المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

الدور المصرى بين: عبقريتى المكان و الزمان

الثلاثاء 01/يوليو/2014 - 11:22 ص

ونحن نخطط الآن لإعادة بناء «مصر التى نريد» يجب ألا ننسى أو نتجاهل لحظة «عبقرية المكان» الذى نعيش فيه، وأعنى «عبقرية مصر» التى تفرض علينا ضمن ما تفرض حتمية أن يكون لنا دور نقوم به فى العالم المحيط بنا الذى نعيش فيه ويعيش فينا.

وإذا جاز لى أن أبادر وأقول ان مصر التى نريدها هى أولاً مصر القوية بذاتها وقدراتها الاقتصادية والبشرية والعسكرية والعلمية. وهى ثانياً: مصر الحرية والعزة والكرامة. ضمن هاتين القاعدتين نستطيع أن ننطلق لنحدد التفاصيل، أن نجتهد، أن نتفق وأن نختلف، المهم ألا نخرج بمصر عن هاتين القاعدتين، بعدها، وربما ونحن نبنى مصر هذه سنكون مطالبين، قسراً أو طوعاً، بأن نتفاعل مع العالم أو مع العوالم التى نعيش فى دوائرها وبالذات الدائرة العربية التى هى امتدادنا الجسدى والمعنوى والحضاري، هذا التفاعل المطلوب يتحدد بدور أو أدوار علينا أن نقوم بها فى عالمنا العربي، وعندما نقوم بهذه الأدوار سنجد أنفسنا الطرف الفاعل والأساسى فى البيئة الإقليمية المحيطة: نظام الشرق الأوسط، الاتحاد الأفريقي، منظمة التعاون الإسلامى ثم إعادة تفعيل حركة عدم الانحياز التى تعد الإطار أو المرجعية السياسية- الثقافية التى تحدد معالم تفاعلنا مع النظام العالمى باستقلالية ودون انحياز لأى طرف وحرص على إقامة نظام عالمى أكثر عدلاً وإنصافاً سياسيا واقتصادياً وحضارياً.

ونحن نتحدث عن «الدور المصري» عربياً أو إقليمياً أو عالمياً يجب أن نعى بدقة أن هذا الدور بقدر ما هو محكوم بـ «عبقرية المكان» فإنه يجب أن يكون محكوماً أيضاً بـ «عبقرية الزمان»، وهذا هو التحدى الحقيقى الذى نواجهه الآن ونحن نفكر فى أمر الدور المصرى وتجديد الريادة المصرية. فإذا كان «العبقري» جمال حمدان قد استطاع أن يكتشف ويحدد معالم «عبقرية المكان» فى مؤلفه الأسطورى «عبقرية مصر» فإن الزعيم جمال عبد الناصر كان مبدعاً فى تحديده معالم «عبقرية الزمان» الذى كان عليه أن يتعامل معه وهو يسعى إلى بلورة مشروعه لمصر التى يريدها فى كتيبه الذى حمل عنوان «فلسفة الثورة».

عبقرية المكان، كما حددها جمال حمدان، أكدت حتمية الدور المصري، وعبقرية الثورة عند جمال عبد الناصر أكدت أيضاً حتمية هذا الدور عندما قال «ولست أدرى لماذا يخيل إليَّ دائماً أن فى هذه المنطقة التى نعيش فيها دوراً هائماً على وجهه يبحث عن البطل الذى يقوم به، ثم لست أدرى لماذا يخيَّل إليَّ أن هذا الدور الذى أرهقه التجوال فى المنطقة الواسعة الممتدة فى كل مكان حولنا، قد استقر به المطاف متعباً منهوك القوى على حدود بلادنا، يشير إلينا أن نتحرك وأن ننهض بالدور ونرتدى ملابسه، فإن أحداً غيرنا لا يستطيع القيام به؟».

كانت هذه هى بداية الاستكشاف وبداية جمال عبد الناصر فى العام الثانى لثورة 23 يوليو 1952، لكنه بعد ذلك استطاع أن يجيب عن أسئلته وأن يحدد معالم الدور وأن يقوم به أفضل قيام لوعيه أولاً بعبقرية المكان التى تفرض على مصر أن تقوم بأدوار قيادية وريادية فى محيطها، وإدراكه لعبقرية الزمان التى تحدد معالم هذا الدور وتوجهاته، لكن اللافت أنه، وفى هذه السن المبكرة له وفى بداية حكم الثورة، كان مدركاً لأهم خصائص هذا الدور عندما كتب فى فلسفة الثورة يقول: «وأبادر هنا فأقول أن الدور ليس دور زعامة، إنما هو دور تفاعل وتجاوب مع كل هذه العوامل».

استطاع جمال عبد الناصر فى تلك الفترة (عام 1953) أن يثبت قدرة متفوقة فى الإحاطة بـ «عبقرية الزمان» الذى تعيشه مصر فى تلك الفترة، ومنها استطاع أن يحدد المعارك أو الدوائر الثلاث الكبرى للدور المصرى كما يفرضها الواقع الزمانى لعقدى الخمسينيات والستينيات.

كانت المعركة الأولى هى معركة التحرر من الاستعمار الغربي، وكان على مصر، بعد أن استقلت، أن تقود «حركة تحرر عربية» هدفها تحرير كامل الوطن العربى من الاستعمار. وكانت المعركة الثانية هى تحرير فلسطين التى اغتصبتها الحركة الصهيونية العالمية بدعم وتآمر غربى (أوروبى أمريكي) لإقامة دولة يهودية فى فلسطين على حساب الشعب العربى الفلسطيني. اكتشف جمال عبد الناصر أن فلسطين ستبقى جرحاً غائراً نازفاً فى الجسد العربي، وأن كل العرب يعولون على مصر أن تكون قائدة فى معركة تحرير فلسطين وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني. أما المعركة الثالثة فهى معركة شديدة الارتباط بالمعركتين الأولى والثانية وهى معركة الوحدة العربية عندما أدرك أن تقسيم وتجزئة العرب كانت وسيلة الغرب لحماية استعماره أرض العرب، وعندما أدرك أن غرس الكيان الصهيونى فى قلب الوطن العربى فى فلسطين كان هدفه هو الحيلولة دون توحد العرب للحيلولة دون هزيمة المشروع الاستعمارى الأوروبي، ومن ثم كانت معركة وحدة العرب هى ذاتها معركة تحررهم وهى ذاتها معركة تحرير فلسطين.

من هذا الإدراك بعبقرية الزمان انطلق الدور المصرى الذى أسس للريادة المصرية حيث خاضت مصر هذه المعارك الثلاث بجدية وإخلاص فكانت لها القيادة العربية الطوعية، خصوصاً بعد أن أدركت أن نجاحها فى خوض هذه المعارك يستلزم التعامل المباشر مع الإنسان العربى بدعمه مادياً ومعنوياً ليكون قادراً على أن يخوض مع مصر معركة التحرر من الاستعمار، وأن يتفاعل بوعى وبقوة مع معركة تحرير فلسطين ومعركة الوحدة العربية، لذلك اقترن تقديم مصر الدعم المادى للعرب فى مجالى التعليم والصحة وغيرهما بتقديم الدعم المعنوي. كانت البعثات التعليمية والطبية المصرية لمعظم الدول العربية بعثات رائدة أعقبها فتح الجامعات المصرية مجاناً أمام الطلاب العرب، بل تقديم مكافآت شهرية لهؤلاء الطلاب وتوفير السكن المجانى لهم وللدارسين الآسيويين والأفارقة، ثم إقامة «جامعة القاهرة- فرع الخرطوم فى السودان» و»جامعة بيروت العربية» فى لبنان، ومع هذا وذاك كان قرار إنشاء إذاعة صوت العرب من أهم أدوات هذا الدور وهذه الريادة، التى تدعمت بمؤسسات الثقافة والفن المصرى الذى أصبح من أهم مصادر القوة الناعمة المصرية الحاملة لمشروع الريادة.

كان وراء هذا كله عقل ـ يخطط ـ قريب جداً من الزعيم جمال عبد الناصر هو «مكتب الشئون العربية» الملحق برئاسة الجمهورية الذى ترأسه المرحوم الأستاذ فتحى الديب، كان هذا المكتب أشبه بوزارة خاصة بالشئون العربية ولكن كان وزارة ملحقة لأهميتها القصوي، برئاسة الجمهورية وشخص الرئيس جمال عبد الناصر.

هكذا تحددت معالم الدور المصرى فى الخمسينيات والستينيات، وكان ذلك هو سر نجاح الدور المصرى القائد عربياً وإقليمياً فى عقدى الخمسينسات والستينيات. كان دور ابن زمانه بقدر ما كان أيضاً ابن مكانه. وهذا ما يجب أن نؤسس عليه دورنا الجديد وريادتنا الجديدة بوحى من الوعى الدقيق بـ «عبقرية المكان» و«عبقرية الزمان». نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟