مستقبل حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي
أقام المركز العربي للدراسات والبحوث مؤتمره الأول حول
"مستقبل حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي"، ثم أصدر كتابا يضم
الأوراق البحثية. وقد اشتمل الكتاب على سبعة محاور، توزعت على خمسة عشرة ورقة
علمية وأربعة أوراق نقاش.
تناول المحور الأول "خريطة معرفية لحركات الاسلام
السياسي في بلدان الربيع العربي"، وشمل على ورقتين، تناولت الأولى المنطلقات
الفكرية والنظرية: الخطاب الطحاوي نموذجا للدكتور محمد حافظ دياب، وعرض فيها
المؤلف لخطاب أبي جعفر الطحاوي، بغرض التعرف على المكونات الأولى لمسيرة السلفية،
انطلاقا من أن هذا الخطاب أشمل محاولة للفهم الأولي للمشروع السلفي، فانقسمت
الورقة إلى: التعريف بأبي جعفر الطحاوي؛ الوقوف على أبعاد الخطاب الطحاوي من تأكيد
على حجية النص وحرفيته وإيثار السلف، والإيمان بالنقل على العقل، ومناوأة الفلسفة
والمنطق اليوناني، ودحض التأويل الكلامي، وتغييب فاعلية الإنسان؛ ثم تقييم نقدي
للخطاب؛ وعرض لمحاولات إعادة إنتاج الخطاب. فيما تناولت الورقة الثانية من المحور
للدكتور كمال حبيب "التيارات السلفية والمشاركة السياسية .. الحالة
المصرية"، تناولت مسألة رؤية السلفية للمشاركة السياسية. فكان همها التركيز
على صور السلفية وتياراتها ومواقفها من المشاركة في الشأن السياسي، وانتهت إلى أن
الدعوة السلفية لا تزال في مرحلة التبرير، وتحتاج للانتقال إلى مرحلة التأويل، أي
الانتقال لمرحلة الاجتهاد الفكري.
ومع ذلك فإن الأوراق المقدمة في هذا المحور، لا تعبر عن
العنوان المقدم، إذ يفترض أن نجد أنفسنا أمام خريطة تفصيلية بالتيارات الفكرية
المؤسسة لقيام حركات الإسلام السياسي، والتمثيل ببعض التطبيقات.
فيما يتناول المحور الثاني "رؤى حركات الاسلام
السياسي في بناء الدولة والمجتمع"، وفيه ورقتان، الأولى "رؤى حركات
الاسلام السياسي لدستور مصر" للدكتور عبدالله المغازي، والثانية "رؤى
حركات الاسلام السياسي للهوية"، للدكتور قدري حفني. اهتمت الأولى كما هو بادي
من العنوان بتوجهات التيار الاسلامي من الدستور، وقسمتها لتوجهات: اتجاه رفض
المشاركة في التصويت لدستور 2014، واتجاه شارك بالتصويت بالرفض، وثالث شارك
بالتصويت بالموافقة. بينما اهتمت الورقة
الثانية بمسألة الهوية؛ رؤية الذات ورؤية الآخر، كموضوع معبر عن عملية تشكيل صورة
الفرد داخل الحركات الاسلامية وصورة الآخر، ورغم أهمية هذا التحديد الدقيق
للموضوع، ضاع جهد الباحث في محاولة تفكيك التصورات الجاهزة عن صورة الإرهابي،
وصورة الأزهر كمؤسسة معتدلة، أو الحديث عن عمليات التجنيد عن بعد، وغيرها من
القضايا غير ذات صلة ببعضها، حتى تأتي الورقة لهدفها الرئيسي في المحور التاسع
منها بتناول "من نحن ومن هم؟"، تقول الورقة بأن التصور الأساسي لرؤية
الناشطين الإسلاميين لأنفسهم يقوم على الإيمان بالمشيئة الإلهية، ولذلك هم يؤمنون
بالتضحية بكل شيء، فيقيمون فكرهم على عدة دعامات: ثمة أمة إسلامية تجمع المسلمين
جميعا والانتماء لهذه الأمة ينبغي أن يعلو على أي انتماء آخر، وأن تلك الأمة قد
فرقها أعداء الإسلام وشتتوها واصطنعوا حدودا تفصل بين أبنائها، وأن الواجب هو
السعي لتوحيد الأمة تحت راية الخلافة الإسلامية. وتحت هذه المظلة الشاملة لصورة
الذات تتباين المواقف العملية بين فصيل وآخر من فصائل الحركة الإسلامية، ما بين من
يؤجل المواجهة، ومن يعجل بها.
وتحت عنوان "تجارب حركات الإسلام السياسي في
السلطة" يأتي المحور الثالث، وتنقسم أوراقه إلى الاهتمام بتجارب متنوعة
لممارسات الإسلاميين في الحكم في بلاد مصر والسودان والعراق وتونس. فجاءت الورقة
الأولى للأستاذ نبيل عبد الفتاح حول "تجربة الإخوان المسلمين في مصر: نموذج
للانفراد بالحكم"، حيث سعت للبحث عن أسباب فشل سياسة جماعة الإخوان خلال فترة
حكم حزبها، فهل يعود ذلك إلى غلبة منطق وتجارب التنظيم على منطق الدولة/ الأمة؟،
أم أن ذلك يعود إلى التناقض الإشكالي بين مفهوم الدولة الإسلامية ومفهوم الدولة
المصرية في إطار تطورها التاريخي؟، وكيف تعاملت الجماعة والرئيس مع مفهوم النظام
القانوني للدولة، وهل استطاعت أن تحدث تغييرا في فهمها له يخالف المستقر؟. وتبين
الورقة التفاوت بين تصور الجماعة للدولة ومفهوم الدولة الحديثة، بل وتذهب إلى غياب
التنظير الرصين للمفهوم، وهو ما استتبع عددا من النتائج ذات صلة مباشرة أو غير
مباشرة بذلك، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- التفاوت بين
مفهوم القومية المصرية ومفهوم الخلافة الاسلامية، وهو ما ترك أثره على السياسة
الخارجية للإخوان، وفي تعاملهم مع الحدود الوطنية، وعدم مبالاتهم بما جرى من
اعتداءات على الأقباط والشيعة من اعتداءات، ما يعني تهديد النسيج الوطني للجماعة
المصرية.
- أن الصراع
التاريخي بين الدولة والجماعة، أدى إلى استبعاد الأخيرة، مما حال دون تكوين كوادر
محملة بخبرات التعامل مع أجهزة الدولة البيروقراطية والأمنية والعسكرية.
- التفاوت بين
طريقة تنظيم الجماعة القائم على السرية وطريقة عمل الدولة المستندة للعلنية، وهو
ما ترتب عليه إزدواجية عملية صنع القرار ما بين بعض سلطات الدولة ومراكز صنع
القرار في مكتب الإرشاد.
- العمل على بناء
أطر موازية للأطر الرسمية للدولة وهو ما ظهر في الاستعانة بالمليشيات الإخوانية،
وتدخل بعض القيادات في الأجهزة الأمنية.
-
الاعتداء على سلطة القضاء وأحكامه، عبر تعطيل الأحكام
بموجب الإعلان الدستوري الذي أعلنه محمد مرسي، والهجوم على نادي القضاة، ومحاصرة
المحكمة الدستورية العليا.
واهتمت الورقة الثانية لحيدر إبراهيم "الإسلام
السياسي في السودان: الواقع والمستقبل" بحالة الحكم الإسلامي في السودان،
وفيها نتبين أن الإسلاميين في السودان لم يتعرضوا مثل غيرهم في المنطقة العربية
للقمع، لكنهم مع وصولهم للسلطة مارسوه، وادخلوا التعذيب في الحياة السودانية. وعلى
مستوى فهمهم للديموقراطية فقد اتخذوا موقفا متشددا من التعددية الحزبية واعتبروها
مصدرا للفتنة، وتبنوا بديلا لها نظام المؤتمرات الإسلامية. وهو ما انعكس على مستوى
رؤيتهم للأقليات والمرأة. فقد انتهت ممارساتهم إلى انفصال الجنوب السوداني. فيما
مثلت المرأة مصدر قلق بالغ لأنها قبل وصولهم للحكم حققت مكاسب كبيرة، سعوا هم
للقضاء عليها، بمنع عملها في أماكن بعينها، وفرض الحجاب. وانتهت الورقة في الخاتمة
إلى فشل المشروع الحضاري المفترض للإسلاميين، لأن الفكر الإسلامي لا يمتلك أي
نموذج إرشادي مستمد من التاريخ لشكل ومضمون الدولة.
وفي الورقة الثالثة لواثق الهاشمي "التجربة
الإسلامية العراقية: حالة اللااستقرار في الدولة"، نجد رصدا دقيقا لمراحل
نشوء الأحزاب والحركات الدينية والسياسية منذ نشأة الحكومة العراقية حتى الآن.
وأظهرت الورقة أنه لا يوجد حزب سياسي إسلامي بدون سمة مذهبية أو طائفية. وقد
تبلورت طائفية هذه الحركات بفعل طغيان السلطة السياسية، وغياب ثقافة التعددية،
وانعدام فرص الديموقراطية، علاوة على التأثيرات الشيعية الوافدة من إيران
والتأثيرات السنية الوافدة من السعودية. مما جعل من الأحزاب الإسلامية أحزابا غير
مقنعة للمواطن عند ممارستها للحكم، وارتكبت أخطاء جسيمة، وحاولت إقصاء الآخرين،
وأثبتت أنها صالحة للمعارضة لا إدارة الدولة.
وتناولت الورقة الثالثة محرز الدريسي موضوع "
النهضة التونسية من المعارضة إلى محنة السلطة". وفيها يتم التأكيد على جملة
من القضايا الهامة والحيوية: أولها، أن الحركة الإسلامية في تونس هي نتاج عدد من
الأسباب والعوامل المتعددة والمتشابكة، وأنها لا تستلهم أفكارها من التاريخ الوطني
ومن الفكر الإصلاحي في تونس (وهو ما ينطبق على الحالة المصرية بدرجات)، وأن الحركة
منقسمة على ذاتها لأسباب تاريخية بين قاعدة متسلفة تؤمن بالأفكار السلفية ونخبة
تفاعلت مع الحداثة الغربية. ومع أن هذا المحور من الكتاب مهتم بالجانب التقييمي
لسياسة الحكم، لم تقم الورقة سوى ببيان كيفية وصول حركة النهضة للحكم، وإظهار بعض
التخوفات التي تتصل بطبيعة الدولة، ومفهوم الديموقراطية، دور الدين في المجتمع،
موقع الشريعة والتشريع، ثنائية العقيدة والثقافة. هذا مع أن التجربة التونسية قد
كشفت عن معالم مشتركة مع التجربة الإخوانية، مثل السعي للتمكين، وعدم القدرة على
إدارة الملف الإقتصادي والأمني، الانحياز للسلفيين على حساب القوى الأخرى، السعي
للتخلص من الخصوم السياسيين على نحو ما حصل مع زعيم التيار الشعبي التونسي، تهديد
حرية الصحافة والإعلام، التدخل في السلطة القضائية بتعيين قضاة بالمخالفة للقانون،
وغيرها من السمات، التي أدت إلى إسقاط حكومة حزب النهضة.
وتركز المحور الرابع على تقييم الآداء البرلماني
للتيارات الإسلامية في مصر والمغرب والكويت. فدرست الورقة الأولى للدكتور يسري
العزباوي "تجربة حركات الإسلام السياسي البرلمانية في مصر" التجربة
البرلمانية للإسلاميين بالتمهيد للمبررات الإخوانية والسلفية للمشاركة في
البرلمان، وعرض المسار التاريخي لمشاركة الإخوان في الانتخابات، ثم تقييم الأداء
البرلماني للتيار الإسلامي. والملاحظ أن الورقة لم ترهن نفسها بمجموعة من القواعد
الموضوعية التي على أساسها يمكن إجراء تقييم موضوعي للأداء، بل ولم تركن مباشرة
إلى مضابط الجلسات، والاكتفاء بالاعتماد على مصادر ثانوية، مما حال دون تقديم
قراءة شاملة للموضوع. وهو الأمر الذي ينطبق بحذافيره على الورقتين الأخرتين، إذ
بدا الأمر في حالتيهما وكأننا أمام تقييم للممارسة، وإن كان حال الممارسة
البرلمانية في البلاد الثلاث واحد.
فيما
خلا المحور الخامس "حركات الإسلام السياسي والإعلام" من وجود أوراق
متعددة، وشمل على ورقة واحدة للدكتور شريف اللبان، وعنونت بـ"المهاجرون إلى
الإنترنت والمحبوسون فيه: توظيف جماعة الإخوان لوسائل الإعلام التقليدية
والجديدة". وفيها نتبين كيف وظفت جماعة الإخوان المسلمين لصور الإعلام
التقليدي من صحافة وتلفزيون، وصور الإعلام الجديد، خاصة الفيس بوك، في العمل
السياسي، عبر التعريف بالجماعة وأفرادها، وتشويه الخصوم والدعاية ضدهم، واستعمال
الميليشيات الإليكترونية في الدعم الموارب للجماعة، وفي مهاجمة خصومها في السياسة.
وتوضح الورقة كيف أن الجماعة لجأت مهاجرة إلى الإنترنت هربا من نظام مبارك
وللتأثير في الشباب، إذ بها بعد أن لفظتها الجماهير تعود إليه محبوسة فيه مضطرة
إليه في حال الذل والحبس.
واهتم المحور السادس بـ"حركات الإسلام السياسي
وآفاق المستقبل"، وشمل على ثلاث أوراق، جاءت الأولى لسامح فوزي تحت عنوان
"الصراع السياسي والتيارات شبه المعلمنة"، والثانية لأحمد بدوي بعنوان
"السيناريوهات المحتملة لمستقبل جماعة الإخوان المسلمين"، والثالثة
"مستقبل التنظيم الدولي في ظل تحولات الخريطة الدولية" لأحمد بان. فدارت
الأولى حول النظام السياسي القائم من منطلق أنه الذي يضبط الصراع بين التيارات
الإسلامية والقوى المدنية. فرأت أن هناك مجموعة من الملامح المميزة للنظام الجديد
بعد الثلاثين من يونيو، تتمثل في: وضع ضوابط للعلاقة بين الدين والدولة بحيث لا
يجور أحدهما على الآخر، وإعادة الإنضباط لجهاز الدولة للحفاظ على تقاليد الدولة
المصرية، ولتلبية حاجات الجماهير، واعتماد المهنية في تولي المناصب القيادية بما
لا يسمح في وقوعها في أيدي نخب أقل كفاءة، والتركيز على السياسات العامة، خاصة في
مجال تحقيق العدالة الاجتماعية، والاتصال المباشر بالجمهور العام؛ بالاعتماد على
قاعدة جماهيرية عريضة. واهتمت الورقة ببيان بديلين لتشكيل النظام السياسي الجديد:
أولهما التسريع بخارطة الطريق بما يوسع قاعدة تأييد المجتمع للدولة وتندمج القوى
المدنية في الدولة، ثانيهما التعثر الديموقراطي، مع عدم القدرة على تحقيق
الاستحقاقات الانتخابية، واتساع نطاق العمليات الإرهابية، وتخبط الحكم في إدرة
شئون البلاد، بما يؤدي في النهاية إلى العودة لاصطفاف التيارات الاسلامية بجوار
التيار المدني في الشارع.
فيما حاولت الورقة الثانية الكشف عن السيناريوهات
المحتملة لمستقبل الإخوان من خلال دراسة تطور الجماعة عبر عدة محطات كبرى بداية من
العهد الملكي، حتى اللحظة الراهنة. وقدمت الورقة عددا من السيناريوهات. أولهما
سيناريو المواجهة مع تكرار مشهد الإقصاء الناصري وبقاء القيادات القطبية في
التنظيم، بأن تسلك الجماعة منهج مواجهة الجماهير في الشارع بما يدفع بوجود حروب
أهلية محدودة كل بحسب الطبيعة الجغرافية، والثاني سيناريو التغيير النخبوي وهو
تغيير القيادات القطبية كلية، مع القيام بمراجعة الفكر، واتخاذ موقف لا ينكر
الواقع ويقر بالأخطاء، بما يؤدي لمراجعة علاقة الجماعة بالمجتمع، والثالث هو
سيناوريو التكييف الداخلي بأن يتم تغيير القيادة دون تغيير الفكر، بما يعني أن
يبقى التنظيم قنبلة موقوتة، والرابع سيناريو الانهيار التلقائي مع توافر شروط
المجتمع الديموقراطي القائم على المحاسبة والشفافية والنزاهة تنهار الجماعة
تلقائيا، ثم أخيرا سيناريو الانقسام بأن تنقسم الجماعة إلى جماعة دعوية صريحة
تتشكل من الكوادرة المنتمية للطبقة الوسطى وتنظيم سري متواري يتكون من القطبيين.
وتناولت
الورقة الثالثة تحولات التنظيم الدولي عبر المراحل التاريخية المختلفة. فتبدأ
بالمرحلة الأولى الممتدة من عام 1933 حتى عام 1954 التي عبرت عن طموح حسن البنا في
عمل فروع للجماعة عبر العالم تسعى لتكوين الدولة الإسلامية. وتأتي المرحلة الثانية
الممتدة من 1954-1982، وفيها انشغل قيادات التنظيم بجمع المال والتوسع في البلدان
التي هاجروا إليها، ولم تبرز للتنظيم انجازات على الأرض فيها. وتتشكل المرحلة
الثالثة في الفترة من 1983 إلى 2004 التي فر فيها مصطفى مشهور ومحمد مهدي عاكف من
حكم السادات وأعادا للتنظيم حيويته باستخلاص القيادات القطبية والسيطرة على
التنظيم عبر العالم. أما المرحلة الرابعة والأخيرة فهي الممتدة من 2004 حتى اللحظة
الراهنة، فتمتاز بقوة العلاقات بين الجماعة والولايات المتحدة الأمريكية، وتقدم
الورقة شواهد عديدة توضح عمق الصلة الجديدة بين الطرفين.
فيما جاء المحور السابع في صورة مائدة مستديرة حول
:"الاستراتيجيات المستقبلية للتعامل مع حركات الإسلام السياسي في الوطن
العربي"، وتحدث فيها كل من علي الدين هلال، وعلي خشان، وآمال قرامي، وسعد
الدين إبراهيم. ونظرا لارتباط الورقة الأولى والثالثة بالموضوع سيتم الاكتفاء بعرض
رؤيتهما. إذ عرضت الورقة الأولى المقترحة للمائدة المستديرة لثلاث استراتيجيات
للتعامل مع الإسلام السياسي: إستراتيجية قبول الأمر الواقع، وهي الإبقاء على
التيارات الدينية تمارس العمل السياسي باسم الدين، وإستراتيجية الاستئصال بالعنف،
أي الاستخدام المنظم لقوة الدولة وأجهزتها الأمنية للقضاء على الحركات الدينية، ثم
أخيرا إستراتيجية بناء المواطنة ودولة القانون، لمواجهة الفكر الطائفي للجماعات
الإسلامية.
واعتمدت ورقة آمال قرامي على نوعين من
الاستراتيجيات: النوع الأول هو تغيير الاستراتيجيات المعتمدة في الدوائر البحثية
والأكاديمية، عبر تغيير المشتغلين بالبحث وإحلال عناصر جديدة من مجالات معرفية
جديدة، وتغيير الرؤية البحثية من التركيز على مسألة الثبات للتركيز على التنوع
والتطور الفكري للتيارات الدينية، ومراجعة المفاهيم المستقرة، اعتماد معايير جديدة
للتعامل مع المنتمين لهذه الحركات، وغيرها من اقتراحات التغيير. والنوع الثاني في
تغيير استراتيجيات الحكومات: بتغيير القيادات الحاكمة وتجديدها بالشباب والمرأة،
الالتزام الجماعي بقيم العيش المشترك، وتكريس مبدأ تداول السلطة، وقبول مبدأ
التفاوض مع القيادات الإسلامية التي أدركت الأخطاء، وتغيير الظروف الاجتماعية التي
جعلت من هذه الجماعات جماعات متطرفة، والتنسيق مع دول الجوار.