المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

مأزق الخروج الروسي ...هل تصبح ليبيا بديلاً حيوياً عن سوريا؟

الثلاثاء 04/فبراير/2025 - 08:16 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

ربما يمكن اعتبار إيران وروسيا من أبرز القوى الإقليمية والدولية التي تضررت بعد سقوط النظام السوري بقيادة بشار الأسد في سوريا، وأرجعت بعض التقديرات ذلك بالنسبة لروسيا بسبب تركيزها على الحرب في أوكرانيا، أو أن هناك نوع من المقايضة مع الغرب بشأن خروجها من روسيا مقابل تصفية الحرب في أوكرانيا ومنحها موطئ قدم على البحر الأبيض المتوسط في ليبيا. والواقع، أن موسكو خسرت أكثر من مجرد حليف في الشرق الأوسط، ولاسيما فيما يتعلق بالضربة المروعة التي تعرض لها الجيش الروسي بشأن نشر قواته في الخارج.

أولاً: تداعيات الانسحاب الروسي من سوريا

لا يزال عدم اليقين بشأن مستقبل الوجود الروسي وقدراته في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​مرتفعاً، وهو الأمر الذي قدرته الاستخبارات العسكرية البريطانية في تقدير حديث، وهو أن الجيش الروسي، الذي كان له وجود بحري وبري وجوي كبير في البلاد، أضطر بعد سقوط نظام بشار الأسد لسحب غالبية قواته من سوريا، بما يتضمن تلك الموجودة في قاعدتي حميميم وطرطوس. ولكن المؤكد أن الانسحاب سيكون له عواقب طويلة الأجل على قدرة روسيا وخاصة فيما يتعلق بقدراتها العسكرية؛ حيث لم يعد لدى حليف روسيا السابق في سوريا، مجموعة المهام الدائمة في البحر الأبيض المتوسط​​ (PMTG)، حالياً إمكانية الوصول إلى قاعدتها البحرية في طرطوس للصيانة والدعم اللوجستي.

كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء تدخل روسيا في سوريا هو الوصول إلى موانئ المياه الدافئة؛ حيث إن وصول البحرية الروسية إلى مثل هذه الموانئ الاستراتيجية محدود للغاية ويمنع موسكو من نشر قوتها في أماكن أبعد من مياهها الإقليمية. إن الموانئ ذات المياه الدافئة هي مواقع لا تتجمد فيها المياه طوال العام. وبالنسبة لدول مثل روسيا، حيث تتجمد معظم موانئها كل شتاء بسبب درجات الحرارة المتجمدة، فإن الموانئ ذات المياه الدافئة لا تقدر بثمن، لجهة إمكانية وصولها إليها طوال العام، وتوفيرها لمزايا مزايا عسكرية واقتصادية وجيوسياسية مهمة.

وفي هذا الشأن، أضافت الاستخبارات العسكرية البريطانية في تحليلها: "ومع ذلك، تسعى روسيا بكل تأكيد إلى الاحتفاظ بوجودها في البحر الأبيض المتوسط، ومن المؤكد أن قدرتها على دعم جيشها ومقاوليها العسكريين الخاصين في أفريقيا لوجستياً، فضلاً عن الحد من الضرر السمعي الناجم عن سقوط نظام الأسد، ستكون من أولويات الحكومة الروسية".

ثانياً: بدائل قليلة لموسكو

لم يصرح الكرملين صراحة بأنه سيعيد نشر القوات البحرية أو البرية أو الجوية التي تم سحبها مؤخراً من سوريا إلى أماكن أخرى في البحر الأبيض المتوسط. والواقع أن الحرب الواسعة النطاق لروسيا في أوكرانيا في عام 2022 ترك روسيا مع عدد قليل من الأصدقاء في جميع أنحاء العالم. وهنا خلصت الاستخبارات العسكرية البريطانية خلال تقريرها إلى أن "القيادة الروسية تعتبر الصراع في أوكرانيا على وجه اليقين الشاغل الرئيسي لها. ومن المرجح أن يكون منح روسيا الأولوية للصراع في أوكرانيا سبباً في تراجع نفوذها العالمي.

وفي السياق ذاته، لا يمكن اعتبار سوريا الحالة الوحيدة التي تضررت فيها القوة العسكرية الروسية، بل تم ذلك في أفريقيا سابقاً عدة مرات. ومازالت هناك شكوك حول نوايا النظام الجديد في سوريا وما إذا كان هذا النظام الجديد سوف يستمر، أو ما إذا كان سيخدم المصالح الأمريكية وحلفائها. كانت المنشأة البحرية الروسية في طرطوس في أيدي الروس منذ سبعينيات القرن العشرين، عندما تحالف الاتحاد السوفييتي آنذاك مع حافظ الأسد، والد بشار الأسد وعلى مر السنين، كانت طرطوس تعاني من حالة متدهورة، ولا سيما في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة في نهاية الحرب الباردة. ومع ذلك، حافظت موسكو على موطئ قدم لها هناك

لقد سعى القادة الروس إلى توسيع نطاق وصول روسيا إلى موانئ المياه الدافئة منذ عصر بطرس الأكبر. وكانت طرطوس تمثل واحدة من الموانئ القليلة الرئيسية في المياه الدافئة التي يمكن لأسطولها البحري أن يعمل من خلالها دون عوائق على مدار العام. وفي هذا السياق، طرحت بعض التقارير إمكانية انتقال روسيا إلى ليبيا أو السودان أو مالي بالنظر إلى علاقتها المتطورة مع حكومة الشرق والمشير خليفة حفتر والجيش السوداني والدعم السريع من خلال الفيلق الروسي في أفريقيا، وكذلك نفوذ شركة فاجنر الأمنية أو ما يعرف بـ "فيلق أفريقيا" في القارة الأفريقية.

ثالثاً: تحديات انتقال القواعد العسكرية الروسية إلى ليبيا

من المتوقع أن تقف تحديات عدة أمام رغبة موسكو في نقل قواعدها العسكرية إلى ليبيا، والتي يتمثل أبرزها في مسافة الطيران بين روسيا وليبيا، مما يجعل عملية نقل الأصول أكثر تكلفة، فضلا عن الوضع الداخلي غير المستقر في ليبيا. كما أن الاعتماد على ليبيا يعني أنه لن يكون من الممكن نقل الأسلحة والعتاد العسكري عن طريق السفن، بالإضافة إلى أن مسافة الطيران أطول بكثير، وهي غير آمنة للغاية. وسيتعين على روسيا في هذه الحالة الاستثمار بكثافة في هذه القاعدة، لتنظيم الرحلات الجوية إلى الدول الأفريقية. ورغم أن ليبيا أقرب لوجستياً إلى منطقة الساحل من السودان، حيث تمتلك روسيا بالفعل وجودا عسكريا كثيفاً في البلاد قوامه ما يقرب من ألفي فرد بحلول نهاية عام 2024.

ولا تزال ليبيا في حالة شلل سياسي بعد تأجيل انتخاباتها العامة، التي كانت مقررة في نهاية العام 2021. وتؤكد بعض التقارير على أن ليبيا ما تزال تشكل قاعدة مهمة لروسيا، حيث إن وضعها الداخلي يجعل من السهل القيام بأنشطة المرتزقة، كما يمكن لروسيا من خلالها الوصول إلى منطقة الساحل بأكملها. كما أن خسارة القواعد الروسية العسكرية في طرطوس وحميميم سيكون مدمراً لقوات الفيلق الأفريقي الموجودة في ليبيا وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وبالتوازي مع ذلك، فإن عناصر تنظيم القاعدة في مالي احتفلوا بالتطورات في سورية، ونظروا إليها بوصفها فرصة محتملة لتقويض التعاون بين روسيا ومالي بشكل أكبر، وفي ظل انعدام اليقين بشأن مستقبل القواعد الروسية في سورية، قد تضطر بوركينا فاسو والنيجر إلى الانتظار فترة أطول بكثير لنشر قوات إضافية أو قوات شبه عسكرية، وجميعها أنظمة كانت تنتظر زيادة الدعم الروسي، فهذان البلدان معرضان للخطر بشكل محتمل، وسيحتاجان إلى البدء في تدريب القوات المحلية أو البحث عن طرق أخرى لبناء القدرة على الصمود.

 

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟