المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التصعيد: مسارات التهديدات الأمريكية تجاه الصين وروسيا في القطب الشمالي

الثلاثاء 04/فبراير/2025 - 08:03 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تقع جرينلاند على أقصر طريق من أمريكا الشمالية إلى أوروبا وهي منطقة دنماركية تتمتع بالحكم الذاتي، كما أنها موطن لمنشأة فضائية أمريكية كبيرة، وتتمتع بأهمية استراتيجية للولايات المتحدة، ولديها احتياطيات معدنية كبيرة، وقد أعلن دونالد ترامب أن هناك ضرورة للولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة عليها ضرورة مطلقة، في حين أعلن رئيس وزراء جرينلاند ميوت إيغيدي، "نحن لسنا للبيع".

وظهرت دعوات أمريكية من أنه يجب على ترامب بدلًا من التلويح بشأن استخدام القوة العسكرية، أن يتجه إلى بدء محادثات مع حكومتي الدنمارك وجرينلاند بشأن حقوق القواعد والاتفاقيات الأخرى التي تحد من الاستثمار الصيني. خاصة أن حالة الغضب إزاء تصريح ترامب الرئيس المنتخب الذي خاض حملته الانتخابية ضد اندلاع الحرب ولكنه لم يستبعد استخدام القوة العسكرية للحصول على جرينلاند وقناة بنما.

وعلى الرغم من هذا الإعلان إلا أن ترامب يغفل البعد الاستراتيجي المتنامي للقطب الشمالي والتقدم الذي أحرزته روسيا والصين في تأكيد مطالبهما في جرينلاند الغنية بالرواسب المعدنية، وموقعها الجغرافي الذي يجعل السيطرة على جرينلاند والقطب الشمالي أمرًا بالغ الأهمية لفرض القوة، ومراقبة المنافسين، وتأمين طرق الشحن.

أهمية متصاعدة

يرى العديد من الخبراء أن التحريض على الحرب من قبل الرئيس ترامب يعبر عن جانب من شخصيته، كما أن تغير المناخ الذي ندد به ترامب باعتباره خدعة، هو ما ساهم في إذابة القمم الجليدية في القطب الشمالي، وهو ما كشف عن رواسب من المواد الخام لم يكن من الممكن الوصول إليها من قبل.

إن موقع جرينلاند الاستراتيجي واحتياطياتها الغنية من المواد الخام، بما في ذلك النفط والغاز والزنك والنحاس والبلاتين، يجعلها حاسمة في التنافس داخل منطقة القطب الشمالي. ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن المنطقة لديها ما يقدر بنحو 13 في المائة من النفط و30 في المائة من الغاز الطبيعي غير المكتشف في العالم. وتقدر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن جرينلاند لديها 1.5 مليون طن من احتياطيات العناصر الأرضية النادرة، ومع ذلك، تتصدر الصين بـ 44 مليون طن من الرواسب ويمكن أن تستخدمها كوسيلة ضغط في الحرب التجارية مع واشنطن، بالإضافة إلى ذلك فإن تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على الصين عمل على تعزيز أهمية رواسب المعادن النادرة في جرينلاند بالنسبة للصين.

من ناحية أخرى، إن قرب جرينلاند من طرق الشحن في القطب الشمالي يعني أنها قد تلعب دورًا رئيسيًا في إدارة وتأمين ومراقبة هذه المسارات التجارية الجديدة في الممر الشمالي الشرقي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، ويكتسب هذا الطريق أهمية أكبر بسبب ذوبان الجليد في القطب الشمالي، مما يخلق طرقًا قابلة للاستخدام بشكل دائم يمكنها تقليل أوقات النقل وتكاليفه بين أوروبا وآسيا.

إن الديناميكيات الجيوسياسية التي تشمل جرينلاند وروسيا والصين والولايات المتحدة سوف تؤثر على مستقبل التجارة العالمية والعلاقات الدولية ليس فقط في الشمال العالي ولكن في مجريات المنافسة الأوسع نطاقًا لتحقيق الميزة العالمية بين القوى العظمى الثلاث.

التفكير الجيوسياسي الروسي

زادت روسيا من دوريات الغواصات والتدريبات هناك. وتدرك موسكو المخاطر الاقتصادية والاستراتيجية وإمكانات هذه التغييرات الخطيرة، وتعمل على توسيع وجودها بشكل كبير في الشمال كجزء من استراتيجية القطب الشمالي وقد تبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 أكتوبر 2020 استراتيجية تطوير المنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي وتوفير الأمن القومي حتى عام 2035. وقد أعطت روسيا، الأولوية لتوسيع الوجود في القطب الشمالي من خلال تجديد المطارات وإضافة القواعد وتدريب القوات وتطوير شبكة من أنظمة الدفاع العسكري على الحدود الشمالية.

إن الطموح الكبير لروسيا يتمثل في تطوير طريق بحر الشمال عبر بحر القطب الشمالي، والذي من شأنه أن يختصر الوقت اللازم لشحن البضائع الصينية إلى أوروبا، وكان جزء كبير من الخطط الروسية الأصلية لاستخراج مواردها في القطب الشمالي مرتبطا بالغرب. ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، قطعت شركات الشحن الأوروبية علاقاتها مع المشغلين الروس في عام 2022، وتخلت شركات الطاقة الغربية عن مشاريع الطاقة الخاصة بها.

لقد أوضحت حرب روسيا في أوكرانيا مدى حيوية التفكير الجيو اقتصادي، وخاصة في موسكو، حتى فيما يتعلق بألاسكا، فعندما أعلن الرئيس جو بايدن في خطابه في وارسو في مارس 2022 أن تدخل روسيا في أوكرانيا يعني أنها كانت تعود بالأوضاع إلى القرن التاسع عشر، في إشارة إلى ملكية روسيا للأراضي قبل بيعها للولايات المتحدة في عام 1867. ومن ثم يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية خطاب روسيا الجديد في ألاسكا على محمل الجد، خاصة وأن المصالح الجيوستراتيجية الأمريكية تواجه تحديات متصاعدة.

الاستراتيجية الأمريكية

تهدف الولايات المتحدة إلى توسيع وجودها العسكري في المنطقة وفي هذه الحرب الباردة الجديدة، وفي هذا السياق، تلعب ألاسكا دورًا محوريًا بعدما نشرت القوات الجوية الأمريكية عشرات الطائرات المقاتلة من طراز إف-35 في ألاسكا وأعلنت في عام 2022 أن الولاية ستستضيف أكبر تجمع للقوة الجوية من الجيل الخامس المبرمجة للقتال في العالم. وفي يناير 2021 كان قد أصدر الجيش الأمريكي أول خطة استراتيجية له لاستعادة الهيمنة على القطب الشمالي. كما وضعت البحرية الأمريكية، التي أجرت   تدريبات فوق وتحت الجليد داخل الدائرة القطبية الشمالية في مارس 2022، خطة لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، محذرة من أن الضعف هناك يعني أن السلام والازدهار سيتعرضان لتحدي متزايد من جانب روسيا والصين، اللتين تختلف مصالحهما وقيمهما بشكل كبير عن المصالح والقيم الأمريكية.

وفي مواجهة هذا التحدي، استثمرت الحكومة الفيدرالية الأميركية مئات الملايين من الدولارات على الساحل الغربي لألاسكا لتوسيع ميناء نوم الذي قد يتحول إلى مركز للمياه العميقة يخدم سفن خفر السواحل والبحرية التي تبحر إلى الدائرة القطبية الشمالية، كما تخطط خفر السواحل لنشر ثلاث كاسحات جليد جديدة في المستقبل ـخاصة أن روسيا تملك بالفعل واحدا وأربعين كاسحة جليد في الخدمة لفتح طرق تجارية أوراسية جديدة.

ولكن الرئيس المنتخب ترامب مستعد لمضاعفة جهوده وإعادة تنشيط هذا التركيز على ما هي الحدود الخارجية لنصف الكرة الغربي، والدفاع عنها ضد منافسيه كروسيا والصين؛ حيث تركز سياسة ترامب على تأكيد هيمنة الولايات المتحدة ومنع الصين وروسيا من اكتساب النفوذ في المنطقة. ويشمل هذا دعواته لضم جرينلاند، والسيطرة على قناة بنما، وجعل كندا الولاية الحادية والخمسين. كما إن ترامب سيكون أكثر فعالية في بدء محادثات مع حكومتي الدنمارك وجرينلاند بشأن حقوق القاعدة وغيرها من الاتفاقيات التي تحد من الاستثمار الصيني والانتشار الروسي.

الانخراط الصيني

بالنسبة للصين، فإن الممر الشمالي الشرقي من شأنه أن يوفر ميزة هائلة لها فيما يتعلق بانخفاض تكاليف النقل بين أوروبا وآسيا بالمقارنة بالرحلات البحرية الأطول قناة بنما أو غيرها من الممرات، ومن ثم يقلل الممر الشمالي الشرقي أوقات النقل بين أوروبا وشرق آسيا إلى النصف، وتشرح الحكومة الصينية في "الكتاب الأبيض حول القطب الشمالي " أن "طرق الشحن في القطب الشمالي من المرجح أن تصبح طرق نقل مهمة للتجارة الدولية نتيجة للاحتباس الحراري العالمي. كما تهتم الصين أيضًا بالمواد الخام في جرينلاند. وقد عززت بكين حضورها الاقتصادي في المنطقة، بما في ذلك الاستثمار في عمليات التعدين، ومع ذلك تعتمد بكين على موسكو لاستخراج هذه المواد الخام وإنشاء طرق نقل جديدة.

من ناحية أخرى، فإن افتتاح طريق البحر الشمالي من شأنه أن يعزز العلاقات الروسية الصينية؛ حيث وقعت روسيا والصين اتفاقية لتصميم وبناء سفن حاويات جديدة، وسوف يستخدم طريق البحر الشمالي، أكثر من أي إمكانات شحن عالمية بعيدة لاستغلال ونقل الطاقة والمعادن.

إن روسيا والصين يسعيان إلى السيطرة على القطب الشمالي الجديد، ويرى بوتين في القطب الشمالي كركيزة عودة روسيا إلى وضع القوة العظمى. وبالنسبة للصين، فإن طريق بحر الشمال هو شريان بحري يهدف إلى أن يكون " طريق الحرير القطبي " لبكين. وعلى عكس قناة السويس ومضيق ملقا، فهو أقل عرضة للحصار من قبل الأسطول الأمريكي. أوضحت آخر زيارة رسمية للرئيس شي إلى موسكو في عام 2023 أن الصين لا تريد التعاون اقتصاديًا فحسب، بل تسعى أيضًا إلى تعميق العلاقات الدبلوماسية مع موسكو لمواجهة ما تعتقد الصين أنها حملة طويلة من قبل الولايات المتحدة لإعاقة صعود الصين.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟