المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

محفزات ومعوقات: كيف تنعكس الأوضاع في سوريا على الحوثيين في اليمن؟

الأحد 12/يناير/2025 - 08:36 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

فتحت الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد، باب التطلعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصًا بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولًا إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.

قال حسين الله كرم، القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، إن اليمن حلت محل سوريا في العقيدة الأمنية الإيرانية بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بعدما كانت دمشق بمثابة العمود الفقري وعامل الارتباط في محور المقاومة، ولعبت دورًا لا مثيل له في أي هجوم محتمل على الجبهة الشمالية لفلسطين، وفي إطار الأيديولوجية الاستراتيجية الإيرانية فقد انتقل هذا الدور الآن إلى اليمن بعد خسارة سوريا.

ومع سقوط نظام الأسد في سوريا وهزيمة حزب الله في لبنان وعزلته المتزايدة، يتحول الاهتمام إلى الحوثيين في اليمن باعتبارهم القوة الإيرانية الأقوى المتبقية في المنطقة، وهم بالتأكيد الأكثر نشاطًا من حيث هجماتهم على إسرائيل وأيضًا على سفن الشحن الدولي وحركة التجارة العالمية في البحر الأحمر، ولعل الإطاحة بنظام الأسد في سوريا ستزيد من فرص الحوثيين في اليمن في الاستفادة من عدم الاستقرار الإقليمي. كما أنه مع تصاعد المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية، فمن المرجح أن يثير هذا تساؤلات حول ما إذا كان النظام في صنعاء سوف يثبت أنه ضعيف مثل شريكه السابق في دمشق، أم أنه قادر على المواجهة؟

سمات مشتركة

على غرار نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، فإن الحوثيين يمثلون شريحة ضيقة من السكان، ويتحكمون في مصادر الثروة في حين تترك الأغلبية غارقة في معاناة الفقر. ويمكن القول إن هذا الفقر لا ينبع من الحرب أو العقوبات المفروضة على الحوثيين بقدر ما ينبع من الفساد المنهجي والمحسوبية والعزلة المتعمدة خاصة وأن الحوثيون تسهل عمليات نهب السكان من خلال مجموعة من الأدوات كالرشاوى التي يطلبها المسئولون الذين يتقاضون أجورًا زهيدة، والصناعات الاحتكارية التي يستفيد ويسيطر عليها المنتمين لها منها. ووفق هذا الاتجاه فإن عملية إصلاح مؤسسات الدولة في اليمن أمر غير مقبول بالنسبة للحوثيين، باعتبار أن اختلال وظائفها بمثابة خيار متعمد لضمان تمتع أنصار النظام الأساسيين بالتفوق والسيطرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وقد أدت المستويات المرتفعة من الفساد والاستغلال إلى جعل نظامي الأسد والحوثي لا يتمتعون بقواعد شعبية مؤيدة لهما، وهو ما دفعهما إلى الاعتماد على أجهزة أمنية وحشية للحفاظ على السلطة كما أن سيطرتهما على وسائل الإعلام والتعليم يصور هذه الحكومات على أنها مدافعة عن الاستقلال الوطني ومناهضة للاستعمار، وهو أمر لم يعد مقنعًا للشعب اليمني مع تفاقم المعاناة العامة على أيدي النظام ومع تزايد الاعتماد على الدعم الإيراني.

وعلى الرغم من أوجه التشابه هذه، فإن الاختلافات الرئيسية بين نظامي الأسد والحوثيين تشير إلى أن مساراتهما قد تتباعد. فالقيادة الحوثية أصغر سنًا وأكثر نشاطًا من الكوادر السورية المتقدمة في السن في عهد الأسد. على سبيل المثال، يبلغ رئيس الاستخبارات الحوثية عبد الحكيم الخيواني من العمر أقل من أربعين عامًا، في حين كان نظيره السوري حسام لوقا يقترب من الخامسة والستين قبل سقوط الأسد. وعلاوة على ذلك، وبعد مرور عشر سنوات على الاستيلاء على صنعاء، لا يزال الحوثيون في المراحل الأولى من الحركة الثورية المتطرفة. وعلى النقيض من ذلك، تحول نظام الأسد إلى سلالة راكدة فارغة أيديولوجيًا بعد خمسين عامًا من السيطرة على السلطة، ويختلف زعماء الحوثيين أيضًا في استجابتهم المحتملة للتحديات والتصعيد العسكري ضدها، فعلى النقيض من الأسد، الذي فر في نهاية المطاف إلى روسيا، قد يعود زعماء الحوثيين إلى تكتيكات حرب العصابات في المناطق الجبلية في اليمن بدلاً من التخلي عن حركتهم في المنفى خاصة أنه  نادرًا ما غادر العديد من كبار قادة الحوثيين اليمن، وهذا ربما يجعلهم أكثر ميلًا إلى المقاومة حتى النهاية بدلًا من البحث عن ملجأ في الخارج.

تفكيك النظام الحوثي

يظل بقاء الحوثيين على المدى الطويل غير مؤكد خاصة أن نظامهم يواجه أزمة شرعية متزايدة. فالشروخ في أسسه تتسع وهو ما دفع قيادته إلى الاعتماد بشكل متزايد على العنف الوحشي لقمع المعارضة. ويبدو الانهيار في نهاية المطاف محتملًا، لكنه ليس وشيكًا بالضرورة.

إن اتخاذ إجراءات حاسمة من جانب الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية المعارضة للتحركات الحوثية من شأنه أن يعجل بسقوطهم، ووفق هذا التصور سيتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما تكثيف الضغوط السياسية والمالية والعسكرية على الحوثيين باعتبار أن قطع قدرتهم على تحويل المساعدات الإنسانية من شأنه أن يضعف موقفهم المالي بشكل كبير.

وكبديل عن دعم نظام يديم الإرهاب ويزعزع استقرار المنطقة، ينبغي للمجتمع الدولي أن يخصص الموارد لمساعدة ضحاياه وأولئك الذين يحاولون مقاومته، بما في ذلك اللاجئون اليمنيون في الخارج والقوات اليمنية الذين يقاتلون الحوثيين. وبالتزامن مع ذلك فإن الأزمات الحالية التي تواجه حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني تجعل من هذه اللحظة فرصة مناسبة للضغط على النظام الحوثي. ورغم أن الحوثيين ربما استمدوا الثقة من دعم طهران لهم ذات يوم، فإنهم ربما يعيدون تقييم هذا التقييم في ضوء الأحداث الأخيرة في سوريا وسقوط أحد دعائم النفوذ الإقليمي الإيراني.

وقد توفر هذه التطورات فرصة للضغط على الحوثيين لحملهم على وقف هجماتهم في البحر الأحمر. ولكن حتى أن هذا المسار لن يكون سوى هدنة مؤقتة، وليس حلًا حقيقيًا وشاملًا للتهديد الطويل الأمد الذي يشكله الحوثيون على دول أخرى في المنطقة، ناهيك عن رعاياهم.

اتجاهات السقوط

تطرح هذه التطورات اتجاهات عديدة حول مسارات سقوط الحوثيين، وهذا التغيير الحقيقي في اليمن يتطلب ثلاث تطورات رئيسية، على النحو التالي:

أولًا: يتطلب التغيير تصاعد الغضب العام بسبب المظالم التي يشعر بها الشعب اليمني، والتي ربما كانت مرتبطة في المقام الأول بالظروف الاقتصادية، ولكن ربما أيضا بالغضب إزاء فرض آرائهم الدينية التي تتعارض مع معتقدات غالبية السكان في اليمن.

ثانيًا: هناك حاجة إلى فقدان التأييد أو الدعم من الدوائر الانتخابية النخبوية الرئيسية، والتي قد تتكون من البيروقراطيين الحوثيين أو القبائل المتحالفة معهم والتي يعتمد عليها النظام لقمع الأصوات المعارضة.

ثالثًا: لابد أن يؤدي عدم الاستقرار إلى إحداث شرخ داخل الطبقة القيادية، وهو ما يستلزم حدوث ضغوط خارجية على النظام أو إمكانية صراعات داخلية على السلطة، وقد تنشأ صراعات السلطة بشكل عضوي داخل النظام، ولكنها قد تتسارع بفعل أحداث مفاجئة ومهمة، مثل وفاة أو اغتيال شخصيات رئيسية داخل قيادته.

إن هذه العوامل مجتمعة من شأنها أن تجعل النظام في حالة من الفوضى، عاجزًا عن الحفاظ على قبضته القاسية على عشرين مليون يمني. وهذا بدوره من شأنه أن يخلق زخمًا داخليًا قد يجد النظام صعوبة متزايدة في عكس مساره، كما أن الكيفية التي تتم بها تطور هذه العملية لا تخضع لسيطرة أحد، وبالتأكيد لا تخضع لسيطرة أي قوة خارج اليمن. ومع ذلك، تشير التجربة السورية إلى أن الضغط المستمر والتنسيق مع قوى المعارضة سيكون أكثر فعالية من محاولة التفاوض مع نظام مكرس للقمع الداخلي والعدوان الخارجي.

في الختام: إن الحوثيين مثلهم كمثل الأسد، سوف يفقدون السلطة ذات يوم، وسوف يتذكر اليمنيون من ساعدهم في وقت حاجتهم ومن لم يساعدهم، ومن الأهمية بمكان مواصلة الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي؛ حيث يشكل حرمان النظام من الشرعية والفرص لتحويل المساعدات الأجنبية عنصرًا أساسيًا في هذا الجهد. وتُظهِر تجربة الأسد أن هؤلاء الطغاة لا يدومون إلى الأبد وأن الاستثمار في علاقات دبلوماسية طويلة الأجل معهم هو رهان خاسر. وثمة مؤشرات على أن مستقبل الحوثيين يكتنفه خطر المواجهة العسكرية الشاملة، وربما ترجح إسرائيل الذهاب إلى هذا الخيار، لكنها تحرص على وجود ضمانات أمريكية وبمشاركة إقليمية ودولية أوسع نطاقًا.

 


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟