ذلك فإن المسئولية
تقع على الشعب تماماً مثلما تقع على الرئيس.
لقد اتفقنا جميعاً أن نكون شركاء في تحمل المسئولية
الوطنية، وألا يتوقف دورنا على اختيار الرئيس، فالدرس الأهم الذي خرجنا به من تجربة
ثلاثة عقود مريرة من السياسة والحكم الفاسد والمستبد في مصر وبعد ثورتين عظيمتين أبهرتا
العالم ألا نترك مصر أبداً، أن تكون عقولنا وضمائرنا مشغولة بها ليل نهار، وأن نقيم
مؤسسات الحكم الجديدة على قواعد باتت معروفة في «الحكم الرشيد»، وأن تكون «التنمية
السياسية» ملازمة لجهود تحقيق «التنمية الاقتصادية» وأن يكون الحق والعدل أساس الحكم،
وأن تكون الحرية والكرامة للمواطن والعزة والسيادة للوطن عنوانه، وألا نسمح أبداً بعودة
نظام الاستبداد والفساد، وأن نكون على وعي بأن بداية أي سقوط هي الاستبداد والطغيان
الذي ينشأ كنتيجة حتمية للسلطة المطلقة، أي السلطة غير المراقبة، لأننا على يقين بأن
«السلطة المطلقة مفسدة مطلقة»، والمعنى المباشر لغياب المراقبة هو غياب المشاركة الشعبية
الفعَّالة.
وإذا كنا قد انخرطنا باهتمام شديد وعظيم في مهمة اختيار
الرئيس الذي نراه الأكفأ والأقدر لتحمل المسئولية والأمانة لأن يقود مصر نحو الطريق
المستقيم الذي لا يعرف اعوجاجا أو انحرافا بالسلطة عن رغبات الشعب وأهداف ثورته، فعلينا
الآن واجب الانتصار للرئيس كي يستطيع أن يقوم بالمهمة التي كلفناه بها، وعلينا أيضاً
أن نكمل خريطة الطريق بانتخاب برلمان بالجدية والاهتمام ذاته اللذين اخترنا بهما الرئيس
وبالطريقة والآلية نفسيهما. أن ننتصر للرئيس بأن نعينه على تحقيق الأهداف ومواجهة التحديات
وأن نتصدى معه لجماعات المصالح الذين يتصورون أنهم قادرون بأموالهم على شراء السلطة
أو ابتزازها والضغط عليها.
وعلينا جميعاً أن نكمل المهام المتبقية من خريطة الطريق
وهي مهمة انتخاب مجلس النواب، ونحن على وعي بأن ما نقوم به مهمة ثورية ومهمة وطنية
بكل المعاني، ولكي ننجح في ذلك علينا أن نسأل أنفسنا أولاً: ما هي المهام التي حددها
الدستور للبرلمان ولعضو البرلمان، وما هي الآمال والأهداف التي نريد من البرلمان أن
يحققها كمؤسسة وطنية وظيفتها الأولى تشريع القوانين التي نريدها ويحتاجها بلدنا، ووظيفتها
الثانية هي رقابة ومحاسبة الرئيس والحكومة وكل مؤسسات وأجهزة الدولة لضمان الاستقامة
المأمولة كي لا ينحرف الحكم نحو استبداد أو فساد. ثم بعد أن ندرك هذا كله نقف مع أنفسنا
ومع وطننا وقفة حق وواجب بأن نختار من نثق فيه أنه سوف ينوب عنا في الحكم ليكون عضواً
في البرلمان قادراً على أن يشرع لنا ما نحتاجه من قوانين، وأن تكون لديه الدراية والعلم
والقدرة والشجاعة والاستقامة لمراقبة ومحاسبة أداء السلطة التنفيذية بجميع مستوياتها
ومؤسساتها لمصلحة الشعب والوطن.
وإذا كان الواجب الوطني والمشاركة يفرضان علينا أن
نحسن اختيار النواب كما أحسنا اختيار الرئيس فعلينا قبلها أن نختار أفضل الآليات الانتخابية
التي تعطينا كمواطنين فرصة الاختيار الأفضل بين المرشحين وهذا يقودنا إلى قانون انتخابات
البرلمان الذي يجب أن يكون هدفه هو الوطن وحده، بتمكين المواطن من أن يختار بحرية كاملة
النائب أو النواب الذين يثق في امتلاكهم الكفاءة والاقتدار والاستقامة للقيام بالمهمة.
وبأمانة شديدة استطيع أن أقول إن قانون الانتخابات
الذي أقرته الحكومة وأصدره الرئيس عدلي منصور في عجالة لا يحقق أبداً هذه الأهداف بل
ينحرف بهذه المهمة الوطنية الجليلة، وأخشى أن يكون الهدف الخفي وراء صياغة مثل هذا
القانون هو المجىء ببرلمان ضعيف وهزيل يعلن الولاء المسبق للرئيس، وأن يكون سنده في
أن يصدر ما يريده الرئيس من قوانين دون تبصر أو تدقيق ودون أي نية أو قدرة على القيام
بوظيفتي المراقبة والمحاسبة، وأن يعود البرلمان، على نحو ما كان في عهد نظام مبارك،
كياناً أخرس أبكم، وإن نطق لا ينطق إلا كفراً ولا يحيد عن تكرار كلمة «موافقون».
الكارثة أن بعض محترفي تضليل الحاكم تحت عنوان «الولاء»
يتصورون ويروجون أن قيام البرلمان بهاتين الوظيفتين يدخل في باب «العيب» اعتقاداً بأن
الرئيس الذي اخترناه بحب واحترام، يجب أن يكون فوق الرقابة والمحاسبة. متجاهلين أن
هذا الرئيس قد تربى في مؤسسة وطنية تخضع بصرامة شديدة لقواعد الرقابة والمحاسبة. فعلى
مدى مشوار خدمته في القوات المسلحة كان دائماً يُراقب ويُحاسب من جانب مرؤوسيه ممن
يعلونه رتبة، وهو نفسه كان يراقب ويحاسب وبصرامة كل مرؤوسيه ثقة منه أن ذلك هو الذي
يضمن ويحقق الاستقامة.
الرجل مدرب على المراقبة والمحاسبة وسيكون أسعد إنسان
عندما يجد من يصحح له الأخطاء، ويقدم له باحترام الإرشادات. أما أن نسعى إلى المجىء
ببرلمان عاجز ومشلول كل المأمول منه أن يتستر على الأخطاء وأن يقول «موافقون» فهذا
انحراف بالواجب الوطني وخيانة لواجب نصرة الرئيس. وما يقال عن القانون السىء يقال عن
التحالف الانتخابي المشبوه الذي يؤسس الآن ويقال إن هدفه هو «تشكيل حزب يكون ظهيراً
سياسياً متماسكاً، ويعمل على الحصول على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة،
في محاولة لمساعدة الرئيس المنتخب على تمرير مشاريع القوانين التي يحتاجها خلال فترة
حكمه».
لقد سبق أن أعلن الرئيس وتعهد بأنه لن يؤسس حزباً باسمه،
ولن يجعل نفسه رئيساً لأي حزب، لأنه يدرك أن الشعب كله حزبه، وأنه ليس في حاجة إلى
وسيط بينه وبين الشعب، وأنه عندما سيكون على رأس أي حزب، سوف يجد نفسه، شاء أم أبى،
ينحرف عن طريق الاستقامة، ويقع في الشرك الذي وقع فيه قبله حسني مبارك بحزبه الوطني
ووقع فيه محمد مرسي مع أهله وعشيرته. لكن البعض لا يتورع أبداً عن الغواية وتعمد الإفساد
والفساد، وهذا ما يجب أن يرفضه الرئيس، ليحفظ نفسه عن أي انحياز، ويحمي نزاهة حكمه،
ونحن يجب أن نشجعه على ذلك ونسانده.
من حق كل شخص وكل حزب وكل جماعة أن تشكل الأحزاب والتحالفات
التي تريدها، وأن تشكل الحكومة التي تأملها لكن دون تدليس على الشعب ودون ظلم للرئيس
تحت غطاء الانتصار الزائف له، فالانتصار الحقيقي للرئيس أن نعينه على أن يسير بالوطن
نحو الصراط المستقيم الذي لا يعرف اعوجاجا نحو استبداد أو فساد ولا ينحرف عن الحق والعدالة
وتحقيق الحرية والعزة والكرامة، وهذه مسئولية كل الشعب ومسئولية الرئيس