الفرص والمخاطر: كيف يتعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع تجمع بريكس
من المحتمل أن تؤدي عودة الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إلى تسريع العمل على إيجاد قضية مشتركة
داخل البريكس باعتبارها الكتلة المناهضة للغرب خاصة بعدما أعلن الرئيس المنتخب في
العاشر من نوفمبر 2024 أن دول البريكس تبتعد عن الدولار بينما نقف مكتوفي الأيدي
ونراقب الأمر، ولعل أهمية هذا التصريح تكمن من ولم يأت توقيت هذا البيان بعد شهر واحد فقط من
حضور كبار الشخصيات من ستة وثلاثين دولة وست منظمات دولية لقمة البريكس السادسة
عشر التي عقدت في مدينة قازان بروسيا، بل أكد أيضًا أن هذه الدول ستواجه مجموعة من
القيود مثل فرض التعريفات الجمركية بنسبة 100٪ سواء كانت تنوي استبدال الدولار
بعملة البريكس أو أي عملة أخرى.
مسارات المواجهة
جاء التهديد الجريء الذي أطلقه الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب في لحظة حرجة في العلاقات الاقتصادية الدولية، بعدما انتقد
العديد من زعماء العالم مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علنًا دور الدولار
باعتباره سلاحًا أمريكيًا لمواجهة الدول، من ناحية أخرى، فإن دعوة ترامب لفرض رسوم
جمركية بنسبة 25٪ على كندا والمكسيك ورسوم جمركية بنسبة 10٪ على الصين تثير
تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحزمة الجديدة من الرسوم الجمركية قادرة على حماية
أولوية الدولار والهيمنة المالية الأساسية لمؤسسات مجموعة السبع.
وقد أثار تقرير لمصرفي جولدمان ساكس وجيم
أونيل مخاوف بشأن إمكانية تشكيل تحالف من الدول قد يتحدى الهيمنة الغربية على
الاقتصاد العالمي إن لم يكن يحل محل دول مجموعة السبع، وهو ما ظهر من خلال تجمع
البريكس التي توسعت الآن وأطلقت مجموعة من المؤسسات الموازية لتقديم بديل للنظام
الدولي الليبرالي للدول الصغيرة والمتوسطة. اعتبارًا من عام 2024؛ حيث تبلغ حصة
دول البريكس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية 34.9٪ مقارنة بـ 30.05٪ لمجموعة السبع، بينما في عام 2000،
بلغت حصة مجموعة السبع 43.28٪، وشكلت مجموعة البريكس 21.37٪ فقط، وهذه المقارنة
تظهر حجم التطور في مجموعة البريكس مقارنة مع مجموعة السبع الكبرى.
كما أثارت عودة ترامب إلى البيت الأبيض
مخاوف بشأن ما إذا كانت دول مجموعة السبع بقيادة زعيم معلن عن انعزالية واشنطن،
قادرة على الصمود أمام كتلة البريكس، ففي إحدى مسيرات حملته الانتخابية في ولاية
ويسكونسن في الثامن من سبتمبر 2024، أدان ترامب بشدة نزع الدولرة من التجارة
العالمية، قائلًا بوضوح "إذا تركت الدولار فلن تتمكن من التعامل مع الولايات
المتحدة لأننا سنفرض تعريفة جمركية بنسبة 100% على بضائعك". ويفسر هذا
التهديد سبب سعي الدول المتحالفة مع مجموعة البريكس إلى بناء بدائل للدولار على
مدى السنوات الست عشرة الماضية. ومن قبل أشار عضو مجلس الدولة الصيني يانغ جيتشي
في نوفمبر 2017 وخلال إدارة ترامب الأولى كيف أصبح من الصعب بشكل متزايد على
مفاهيم وأنظمة ونماذج الحكم الغربية مواكبة الوضع الدولي الجديد، مجادلًا كذلك بأن
الحكم العالمي بقيادة الغرب أخفق ووصل إلى نقطة لا يمكن إصلاحها.
تهديدات متصاعدة
ليس من المستغرب أن تأسيس مجموعة
البريكس في عام 2009 جاء مباشرة بعد حدوث الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
ووفقًا لتقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية، فإن التجارة بين اقتصادات مجموعة
البريكس، فقد تجاوزت التجارة بين دول مجموعة البريكس التبادل الاقتصادي في مجموعة
الدول السبع، ومجموعة البريكس نصف سكان العالم وما بين ربع وثلث الاقتصاد العالمي،
وتسعى إلى تحقيق أربعة أهداف هم إنشاء نظام مالي بديل للنظام الغربي، وتنسيق
السياسة الاقتصادية بشكل أفضل، والسعي إلى تمثيل أكبر في الحوكمة العالمية، والحد
من الاعتماد على الدولار الأميركي.
وف إطار هذا التصور، يحاول الخطاب
الاستراتيجي الذي وضعه المحللون تقديم تقييمات للتهديدات من العواصم الغربية، فقد
قام الأكاديميون الغربيون في مجال العلاقات الدولية ببناء إطار أفضل لشرح هذه
الظاهرة الفريدة من خلال نظرية انتقال القوة والتي تشرح كيف تجد القوة المهيمنة
السائدة في النظام الدولي نفسها في خطر الحرب النظامية؛ حيث تفسر كيف يمكن أن يلحق
منافس صاعد بقوة مهيمنة متراجعة أو يتفوق عليها. وإذا طبقنا هذا على دول البريكس،
فإنه يوضح كيف يمكن لروسيا والصين أن تتناوبا في قيادة مهمة الاستفادة من
الجغرافيا والسكان والثقل الاقتصادي لاقتراح مجموعة جديدة من المنظمات الدولية
العازمة على استبدال المؤسسات الغربية بقيادة مجموعة السبع، وهو ما ظهر في سعيها
إلى تحقيق هدف النظام المالي البديل؛ حيث أنشأت دول مجموعة البريكس من خلال الثقل
الاقتصادي للصين بنك التنمية الجديد والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية،
وترتيب الاحتياطي الطارئ من أجل تحدي بروز صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ولعل
تجمع البريكس يوضح كيف استفادت المجموعة من القوى الصاعدة حول مصلحتهم المشتركة من
خلال موارد القوة العسكرية والمالية للتأثير على النتائج الدولية من خلال نظرية انتقال
القوة وسعي الصين وروسيا باعتبارهما قوتين صاعدتين إلى التفوق في مجال جديد لتعزيز
تحقيقهما لوضعية القوة العظمى. ومع هذه المؤسسات المتعددة الأطراف الجديدة، فإن
قيادة إنشاء هذه المؤسسات البديلة تعكس قوتهما ومكانتهما المتزايدة.
تحديات قائمة
هناك مجموعة من الشكوك المحيطة بصعود
مجموعة البريكس ومحور الصين وروسيا في إدارة نظام مالي عالمي بديل منها الإشارة
إلى التفاوتات الهائلة في القدرات الاقتصادية بين دول مجموعة البريكس ومؤسسات
مجموعة السبع السائدة، كما أن الخلافات الأمنية والجيوسياسية بين الدول الأعضاء تثير
أيضًا شكوكًا حول ما إذا كان هذا التجمع يمكن أن يكون مواتيًا لأي نوع من التعاون.
على سبيل المثال، كانت الصين والهند حذرتين منذ اشتباك حدود جالوان عام 2020،
والذي أدى إلى مقتل عشرين جنديًا هنديًا وأربعة جنود صينيين، وأدت عواقب هذه
الحلقة من الصراع الحدودي على طول الحدود الصينية الهندية إلى تعميق نيودلهي
للعلاقات مع الولايات المتحدة، كما يتضح من زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا
مودي إلى واشنطن عام 2023، وهو ما أدى إلى أكبر صفقات التعاون الدفاعي بين
الولايات المتحدة والهند، وأكدت وزارة الدفاع أنه قبل عشرين عامًا، لم يكن هناك
تعاون دفاعي على الإطلاق، بينما اعتبارًا من عام 2023، فإن الدولتين تنتجان
وتطوران معًا أنظمة رئيسية.
وعلاوة على ذلك، فإن الإدراج الأخير
لدول الشرق الأوسط مثل إيران ومصر والإمارات العربية المتحدة بعد قمة البريكس 2023
يثير تساؤلات حول تماسك البريكس، نظرا للتنافس الإقليمي الذي قد يرثه هذا الخيمة
الضخمة الآن. كما يثير إدراج المملكة العربية السعودية مؤخرا الشكوك، نظرا
لمنافستها الأمنية المستمرة مع إيران. وأوضحت الرياض هذه النقطة خلال قمة البريكس
2024 في قازان، حيث حضر وزير الخارجية السعودي في اليوم الأخير فقط، موضحًا أنها
تتحوط بالتزامها تجاه سياسات التجمع الذي تعتبره تجمعًا للقوى المتوسطة.
ورغم أن أعضاء مجموعة البريكس يتمتعون
بصفات واضحة، مثل وضعهم كدول غير غربية، فإن التنافسات الأمنية التي يحملونها، إلا
أنها أثبتت بصورة كبيرة أنها تشكل عقبات أمام التحول إلى منظمة كاملة العضوية
ملتزمة بمعاهدة مع أي مظهر من مظاهر الالتزام الأمني، وضمن هذا السياق يسارع
المعلقون إلى ربط الافتقار النسبي للثقل الاقتصادي بالمنظمات التي تقودها الولايات
المتحدة الأمريكية في مواجهة هذا التجمع الذي يضم المنافسين الجيوسياسيين، والتي
أظهرت عيوبًا خطيرة، وخاصة مع التنافس بين الهند والصين وإيران والسعودية فضلًا عن
تأطيرها كتحالف مناهض للغرب .
من ناحية أخرى، لا توجد صيغة واضحة لما
يجعل من مجموعة البريكس عضوًا مثاليًا، تمامًا كما لا يوجد مسار واضح لهذه الدول
الأعضاء لرسم أي شكل من أشكال التنسيق، ولا تزال التقييمات السلبية تحيط بعمل مجموعة
البريكس، في حين أن بعض اللاعبين مثل الهند والبرازيل وتركيا يتحوطون ضد حالة عدم
اليقين لكسب المزيد من القوة التفاوضية مع واشنطن، ويزعم آخرون أن الأعضاء الجدد
مثل السعودية ومصر يعملون على تعميق العلاقات مع الأعضاء غير الغربيين، على عكس
روسيا أو إيران.
في الختام: يمكن القول إن دخول ترامب
في المعادلة على رأس كتلة مجموعة السبع لا يشير على الفور إلى أي تشديد للمحاذاة
داخل مجموعة البريكس. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تسريع القضايا المشتركة بشأن
مخاوف مثل التعاون المناخي والحكم المالي لصالح الدول الأعضاء التي تخضع بالفعل
لعقوبات شديدة.